اتسعت دائرة المعجبين بأشعار نزار قبانى ليس فى القاهرة وحدها بل فى معظم الأقطار العربية خاصة بعد أن كتب النقاد وكبار الأدباء أن أشعاره ستكون فى متناول كبار الملحنين ليحولوها إلى أغنيات يتغنى بها نجوم الغناء فى مصر والوطن العربى وأن الموسيقار رياض السنباطى وعبدالوهاب والموجى والطويل سيكونون أول من يفعلون ذلك، ولهذا بدأ نزار لقاءاته مع هؤلاء الكبار وأهداهم بعض دواوينه، وانتشرت بشكل متسع دواوينه بين شباب المثقفين وطلاب وطالبات الجامعات وأصبح كثير منهم يتباهون باقتناء أحدث دواوينه ويحملونها إلى جانب كتبهم الدراسية فى هذه الجامعات كنوع من التباهى بمحبتهم لأشعاره واقتنع من جانبه أن طموحاته كشاعر مبدع وأمانيه لن يتحقق لها الكمال إلا من خلال أصوات هؤلاء النجوم الكبار من أمثال أم كلثوم وعبدالحليم حافظ ونجاة الصغيرة وفايزة أحمد وغيرهم خاصة عندما يلحن لهم كل من عبدالوهاب ومحمد الموجى اللذين أصبح لهما قبول جماهيرى ً واسعا فى الأوساط الثقافية والفنية وأصبح كل فنان يتمنى أن يحظى بلحن من ألحانهما، وفى زيارة لنزار قبانى إلى لندن تقابل مع عبدالحليم حافظ عندما كان يقدم حفلاته الغنائية فى أكبر قاعاتها الموسيقية «البرت هول» بمصاحبة الفرقة الماسية بقيادة الموسيقار أحمد فؤاد حسن والموسيقار محمد الموجى الذى تعرف أيضا ً على نزار مع عبدالحليم وأهداهما بعض دواوينه واتفق معهما أثناء الحفل على حضوره للقاهرة قريبا للاتفاق على بعض قصائده التى سيختارها عبدالحليم والموجى لتكون بداية إنتاجهما الغنائى للموسم الجديد وبالفعل حدث ذلك عندما حضر نزار إلى القاهرة وتقابل مع النجمين الكبيرين الموجى وحليم حيث تم اختيار قصيدتى «رسالة تحت الماء» و «قارئة الفنجان» باكورة عملهم المشترك الذى يتغنى به عبدالحليم من إنتاج صوت الفن أول شركة للإنتاج الغنائى الخاص التى يملكها كل من الموسيقار محمد عبدالوهاب والمصور السينمائى وحيد فريد والمطرب عبدالحليم حافظ التى كانت المنافس الحقيقى لشركة مصرفون ( صوت القاهرة حالياً) التى تملكها الدولة . ويعلم نزار قبانى من خلال صديقه مجدى العمروسى – رحمه الله – أن الموسيقار عبدا لوهاب يقضى فترة الصيف كعادته كل عام بفندق انتر كونتننتال باريس حيث يقضى هذه الفترة لإنهاء بعض الألحان التى يعدها لنجوم الغناء من كلمات كبار الشعراء خاصة شاعره المفضل حسين السيد وكذلك الشعراء مرسى جميل عزيز ومأمون الشناوى وآخرين حاملا ً معه كلمات هذه الأغانى وبعض النوت الموسيقية وجهاز التسجيل الخاص به لإنهاء هذه الأعمال فى هذا الجو الجميل والمريح فى باريس بعيدا ً عن القاهرة وصخبها وضوضائها حيث يلتقى عبدالوهاب فى هذه الفترة مع بعض أصدقائه من الأمراء والسفراء العرب وكبار الكتاب والفنانين ، ويزوره هناك نزار قبانى ويقضى معه بعض الوقت ويتفقان على إنتاج عمل فنى للفنانة الكبيرة نجاة الصغيرة الذى سيختار لها إحدى قصائده التى تتناسب معها كفنانة قديرة لها جمهورها الواسع وعشاقها فى كافة الأقطار العربية ويتفق عبدالوهاب مع نزار على لقاء آخر فى منزله المطل على نيل الزمالك بعد عودته من باريس بحيث يكون قد انتهى نزار من اختيار هذه القصيدة التى ستتغنى بها نجاة فى موسمها الجديد وفى الموعد المحدد يزور نزار قبانى عبدالوهاب فى بيته بعد أن إختار رائعته الشعرية «أيظن» التى يقول مطلعها «أيظن أنى لعبة بيديه .. أنا لا أفكر فى الرجوع إليه .. اليوم عاد .. كأن شيئا ً لم يكن .. وبراءة الأطفال فى عينيه» ويعجب عبدالوهاب أيما إعجاب بهذا الاستهلال الجميل للقصيدة ويطلب منه قراءة باقى الكلمات ويزداد إعجابه أكثر بالمقطع الذى يقول « حمل الزهور إليّ .. كيف أرده .. وصبايا مرسوم على شفتيه .. «إلى آخر القصيدة التى انشغل عبدالوهاب بتلحينها وأخذت منه معظم أوقاته ويتركه نزار لاستكمال اللحن ويعاود الاتصال به عدة مرات حيث استغرق اللحن عاما ً كاملا ً ليستكمله فى باريس أيضا ً مكانه المفضل الذى تعود أن يبدع فيه أجمل ألحانه ، وتعلم نجاة الصغيرة أن عبدالوهاب يعيش لحنا ً جديدا ً يبدعه لها من أجمل كلمات نزار قبانى وبعد شهرين من وجوده بباريس يزف إليها خبر انتهائه من القصيدة وأنه سيحضر إلى القاهرة لإجراء البروفات تمهيدا لتسجيلها والتى تجلت روعة أدائها للحن عبدالوهاب خاصة الكوبليه الذى بلغت فيه نجاة قمة ابداعها ونشوتها وحسها المرهف وصوتها العذب الجميل « حتى فساتينى التى أهملتها .. فرحت به .. رقصت على قدميه .. سامحته وسألت عن أخباره .. وبكيت ساعات على كتفيه .. وبدون أن أدرى تركت له يدى .. لتنام كالعصفور بين يديه .. « وتبلغ قمة أدائها فى الشطرتين الأخيرتين عندما غنت نجاة «كم قلت أنى .. غير عائدة له .. ورجعت ما أحلى الرجوع إليه» وتصفق لها كل أعضاء الفرقة الماسية فى الأستوديو وتكاد دموع عبدالوهاب تنزل من عينيه إعجابا ً بروعة أداء نجاة وكلمات نزار لتغنيها بعد ذلك فى أكثر من حفل نقلته الإذاعة والتليفزيون على الهواء ويستمع إليها معجبوها المفتونون بصوتها عبر الأثير .. وتطبع صوت الفن عديد من الطبعات من هذه القصيدة الرائعة التى اقتناها كل عشاق صوتها الشجى فى كافة الأقطار العربية .. والسؤال الذى نطرحه الآن على التليفزيون: أين نجاة؟ وأين هذه القصيدة؟ هل نقدمها ولو مرة واحدة كل شهر أو شهرين من أجل إثراء وجدان المستمعين ونعود بهم مرة أخرى إلى زمن الفن الجميل؟.