لا تستعجب إذا رأيت فيهم سائق توك توك, أو بائع خضراوات أو عاملا بمتجر أو مغلق حديد وأسمنت لم لا وراتب الواحد منهم لا يزيد علي ألف جنيه شهريا! صدق- ويجب أن تصدق- أن وزارة الأوقاف تعاقدت مع أئمة لخطبة الجمعة بمبلغ15 جنيها أسبوعيا تصرف تحت بند. مقابل اعتلاء المنبر, قد يتأخر صرفها عدة أشهر. في مصر الكنانة العامرة ببيوت الله أكثر من مائة ألف مسجد يعمل بها ما يزيد علي50 ألف إمام وخطيب, قد تعجبك عماماتهم الزاهرة, أو تستشعر انتماءهم وعشقهم واعتزازهم بزيهم الأزهري الذي تفردت به مصر عن كل دول العالم الإسلامي. قد يترامي إلي مسامعك نكتة أو حكاية عن شيخ من عابر سبيل, لا يقدر مكانة العلماء وحملة أمانة الدعوة إلي الله, ولكنك في كل الأحوال لا تدري حجم معاناتهم, وضعف رواتبهم الذي دفعهم إلي البحث عن مهن أخري اختطفتهم من فوق المنابر في رحلة بحث شاقة عن لقمة العيش لا نبالغ حين نقول أن إماما من الشرقية يعمل بمحافظة الإسماعيلية, وآخر من البحيرة يعول من الأبناء خمسة ويعمل إماما بمساجد مطروح, ويحصل علي بدل إقامة واغتراب لا يزيد علي300 جنيه شهريا لا تصرف في موعدها. مستشفي واحد في عموم الجمهورية يعالج50 ألف إمام وضعفي هذا العدد من عمال الوزارة والعاملين بها, الرعاية الطبية غائبة, والخدمات الاجتماعية لا وجود لها, ووعود من وزارة الأوقاف بتحسين أوضاعهم لم تجد في وزارة المالية أذنا صاغية. وقوي سياسية وتيارات دينية تتجاذبهم منذ نجاح الثورة. ولكنهم, وللحق نقول, يتحاملون,ويؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة من أجل ضمان استمرارية مسيرة الدعوة الإسلامية المستنيرة في مصر المحروسة. هذا هو حال الأئمة الذين نطالبهم بتجديد الخطاب الديني وتنوير العقول والقلوب, وأصبحوا محل عطف وكرم وفي حاجة ملحة إلي الإحسان, وهكذا يعيشون!! الأئمة المغتربون استبشر أئمة الأوقاف خيرا حينما صدر قرار تحسين وضعهم برفع أجورهم, وتحقيق مطالبهم بعد مظاهرات واعتصامات دامت شهور طويلة بديوان عام الوزارة بالقاهرة, وصلت في بعض الأحيان إلي الاعتصام داخل مكتب الوزير, علي أن تتلوها مبادرات أخري, ليس لأنها سترفع من المستوي المعيشي للدعاة. ولكنها أيضا لرفع مستواهم الصحي والعلمي, وتحقيق مطالبهم الاجتماعية. حاولت الوزارة جاهدة إعادة الاعتبار إلي شريحة اجتماعية قلما أثارت اهتمام الحكومات المتعاقبة, وأصبحت مادة للسخرية في كثير من وسائل الإعلام والمسلسلات والأفلام. لجان تشكلت لبحث مطالب الأئمة, ثم انفضت دون الوصول الي حل بسبب مماطلة وزارة المالية في زيادة رواتب الأئمة الشيخ بهاء الديشي تخرج في كلية أصول الدين جامعة الأزهر في عام1988 والتحق للعمل إماما بوزارة الأوقاف بعد تخرجه بعامين براتب لا يزيد علي300 جنيه بلغ الآن1000 جنيه, أسرته بالبحيرة, وعمله بأحد مساجد مطروح, له من الأبناء ثلاثة, وأصبح رمزا بين اقرانه لمعاناة الأئمة المغتربين, ويحكي الشيخ بهاء الديشي إمام وخطيب بأوقاف مطروح قصته قائلا: إن جميع أئمة الأوقاف بمطروح مغتربون ويتعرضون