يبقى الغناء الجميل واحة أمن وأمان للحفاظ «أحلام أنغام البريئة».. على الذوق العام، وتشكيل الهوية، ومخاطبة الأرواح التواقة إلى الشجن الذى يقوى على كسر حدة العشوائية والفوضى والهمجية والرداءة الفنية التى نع موطن للشجن الجميل يشها منذ فترة فى عالمنا العربي، فلاشك أن الساحة تغلى عنفاً، وتفوح منها رائحة الدم والموت، ومن ثم يصبح الغناء الجيد هو المنقذ من حالتنا أحمد السماحي الراهنة نحو خلق روح حماسية تحثنا على العمل والجد والنشاط، ولأن الفن على تنوعه يعبر عن حالة وعى ينتجها الفنان بالأساس، فإنه من شأنه أن يشكل تفاعلا قويا مع المجتمع، وبالتالى يصبح للفن الجيد وعى من منظور آخر، وليس من ناحية أن الفنون جميعها خاصة الموسيقى والغناء لهما دورهما الحيوى فى تهذيب الروح. والأمر الثابت أن مصر حاليا تتراجع ثقافيا بسبب الفن الرديء الذى يخاصم الروح والوجدان، لهذا تنفسنا الصعداء منذ أسابيع قليلة ماضية، بعد أن طرحت المطربة صاحبة الذائقة السليمة «أنغام» ألبومها الجديد «أحلام بريئة»، الذى صنع بالضرورة حالة من استعادة الأمل فى الغناء العفى المصرى الذى نحتاجه حاليا، شريطة أن يكون قويا، مهذبا، شجيا، خاصة أننا منذ زمن ليس ببعيد نلحظ تراجع الغناء المصرى أمام الغناء الخليجى على مستوى الكلمة تحديدا، حتى جاء هذا الألبوم ليعيد الاعتبار للكلمة المصرية، ويؤكد من جديد أن مصر مليئة بالشعراء الرائعين - إن أخلصوا -وابتعدوا عن منطق « النحت والسبوبة». ومن هنا نلمح فى هذا الألبوم جانبا من الإخلاص وتفانى كل الشعراء الذين تعاونوا مع «أنغام» على تقديم كل ما هو جميل وراق، وللحقيقة لم أكن أتخيل أن يخرج من هؤلاء الشعراء مثل تلك اللوحات الرائعة والملونة بألوان قوس قزح ، لهذا يمكن أن نطلق على هذا العمل - ونحن مرتاحو الضمير - ألبوم « الكلمات الموحية والمعبرة، والأفكار غير النمطية، والأقوال المأثورة التى كثيرا ما افتقدناها فى غنائنا الحديث». ففى كل أغنية جملة تصلح كقول مأثور، أو مثل شعبى يمكن أن يردده الناس، كما كنا نسمع فى أغنيات كوكب الشرق أم كلثوم فعندما كانت تقول « حب أيه اللى أنت جاى تقول عليه» أو «لسه فاكر قلبى يديلك أمان» أو «أنساك يا سلام أنساك ده كلام أهو ده اللى مش ممكن أبدا»، أو«ستاير النسيان نزلت بقالها زمان» كنا نجد الشارع المصرى والعربى فى اليوم التالى يردد هذه الجمل حتى أن بعض هذه الجمل الآن يعتبرها الشباب أقوالا مأثورة يستخدمها العامة فى كافة المواقف الحياتية اليومية، وكذلك الحال مع معظم أساطين فن الغناء المصري. المهم أنه فى ألبوم « أحلام بريئة» تكررت هذه الصور الشعرية الراقية، بعد أن كانت اختفت من حياتنا لفترة طويلة باستثناء قلة قليلة من المطربين الحريصين أن يكون فى ألبوماتهم أغنيات تحمل بعضا من تلك الصور الشعرية، ومنهم بالطبع «أنغام، سميرة سعيد، لطيفة، على الحجار، آمال ماهر، شيرين، إليسا»، ولدينا مثال عملى جاء فى ألبوم «أنغام» من هذه الجمل التى وردت فى أغنية « فنجان النسيان» كلمات»محمود صلاح» ، وألحان وتوزيع «محمد رحيم» والتى تقول بعض كلماتها: «بيعدى شريط الأحزان / وأرجع مع حبك لزمان دا بعادك دوبنى سنين / دوقنى طعم الحرمان واما بفتكر اللى كان / وأهرب وحدى فى أى مكان أتنفس مطر الحنين / واشرب فنجان النسيان». ولنتأمل كيف رسم الشاعر الجميل «أمير طعيمة» تابلوه أو صورة غنائية ملونة بأجمل الألوان الطبيعية من خلال أغنية «بحب أغني» التى أعطاها الملحن والموزع «محمد رحيم» لحنا رشيقا جذابا يتناسب مع الصورة التى رسمها طعيمه، التى يقول فى جزء منها: «صوت الطيورفوق الشجر مغني صوت البحور والهوا صوت المطر مغني صوت الندى لو لمس خد الورود مغني كل الحياة دندنة