غنى الفنان محمد عبد الوهاب رائعته «حب الوطن فرض علىّ»، للوطن الأكبر، أى مصر، أو هكذا فهم الأغلبية، ولكن فى تقديرى أن منظم الأبيات أمين عزت الهجين كان يقصد بالوطن كل بقعة عشنا فيها وأحببناها، وتمنيت أن تكون الإسكندرية هى المعني. فالإسكندرية وإن أهملها أصحابها جهلا بجمالها وحسنها الفتان، تستحق كل قصائد حب الأوطان. وقد أغير فى كلمات الهجين لتكون: «ياسكندرية أنا رضعت هواك، بيجرى فى دمي.. أحب بحرك وسماك، بحرك الحلو الصافي، أفديه بروحى وعينيه.. ومن يلومنى فى حبه ده مين، ده ورده أحلى فى عينيا، من كل ورد تشوفه العين». أمير الشعر أحمد شوقى اقترب للمعنى فعلا بقوله فيها: «وطنى لو شغلت بالخلد عنه.. نازعتنى إليه فى الخلد نفسي». فمجرد زيارة لشواطئ الإسكندرية كفيلة بإزالة الهموم حتى لو كانت مثل زبد البحر، فهوا البحر ونسماته وأمواجه تستحق الاقامة الدائمة أمامه، ولعلى أستغرب أهل الثغر وهم يتركون عروستهم هكذا بلا اهتمام وكأنها عجوز تنتظر الموت، وكل مرة أزور فيها الإسكندرية أتخيلها بقعة فى وطن ثان يطل على البحر المتوسط، لتبرز تلك المدينة العريقة كبدر البدور، أو فتاة تتألق لملاقاة عشاقها. بحر الإسكندرية أغرى فيروز بنت كل شواطئ لبنان، فقالت فى شط الغرام: «وإن أنا نسيتك ينسانى المنام، والشاهد عليه غنوة أمارية، والنسمة البحرية وشط إسكندرية». إنها الإسكندرية، نهري، قمري، بدري، أملي. نهرى فى صفائه، قمرى فى كماله، بدرى فى رقته وجماله وحسنه ودلاله، أملى دلوقتى وبكره وبعده. فالإسكندرية بدر البدور، عينها حور والكل مسحور بجمالها..بدر الزمان وكل أوان، فى كل مكان ما فى مثالها.. ياعينى على سحر جمالها ونظرة عيونها، أجمل صبية زى الحورية حتى فى دلالها. الإسكندرية التى نحج إليها ونغرق فى بحر هواها، نعتب على أهلها، فتركوها تغرق فى أمطارها بدلا من تزيينها كجوهرة، وياليتنا كنا أصحاب شطآنها وبحرها الذى تتلألأ أمواجه عليها، لتعزف أعذب الألحان لكل عشاقه الذين ينتظرونها بعواطفهم. لمزيد من مقالات محمد أمين المصري