للكثير من المعاناة نتيجة لذلك فلا توجد استراحات كافية للأئمة ولذلك يضطر الإمام للحصول علي سكن في حدود400 جنيه تقريبا في الوقت الذي يصل إجمالي دخل الإمام بالبدلات والحوافر لنحو1000 جنيه تقريبا, فإذا كان نصف الدخل يوجه للإيجار فكيف يعيش الإمام وأسرته بمبلغ500 جنيه, هذه مأساة حقيقية يضطر معها الإمام لمزاولة إحدي المهن الأخري حتي يستطيع مواجهة ظروف الحياة الصعبة, هذه المهنة الأخري كانت لجوء الشيخ بهاء للعمل بأحد متاجر بيع الحديد والأسمنت بمحافظة مطروح. بدل الاغتراب.. غائب وزارة الأوقاف من جانبها, وفي إطار سعيها للتصدي للمشكلات المالية التي يعانيها الأئمة العاملون بمساجدها أعلنت عن تخصيص ما يسمي ب بدل الاغتراب للأئمة ولكن الشيخ بهاء الديشي يوضح أن بدل الاغتراب تبلغ قيمته الإجمالية راتب شهر كل ثلاثة أشهر, ولكن توقف صرفه للائمة المغتربين منذ سبعة أشهر بدون سبب نتيجة تعنت موظف المالية بمديرية الأوقاف بمطروح, وكذلك بدل الانتقال الفعلي للمفتشين والمقدر بنسبه80% متوقف أيضا, أما بدل الإقامة والمقدر بنسبه70% من مربوط الدرجة, فهو مبلغ ضئيل للغاية ويصل لنحو70 جنيها تقريبا في حين أن الإمام يدفع إيجارا أكثر من400 جنيه, كما يشير إلي أن هناك عدم مساواة في بدل جذب العمالة فبعض المحافظات تصرف150 والبعض الأخر يصرف50% وكلها مبالغ بسيطة للغاية, وحتي المنحة الأخيرة التي وافقت عليها وزارة المالية وهي صرف75 جنيها منذ يناير الماضي تم ضم هذا المبلغ لنسبة200% ولم يستفد الأئمة من هذه المنحة. واجب الضيافة الشيح وليد حمامة إمام وخطيب بأوقاف الغربية, لا يتوقف دوره علي العمل الدعوي داخل المسجد, فهو حلال لمشكلات أهل قريته, ويسعي دائما في الخير والإصلاح بين الناس, وإزالة الخلافات بين الأزواج وزوجاتهم, يفعل ذلك لوجه الله دون مقابل, ولأن لكل موقف ثمنا, فان الثمن هنا في كثرة ضيوف الشيخ, وتردد أهل القرية بصفة دائمة علي منزله وما يستتبع ذلك من واجب الضيافة, وينفق علي تلك الأنشطة من راتبه الذي يبلغ960 جنيها- شامل البدلات والحوافز- ويعول أسرة مكونة من4 أفراد, ويحرص دائما علي شراء الكتب والمراجع التي يسعي للحصول عليها, ويتساءل: إذا كنت أنصح الناس بالإنفاق والتصدق فكيف لو جاء مني يسألي ويطلب منه الصدقة أو المساعدة ؟! غياب الرعاية الصحية ويستعرض وجها آخر من أوجه معاناة الأئمة هو غياب الرعاية الصحية المقدمة للأئمة والتي تقتصر علي مستشفي الدعاة بالقاهرة ويقول: أعيش في قرية بشبيش بمحافظة الغربية ولا أستطيع أن أنتقل للقاهرة للعلاج بمستشفي الدعاة لأن تكاليف العلاج بمستشفي الدعاة مرتفعة للغاية ويتم خصم25% فقط من إجمالي تكاليف علاج الأئمة بها, وفي كثير من الأحيان تتعدي تكلفة انتقال الإمام وأسرته إلي مستشفي الدعاة بالقاهرة, الخصم الذي يقدمه مستشفي الدعاة لمن يطلب العلاج, وإذا أجريت لأحدنا عملية جراحية بالمستشفي فان ذلك يعني تكاليف انتقال وإقامة بالقاهرة لبقية الأسرة, كما يطالب بضرورة وجود نواد اجتماعية للأئمة كجزء ترفيهي للإمام