تعد قضية العنف ضد المرأة فى أى مجتمع جزءا لا يتجزأ من مشكلاته ككل، وعلى الرغم من أن المرأة كانت تتعرض منذ بدء التاريخ لأقصى ألوان العنف، إلا أنه كان يُنظر إليه على أنه شىء طبيعى. وتحت تأثير الحركات النسائية أدركت المجتمعات أهمية القضاء على جميع أشكال العنف ضد المرأة، حيث إن العنف يؤدى إلى عرقلة مساهمتها فى تنمية المجتمع، فالمرأة نصف المجتمع، والمسئولة عن تربية النصف الآخر، لذا فإن له آثاره المدمرة على البناء الاجتماعى بكامله. من هذا المنطلق وبمناسبة اليوم العالمى للقضاء على العنف ضد المرأة الذى يوافق 25 نوفمبر من كل عام، أعد الدكتور محمد سكران أستاذ التربية، ورقة عمل عن العنف ضد المرأة المصرية من منظور مجتمعى وثقافى وتربوى، خاصة بعد أن تزايدت حدته وتعددت أشكاله، وأصبح يهدد أمن المرأة واستقرارها الاجتماعى والنفسى، وأصبح يشكل ظاهرة خطيرة توجب الوقوف عليها، وتحديد آثارها، وتداعياتها والأسباب وراء انتشارها، وضرورة مواجهتها والتصدى لها. وتشير الوثيقة الصادرة عن المؤتمر العالمى الرابع للمرأة فى بكين 1995 إلى أن العنف ضد النساء يأخذ أنواعاً وأشكالاً متعددة وهى: العنف الأسرى: والذى يعد أكثر أشكال الممارسات العنيفة فى المجتمع المصرى تجاه المرأة، سواء كانت أماً أو زوجة أم ابنة، ويتجلى فى صور متعددة مثل العنف البدنى ( الضرب أو المعاملة بقسوة)، أو فى صور أخرى مثل ختان الإناث والزواج المبكر، والعنف النفسى والمعنوى الذى يتمثل فى السخرية والاستخفاف من أداء النساء أمام الآخرين والتهديد بالإيذاء والعقاب. العنف الاقتصادى: ويتضح فى حرمان المرأة من العمل، أو عدم إعطائها مصروفاً خاصاً بها، أو الاستيلاء على ممتلكاتها رغماً عنها، أو على إيرادها الخاص، أو الامتناع عن الإنفاق عليها. العنف الاجتماعى: ويتمثل فى عدم إشراك المرأة فى القرارات الأسرية، أو عدم إتاحة الفرصة لها للتعبير عن رأيها، وحرمانها من حق الاعتراض أو الرفض، والحجر على حريتها الشخصية بشتى الأساليب والصور. العنف الفردى والجماعى: العنف الفردى يتجسد فى الإيذاء المباشر وغير المباشر للمرأة بالقول أو بالفعل أياً كان فى حين أن الجماعى تقوم به مجموعة بشرية ويمكن أن يأخذ صفة التحقير أو الإقصاء للمرأة. ونلاحظ أن ظاهرة العنف آخذة فى التزايد للعديد من الأسباب منها، سوء الأحوال الاقتصادية، وتزايد معدلات الفقر والبطالة، وشيوع مظاهر الإحباط وفقدان الأمل، خاصة بين الشباب، وانتشار القيم السلبية والشائعات المدمرة، مع الاستهانة بالقوانين، وغياب دور الدولة فى الحصول على الحقوق والواجبات، ومن ثم لجوء البعض للحصول على حقوقهم ولو بالعنف واستخدام القوة، بالإضافة الى غياب الدور التربوى والتعليمى فى الارتفاع بمستوى الوعى بالحقوق والواجبات. ويشير الدكتور محمد سكران، من خلال الورقة، الى أن العنف ضد المرأة يؤدى إلى فقدان ثقتها بنفسها مما يجعلها كائناً واهياً، لا تحسن تربية أطفالها كما أن عطاءها للأسرة يكون قليلاً، وتكون عادة ذات معنويات منخفضة ونفسية محطمة، مما يسبب تغييب دورها وتهميشها فى العديد من الأنشطة المطلوب أن تؤديها، كما يجعلها حاقدة على المجتمع الذى تعيش فيه، ونتيجة لذلك لا تتردد المرأة فى اتخاذ إجراءات انتقامية ضد المجتمع الذى يعتدى عليها، ويستخدم العنف ضدها، بالإضافة إلى أنها تعانى الاكتئاب والشعور بالاضطهاد، وتصبح لديها مشاعر عدم الكفاية، كما تعانى أيضاً أعراض القلق، إلى جانب العديد من الآثار السلبية ويتمثل أبرزها فى المتاعب الصحية والجسدية والاضطرابات النفسية الناجمة عن التعرض للعنف كالصداع والسعال والشعور بالأرق، وتزداد حدة المشكلات والإصابات البدنية حينما يكون العنف شديداً ومتكررا حيث تعانى المرأة القلق والاضطرابات فى النوم. لذلك فإن قضية العنف ضد المرأة هى وبالدرجة الأولى مسئولية كل المجتمع، والتصدى له ومواجهته عملية متكاملة وذلك عن طريق إصدار الدولة القوانين والتشريعات القادرة على مواجهة هذه الظاهرة، وقدرة مؤسسات المجتمع المدنى على مواجهة العنف ضد المرأة من خلال المشاريع القومية والفكرية، والسياسية والاقتصادية، ودور المؤسسات التربوية أيضا، والعمل على قيام هذه المؤسسات بتكريس ثقافة المساواة بين الرجل والمرأة، كما يجب على هذه المؤسسات ومن خلال التربية الوطنية إبراز ما كانت تقوم به المرأة المصرية من أدوار نضالية عبر التاريخ المصرى، وما تقوم به الآن من هذه الأدوار، وأن تقوم المؤسسات الدينية بغرس القيم والأخلاقيات السامية تجاه المرأة، كما أن للإعلام دورا كبيرا فى تكريس الثقافة المتطورة الداعمة للحقوق والواجبات، فعلى وسائل الإعلام اعتماد سياسة بناءة تجاه المرأة والبعد عن ثقافة العنف الممارس ضدها، كما يتطلب الأمر الابتعاد عن البرامج الإعلامية التى تتعامل محتوياتها مع حل المشكلات الإنسانية والخلافات العائلية بالعنف، والتركيز على حل المسائل الخلافية داخل المحيط الأسرى بالتفاهم والمنطق والأسلوب العلمى والأخلاق الرفيعة.