ألحان بنسمعها بتسيب كتير ذكريات بنعيش نجمعها حتى البكا ناى حزين وفى جرحنا مغني وفى فرحنا مغنى كل حد فينا جواه فى تكوينه كمانجة تعزف ع الألم وتغنى لجروحه واللى ما داب فى الغنا ربنا يعينه عمره ما هيشوف الجمال ولا يلمسه بروحه» ولأن الحنين جرف أنغام هذه المرة نحو منطقة المشاعر الدافئة، وبعد أكتر من 15 عاما تعود لكلمات المبدع الراحل عصام عبدالله، بعد تعاونهما معا فى أغنيتهما التجريبية الرائعة «وحدانية»، من خلال أغنية ستبقى كثيرا فى أرشيف الغناء المصرى الأصيل، خاصة وأن الملحن الجميل خالد عز ترجم الكلمات إلى لحن شجى جميل معبر يليق بروعة الكلمات، وأستطاع الموزع نادر حمدى أن يضع اللحن فى إطار من الرومانسية ويوظف كل الآلات الموسيقية المستخدمة فى مكانها الصحيح لخدمة أغنية «بقيت وحدك» التى تقول فى كوبليه الآخير: هحاول اكتشف نفسى وانت كمان تشوف نفسك كتير لقيوا حاجات أعلى بطرق تانية كتير لقيوا مخاوفهم خرافية / واديك سامع / واديك شايف متحكمش على الدنيا برمادية / مفيش أحزان / ولا أفراح أبدية وداع يا أغلى شيء سيبته / حبيبى خلاص ودعته ودلوقتى أنا وحدى وانت خلاص بقيت وحدك وبعيدا عن الصور الشعرية الحالمة، قدمت «أنغام» ما يسمى ب «أغنية الموقف» عبرت من خلالها عن أكثر من صورة سلبية للرجل، منها صورة «الرجل المدمر» أو الذى لا يطاق، والذى تريد أن تتخلص منه بأية طريقة، حتى لو كتبت على نفسها تعهدا بعدم الإرتباط بأى رجل آخر، من خلال رائعة «بهاء الدين محمد» الجديدة «أكتبلك تعهد»، ولأنه شاعر غنائى صاحب أفكار غير مسبوقة، فسوف نلحظ أن هذه الأغنية تحقق هذه الأيام نجاحا منقطع النظير، ولعل ألحان إيهاب عبدالواحد قد أضاف لها بريقا آخر مع توزيع «مادي» ، والتى تقول فى مطلعها: ممكن تسيبنى اشترى عمرى اللى باقى قول بكام ؟ مش عايزة أعيشه معاك عشان لو عشته كله جراح / حرام ولو أنت خايف لما تسيبنى هقابل بعدك حد يصوني وانت لو مبقتش بتصدق كلامى / أنا ممكن اكتبلك تعهد مني أنا هعيش لوحدى باقى عمرى بس أعيشه باحترام انا عايزة نفسى حتى لو كل اللى باقى منها صوت مانا لو هكمل حياتى بيك من غير ما ييجى الموت هموت» ونفس الحالة تجدها فى موقف آخر، ورجل آخر أوصلها إلى حد كراهيتها للموسيقى - رغم أنه عشقها الأول والأخير - كما فى الأغنية اللبنانية التى قدمتها لأول مرة « بكره الموسيقي» كلمات «كاترين معوض»، ألحان»هشام بولس»، توزيع «دانى حلو» والتى يقول مطلعها: عم بكره الموسيقى اللى فيك بتذكرني لحبك بترجعنى وع ذكراك العتيقة بتاخدنى وبتردنى وبتهدنى قصور عمرتا بالهوي» ولأنهم كثر فى هذا الزمان، قدمت صورة للرجل « الندل الأناني» الذى لا يهمه غير مصلحته، والذى لا يعود لحبيبته إلا منكسرا أو مهزوما، من خلال أغنية « طول ما أنت بعيد» كلمات «عصام حسني»، ألحان»محمدي» الذى تتعاون معه أنغام لأول مرة، وكذلك الحال مع موزع الأغنية «مادي» والتى يقول مطلعها: طول ما أنت بعيد أنا بطمن أن إنت بخير علشان أنا مش ببقى حبيبتك غير فى الأحزان بس المرادى أكيد هتحس بفرق كبير واللى انا شيلته وخبيته ف قلبى سنين هيبان أول ما بتيجى عليا انا بعرف ايه اللى جرالك وبحس انا انت ضرورى حصلك حاجة فى بعدي حتى مبسألش ازيك على طول بسأل مالك أول ما اداويك تبعد وتروح وتسيبني». وهنالك فى أغنية «اتجاه واحد» كلمات أمير طعيمه، ألحان»رامى جمال»، توزيع»أحمد إبراهيم» ، حيث تقدم صورة أخرى للرجل الكداب المراوغ والمخادع فتقول: ليه مقولتليش من أولها كان حد فى حياتك قبلي لما ساعات بتحنلها طب كنت ليه بتقربلي صفحة وقبل ما تقفلها طب كنت ليه بتفتح غيرها وخلاص مفيش حاجة نعملها السكة دى وصلنا آخرها كان زمان عندى فرصة الاختيار بس دلوقتى القرار