وأسرته. ويضيف أن أئمة الأوقاف يعيشون في ظروف صعبة للغاية تستدعي تدخل المسئولين لتحقيق الحياة الكريمة للأئمة والدعاة وأن يتم تمييزهم في الخدمات العامة كالنقل والمواصلات وغيرها من الخدمات التي يتمتع بها بعض فئات المجتمع لأن ذلك ينعكس بالإيجاب علي الأئمة والدعاة, مطالبا بضرورة أن يتم السماح للائمة بركوب الأتوبيسات ووسائل النقل العامة من الباب الأمامي بدلا من الركوب من الخلف, خاصة أن ذلك يحفظ للائمة والزي الأزهري كرامته وهيبته في نفوس الناس, دعاة في مهن أخري الشيخ ضياء عشماوي إمام وخطيب بإدارة أوقاف مصر الجديدة, يدفع من راتبه700 جنيه إيجارا شهريا, ويتعدي هذا المبلغ أكثر من نصف راتبه الذي لا يزيد بالبدلات والحوافز علي1275 جنيها, ووفقا لميزانية أسرته التي تبلغ(4 عيال وأمهم), يحتاج نحو3 آلاف جنيه, ويضيف: وفي ظل غلاء المعيشة والحياة الصعبة فإن لدي أعمالا تجارية أقوم بها حتي أستطيع مواجهة ظروف الحياة في ظل حالة غلاء غير مسبوقة والتزامات كثيرة علي الإمام نحو المجتمع, وأعمالي التجارية تساعدني علي الحياة فإذا كان إجمالي المصاريف الشهرية3 آلاف جنيهات, أيضا المظهر وزي الإمام يكلفه الكثير فلابد للإمام أن يظهر بمظهر حسن لأنه قدوة لدرجة أن تلميع الحذاء في حي روكسي بلغ3 جنيه بالإضافة للانتقالات داخل القاهرة التي تتكلف يوميا مبلغا كبيرا فكيف لنا أن نواجه تلك الظروف. ومن جانبه يقول الشيخ جمال غالي إمام بأوقاف القليوبية إن الظروف الصعبة التي يمر بها الأئمة والدعاة جعلتهم يتركون مساجدهم ليعملوا في مهن أخري لزيادة دخلهم ومواجهة ظروف الحياة الصعبة فمرتب الإمام بالبدلات والحوافز لا يكفي عدة ايام في ظل وجود أبناء في مراحل التعليم المختلفة بالإضافة لكثير من الالتزامات الأخري التي تفرض علي الإمام نتيجة طبيعة عمله, نفس الأمر أكدة الشيخ حمدي قدوسة إمام وخطيب بأوقاف القليوبية بأن هناك عددا كبيرا من الأئمة والدعاة يعملون في مهن أخري كالنجارة والسباكة وهناك سائق التوك توك والميكروباص والبعض الآخر يعمل في مطاعم ومحال والمؤكد أنه لا يصح أن يعمل الداعية في تلك المهن لكن في الوقت نفسه كيف يعيش الداعية وأسرته في ظل ظروف الحياة الصعبة. إهمال الدعوة.. والكادر هذا العمل الإضافي الذي لجأ إليه أئمة مساجد مصر لتحسين ظروفهم المعيشة وتلبية متطلبات العيشة يري الشيخ أحمد البهي إمام وخطيب بأوقاف الإسكندرية, أنه كان سببا رئيسيا في ضعف مستوي الأئمة والتقصير تجاه مساجدهم وهذا ما أعطي الفرصة للجماعات الدينية من للانتشار في مساجد وزارة الأوقاف وهذا بالطبع يحزن الإمام ولكنه بين نارين نار الغلاء ونار إهمال الدعوة والحل طالب به الأئمة كثيرا وهو في يد الحكومة, ألا وهو إقرار كادر مالي مناسب يحفظ للإمام كرامته وهيبته ويوفر له حياة كريمة محترمة. فراتب الإمام الذي أمضي10 سنوات أو أكثر في عمله لا يتجاوز أبدا ألف جنيه, وحتي هذه الألف لا تأتي كاملة آخر الشهر بل ربما يأتي نصفها والنصف الآخر يأتي نهاية الشهر أو حتي في الشهور التي تليه وربما تتأخر المستحقات حتي4 أشهر مما يجعلنا دائما في قلق ويجعل أمور حياتنا غير منتظمة وهناك بدلات يحصل عليها الإمام ضمن راتبه لا تصلح إطلاقا, فمثلا بدل الزي18 جنيها وبدل الإطلاع10 جنيهات وبدل صعود المنبر10 جنيهات فكيف للإمام مع هذه المبالغ البسيطة أن يمتلك مكتبة علمية تنفعه في تحضير خطبه ودروسه ؟ وللعلم فإن أقل مكتبة للإمام لابد ألا يقل ثمنها عن10 آلاف جنيه. سخرية من الدعاة ويلفت الشيخ عبد العزيز رجب إمام وخطيب بأوقاف القاهرة النظر إلي الكثير من المفاهيم الخاطئة التي تعوق عمل الدعاة منها سوء تعامل الاعلام مع الدعاة وعلماء الأزهر فنجد الكثير من النكت التي يتم إطلاقها علي الدعاة وهذا ينتقص من قدرهم كذلك تصوير الداعية الذي يرتدي العمامة علي أنه رمز للتخلف والرجعية أو الدروشة, وأيضا الفوضي الدعوية وإطلاق كلمة شيخ الأزهرية وصوفية العمة والفقهاء والتربية- وداعية إسلامي علي غير المؤهلين وقد يكون حاصلا علي دبلوم واتهام الأزهرية بأنهم أشعرية ولا يعرفون شيئا, وعدم وجود حصانة اجتماعية للدعاة تشعر الداعية بحرية التعبير عن آرائه دون قيد أو خوف, أيضا الداعية لا يشعر بالحرية في ظل مؤسسة غير مستقلة ماليا وإداريا عن النظام الرسمي والحكومي للدولة حيث سيكون عرضة للنيل منه إذا خالف منهج الحكومة حيث يكون عرضة للنقل من مسجده أو تحويله إداريا أو وقف مرتبه أو توقيع جزاءات عليه أو حرمانه من المميزات داخل المؤسسة خاصة لو كانت القيادات في تلك المؤسسة غير منتخبة ويتم التعامل معها علي أنها موظف حكومة فإن هذه القيادة ستنفذ قرارات الدولة دون النظر لمصلحة الدعاة مشكلات إدارية ومن جانبه يقول الشيخ محمد الجزار مفتش أول بأوقاف الدقهلية أن هناك الكثير من المشكلات الادارية التي تواجه الدعاة منها أن قانون العمل بالمسجد غير منضبط ويسبب مشكلا في الاداء فضلا عن مشكلات اجتماعية مع الجمهور تتمثل في تعدي البعض علي ممتلكات المسجد وعلي موظفيه دون رادع ودون حماية قانونية واهمال الاوقاف في الاستعانة بالشئون القانونية لديها كمحام عن الموظف في نزاعاته الخاصة بالعمل وتركه نهبا للجمهور, إضافة لتعدي بعض السياسيين علي المسجد ومحاولة اقصاء الامام والموظفين داخله باستخدام النفوذ السياسي ومحاولة تهميش دور الإمام في التثقيف والوعي السياسي وكذلك الضعف الثقافي الناشيء عن عدم التفرغ التام للعمل, وعدم القدرة علي الاطلاع الدائم لعدم توافر الماديات لشراء الكتب يؤثر سلبا علي محصلته الثقافية ويمتد اثر ذلك علي قيمته الفكرية في المجتمع, أيضا هناك مشاكل الترقيات والمتابعة في العمل حيث يمكن ان يكون المتابع للأداء اصغر في السن والمؤهل والدرجة من بعض المرءوسين فلا يصح أن يكون المتابع علي الدرجة الثانية ويقوم بقيادة موظف بدرجة امام أول او مدير عام( كبير أئمة) او( كبير مفتشين) وعدم وجود لائحة واضحة للمخالفات والجزاءات وتعسف عضو الشئون القانونية في استعمال سلطته دون الاخذ برأي الرئيس المباشر في توقيع العقوبة بالمخالفة للقانون الجمعة القادمة: الانتماءات السياسية للأئمة