تشهد مصر بعد أسابيع قليلة حدثا علميا كبيرا سوف سيغير الخريطة المعرفية للدولة ويلبى احتياجات طالما تمنتها العديد من شعوب العالم ، وهو إتاحة المحتوى العلمى مجاناً لكل الشعب مع انطلاق «بنك المعرفة المصري» خلال الأسبوع الأول من العام المقبل. هذه السابقة تكاد تكون الأولى من نوعها على الأقل بالوطن العربى لتمكين جميع افراد الشعب من الوصول إلى كنوز علمية مجانا حيث تتحمل الدولة شراء الموسوعات وقواعد البيانات وآلاف الدوريات العلمية بكافة مجالات المعرفة. هذا الحدث المهم سيكون خطوة تقود مصر لسباق العصر وهو تنمية رأس المال المعرفى ويحتاج الى خطوات عديدة أخرى لكى نضع بلادنا على الطريق الصحيح لاقتصاد المعرفة. يضم البنك كتبا ومجلات إلكترونية،و مناهج دراسية للتعليم الأساسى والجامعي، ومحركات بحث، ومكتبات رقمية للفيديو والصور وبرامج للحاسبات فى مجالات الرياضيات وغيرها. لو تم هذا المشروع بحسب ما خطط له سيوفر على الطلبة والباحثين وكل من اراد التعلم المعاناة والتكلفة المادية الكبيرة للوصول إلى هذه الكنوز العلمية التى لا تتاح للمستخدم العادى للانترنت. المشروع الذى أعلنت عنه المجالس الرئاسية المتخصصة فى مؤتمر صحفى برئاسة الجمهورية يوم 14 نوفمبر الجاري، يجسد أمنية طالما نادت بها العديد من المؤتمرات والمنتديات العلمية بالعالم بخاصة بعد ظهور الانترنت، وعبرت عنها عدة مبادرات للوصول للمعلومات بخاصة العلمية مجانا عبر الانترنت، بشكل مستمر. بدأت هذه المبادرات، التى رصدتها د. مها أحمد إبراهيم فى بحثها «الوصول الحر للمعلومات» بمبادرة المكتبة العامة للعلوم عام 2001 بتوجيه رسالة مفتوحة من باحثين من دول مختلفة، تطالب الناشرين بالسماح لهم بإتاحة المنشورات العلمية مجانا على الانترنت. وأعلنوا عزمهم إنشاء مكتبة عامة على الشبكة الدولية لتوفير المحتوى الكامل لنتائج البحوث المنشورة فى العلوم المختلفة.وتلتها العديد من الدعوات منها مبادرة بودابست مطلع فبراير 2002 لبناء مجتمع بحث علمى عالمى على الانترنت، لتبادل المعلومات والبحوث الكاملة بشكل حر بين مئات الآلاف من العلماء حول العالم، ووقع على هذه المبادرة 16 عالما فى أحد مؤتمرات معهد المجتمع المفتوح، وخلال سنوات ارتفع عدد الموقعين عليها إلى عشرات الآلاف من الأفراد والمنظمات بالعالم لدعوة العلماء من جميع التخصصات لاتاحة نسخ من بحوثهم بشكل كامل على موقعها بالانترنت. وشهد العالم العديد من الدعوات الأخرى ومنها مبادرة إعلان القمة العالمية حول مجتمع المعلومات عام 2003 التى استهدفت النفاذ الكامل لتكنولوجيا الإعلام والاتصال والوصول إلى مجتمع المعلومات والمعرفة. ولكن غالبية هذه الدعوات ظلت مجرد أمنيات وما تحقق منها لم يتجاوز إتاحة الوصول للمحتوى العلمى لقطاعات محدودة من الباحثين او على نطاق معين . ومن هنا تكمن أهمية «بنك المعرفة المصري» الذى يفتح ابوابه قريبا لجميع أفراد الشعب المصرى للوصول إلى نخبة من كبريات المواقع والمؤسسات والمكتبات والدوريات العلمية ليكون بذلك أضخم مكتبة رقمية تضم المحتوى المعرفى لأكبر دور النشر بالعالم مثل: سبرنجر، نيتشر، ناشونال جيوجرافيك، ديسكفرى، إيلسفير، كامبريدج، أكسفورد، بريتانيكا، أميرالد، ثومسون رويترز، والعشرات من الناشرين. كما تحتوى على آلاف الأبحاث العلمية بمجالات الطب والهندسة وسائر العلوم التطبيقية والإنسانية، وتقوم حاليا المجالس الرئاسية المتخصصة بوضع التصميمات النهائية له. الحدث مهم ولكن الأكثر أهمية هو كيفية الاستفادة من هذا الانجاز ليصبح نقلة نوعية لوضع مصر على طريق مجتمع المعرفة، وهذا يتطلب أن تتبعها خطوات اخرى تنهض بمستوى وسائل المعرفة وفى مقدمتها التعليم الذى بلغ حالة متردية وفقا لتقرير المنتدى الاقتصادى العالمى لعام 2015 - 2016، حيث جاءت مصر فى المرتبة قبل الأخيرة فى محور جودة التعليم الابتدائي، ( المركز 139). إن كيفية تحصيل المعرفة وليس مجرد المعلومات هو سؤال العصر الذى تتسابق الدول فى الإجابة عليه، لأن إتاحة المعلومات لا يعنى تحصيل المعرفة فهناك فارق كبير بين الاثنين، إذ أن المعرفة يمكن بلوغها أساساً عن طريق التعليم والتدريب والخبرة المكتسبة، أما المعلومات فيمكن الحصول عليها عن طريق النسخ. ويعد رأس المال المعرفى هو حصاد العقل البشرى، باعتباره الحصيلة والقدرة العلمية التى يستفاد بها من البشر، وهو أكثر ثراء وقوة من رأس المال البشرى، ونجد أن الدول التى تقدمت تمكنت من تحقيق نهضتها عن طريق القيام بجهود كبيرة لتنمية رأس المال المعرفى لدى مواطنيها واعتبرت الموارد البشرية المورد الرئيسى للاقتصاد الوطني، واتبعت طرقا كثيرة لتشكيل رأس المال المعرفى لا تتوقف على مجرد توفير المعلومات والمحتوى العلمى . نثق ان هذه الرؤية لا تغيب عن القائمين على المشروع يتضح ذلك من اختيار اسمه «بنك المعرفة المصري، لذا نرجو ان يكون المشروع بداية علمية لمواجهة حقيقية لأزمة التعليم والبحث العلمى بحيث يتغير هدفهما من مجرد تخريج شباب حاصلين على شهادات علمية أو ترقية أعضاء هيئة تدريس، إلى المساهمة فى وضع مصر على طريق اقتصاد المعرفة. [email protected] لمزيد من مقالات د. محمد يونس