فى اتجاه واحد وأنا هسيبك عشان كداب روح وغيب انت مش نافع حبيب من النهارده انا مش هسيب حد يخدعنى ويوجعنى كفاية عذاب» وحتى الأغنية التى نجد فيها تدليلا للرجل وتشعر فيها أن حبيبها مثل أبيها أو أخيها أوابنها على أقل تقدير، لم تترك المسألة تسير بسلام دون أن توجه له «وخزة من ضمير» مؤكدة أنه لا يحبها كما تحبه، رغم أن حبها له يحمل قدرا من الصراحة الزائدة عن الحد، وهو نوع من حب «يطبق على النفس» ولا يطاق، حب فيه احتكار يقول مطلع أغنية «حتة ناقصة» كلمات أمير طعيمه، ألحان عزيز الشافعي، توزيع خالد سليمان: أنا مش حبيبتك إحساسى أكبر الحب حاجة واللى حساه حاجة تانية أنا حتة منك تتعب باتعب تفرح بافرح يا حبيبى قوام فى ثانية أنت حبيبى أنت أبويا أنت ابني روحى اللى لما تسيبنى ثانية قوام تسبني مشكلتى إنك حاجة أكبر من حبيبي لكن بحس أن إنت بس يادوب حاببني لوحتى كنت بحس عندك حتة ناقصة» ولنذهب مع غضب انغام من الرجل عبر صورة أخرى لكذب آدم وحبه لاثنتين من أبناء غريمتها «حواء» فى وقت واحد، حيث تتنافسان على حبه، كما فى أغنية « أهى جت» كلمات «كاترين معوض»، ألحان «هشام بولس»، توزيع»طارق مدكور»، يقول مطلعها: آهى جت اللى فى عينيها كان واللى فى عينيها بات واللى فى هواها عاش واللى عليها مات بيقول ناسى عنيها وعنيه بتقول شاريها باين هيموت عليها / والسكات قايل حاجات آهى جت مشغول عن قلبى بيها هصبر معلش واخليها تعيش يومينها وبعديها هشغل بقى مشغول بيها هعديها هعديها بكره طيفى يغطيها» ومع كل مامضى لم تكن كل صور الرجل سلبية إلى حد الإفراط ، فقد استطاعت «أنغام» وسط حالات الغضب بحدة من رجل هذا الزمان، أن تقدم حالة من الرومانسية الجميلة التى تؤكد حاجة ملحة من جانب المرأة للرجل، وإنها مهما كبرت، وأو تولت مناصب تحتاج رجلا تستند إلى كتفه من خلال أغنية «أنا ساندة عليك» كلمات عزيز الشافعي، ألحان «عزيز الشافعي»، توزيع»طارق مدكور»، يقول مطلعها: فى جوه فى قلبى مكان مفتحتوش يوم غير ليك وحاجات حصلتلى معاك ومحصلتليش قبليك مبقتش بخاف ولا عاملة حبيبى لبكره حساب وإن خفت فى لحظة بيبقى الخوف يا حبيبى عليك أنا سانده عليك لو يوم الدنيا بتيجى علّيا أنا بتحامى فيك وفى عز البرد بلاقى دفايا فى حضن عينيك أنا سانده عليك ده ساعات يا حبيبي أنا ببقى لوحدى وبحتاج ليك» ونفس حالة الحب الجميلة تتكرر فى أغنية « جنبك مكاني» كلمات بهاء الدين محمد، ألحان شريف تاج، توزيع طارق مدكور، التى تستنهض كل قواها وفى جرأة تحسد عليها تطلب من حبيبها أن تعيش بجواره قائلة: أول مرة اقول انا نفسى أعيش مع حد مقولتهاش ولأول مرة بقولها بجد أيوه هقولها واخاف من ايه» أخيرا ، يبقى أن « ألبوم « أحلام بريئة» يحمل أفكارا جريئة، وألحانا عذبة شجية، وتوزيعا رائعا، وبالتالى كان التجاوب مع الألبوم يفوق الحد على اختلاف الأجيال والطبقات الاجتماعية، ليؤكد حقيقة أننا نخطئ كثيرا عندما نقول أن الجمهور عاوز كده» فهذا الألبوم لفت أنظار الجمهور بقوة كما يبدو على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة جيل الشباب الذى استمتع كثيرا بكلماته وألحانه التى توجها صوت أنغام التى تحمل روح مصر العفية. وأعتقد أن هذا الألبوم فرصة للدعاية لمصر فى هذا الوقت العصيب، خاصة أن «المحروسة» ومنذ فجر الضمير علمت الدنيا كل المعانى السامية الباعثة على الأمل عبر أجيال ذهبية من لون الغناء الطربى الرصين الذى قاد الأمة وكان باعث نهضتها فى عصور الظلام، ،ومثل هذا الألبوم يعتبر نوعا من المقاومة للحفاظ على الشخصية المصرية، دعما للقوة الناعمة المصرية المحمولة على جناح الغناء المصرى الذى ينتمى للأصالة بروح عصرية تعكس جوهر الحضارة على هذا التراب المقدس.