في نظر العالم كله هي هجرة غير شرعية وعمل مخالف للقوانين واللوائح ، لكنها في ظل حالتهم البائسة وظروفهم الحياتية القاسية هي الشرعية بذاتها في نظرهم ، وهي شعاع الأمل المتاح أمامهم لكي يخرجوا من دائرة الإحباط ويحطموا الإستسلام وغياب فرص العمل سواء في الحكومة أو القطاع الخاص . السير فوق الماء أو التحليق فوق السحاب يهون لديهم ، فالمهم بالنسبة إليهم هو تحريك مياه حياتهم الراكدة بحلم يرونه مشروعا في وجدانهم وقوانينهم. سبعة من شباب قرية زنقر مركز طلخا بمحافظة الدقهلية جمعهم الأنين والأمل في وقت واحد ، حكاياتهم متشابهة إلى حد كبير ، شباب في عمر الزهور لا تتجاوز أعمارهم 20 عاما حصلوا على مؤهلات متوسطة ونظروا حولهم فوجدوا تلالا من العراقيل والمشاكل والأبواب الموصدة ، أسرهم متخمة بالأشقاء والشقيقات الذين يحتاجون الكثير من المساعدة والزواج والمصاريف ، ورغم النصائح التي أسديت إليهم والتحذيرات التي خوفتهم من غدر البحر أو القبض عليهم من شرطة أي دولة أو ترحيلهم وضياع نقودهم ، إلا أنهم لم يستمعوا سوى لجيوبهم الفارغة وأحوالهم التي يرثى لها ، كما تذكروا النماذج القليلة في القرية التي وصلت إلى الشاطئ الأوروبي الآخر بسلام ثم عادت بالمال والإمكانيات والفرص ، تزوجوا واشتروا المساكن وفتحوا مشروعات صغيرة ، فظنوا أن رحلتهم يمكن أن تكون كذلك وأن يرجعوا بالأرباح والغنائم حتى ولو غامروا بحياتهم . كان لسان حالهم يقول في الأغلب ، إذا كان الموت في محاولة يمكن أن تنجح فالبقاء دون عمل وحركة هو الموت المؤكد . شباب ميت زنقر السبعة قرروا المغامرة في عرض البحر ، فعاد ثلاثة منهم جثثا هامدة غرقا وفقد إثنان لم يتم العثور على أجسامهم إلا بعد عدة أيام ، بينما كتبت النجاة لإثنين منهم عادوا يجرون أذيال التعب والإخفاق ليرووا بحزن حكايتهم ومعاناتهم من الأمواج الشريرة . يقول عبد الجليل مجدي إبراهيم أحد الشباب الناجين أنه ذهب مع ابن عمه إبراهيم إلى الإسكندرية ثم إلى الطريق الساحلي الدولي وبعد مسافة محددة مشوا حسب تعليمات المهربين 2 كيلو متر على الأقدام حتى وجدوا قبيل منتصف الليل بساعة اللانشات التي يفترض أن تنقلهم إلى سفن بالبحر مع عدد آخر تجمع من مناطق مختلفة ، كان يفترض أن يحمل اللنش 7 أشخاص لكنهم وجدوا 12 -14 في اللنش الواحد مما جعله عرضة للعواصف حتى جات موجات عنيفة شقت أحد اللنشات، ويضيف عبد الجليل وهو يتذكر بحسرة مشهد الغرق وضياع أمنيته بالوصول إلى اليونان أو إيطاليا : " لم نرتكب أي ذنب أو جرم ، كل ما فعلناه هو محاولة البحث عن لقمة العيش، مفيش شغل في البلد، ومش لاقيين نأكل هنعمل إيه ؟؟، كنا مضطرين للمغامرة والتضحية بأرواحنا في سبيل الحياة الكريمة". ويطالب عبد الجليل الحكومة، بأن توفر فرص عمل مناسبة للشباب بدلًا من أن يعرضوا أرواحهم وأموالهم للخطر مقابل الحصول على فرصة عمل غير مضمونة في دولة أجنبية، ويقول بحرقة : "أنا اتعقدت شفت الموت بعيني، وشفت ابن عمي وهو بيموت ولم أستطع إنقاذه اتعلقت في مركب صيد.. جسمي كله اتقطع". أما الناجي الثاني أحمد مقبول 19 سنة فيقول : عندما اتجهنا الى المكان المحدد لاستقلال القارب المطاطى الى عرض البحر فوجئنا بزيادة العدد ، فصارعنا الأمواج حتى انتشلنا قارب صيد وعاد بنا الى الشاطئ ولم أشعر بعدها بالدنيا الا وقد تم إحتجازنا الى أن تم انهاء الاجراءات وجاء أهلنا ليعودوا بنا الى القرية . وفي القرية الحزينة التي إتشحت بالسواد وهي تودع جثامين الشباب الثلاثة الغرقى ، تذكر الجميع قصص المفقودين ، فأحمد نجاح عبد الوهاب 18 سنة حاصل على شهادة متوسطة ووالده يعاني من إعاقة وهو موظف بالاصلاح الزراعى ووالدته ربة منزل وله أخ واحد أكبر منه هو محمد ، والفقيد الثاني هو ابراهيم فواز ابراهيم 20 سنة وهو الأخ الثالث لكل من آية بكالوريوس خدمة إجتماعية ومحمد ثانوية عامة ووالده فلاح وكان ابراهيم طالبا فى معهد خدمة اجتماعية وحاول أن يجرب حظه مع ابن عمه عبد الجليل . أما الشاب الثالث الفقيد فهو محمد الصديق يوسف سند 19 سنة فقد خطب فتاة أحلامه منذ أسابيع وله ست شقيقات أخريات متزوجات وكان كل حلمه أن يعد شقته للزواج ويساعد والدته ، والشباب الرابع هو محمد السيد سعد 21 سنة والده متوفي وكان يعمل اداريا بالتربية والتعليم وشقيقه رامي أكبر منه ومهاجر في اليونان وله شقيق اخر إسمه محمد ، والشاب الخامس والأخير إسمه السيد ماهر محمد الشافعى 18 سنة والده يعمل بقالا ووالدته ربة منزل وهو معاق ولم يكمل السنة الدراسية الأخيرة وله شقيقتان فاطمة وجنى كان يحلم هو الآخر بأن يعمل شيئا لنفسه وأسرته .