جاءت احتفالات الأقباط بعيد القيامة لهذا العام وسط أجواء من الحزن بعد رحيل البابا شنودة الثالث, صاحب قرار عدم ذهاب الأقباط الأرثوذوكس إلي القدس بهدف زيارة الأماكن المقدسةوالتبرك بها إلا بعد زوال الاحتلال عنها. عندئذ يذهب المصريون جميعهم أياديهم بأيدي بعضهم مسلمين ومسيحيين. ولأن هذه الرحلات السنوية التي اعتاد البعض غالبيتهم من غير المنتمين للكنيسة الأرثوذوكسية, لم تنقطع هذا العام, مما آثار التباين في الآراء حولها, بل اعتبرها البعض تطبيعا واستغلها بعض الإعلاميين لوصم هؤلاء المسافرين بالخيانة والعمالة وغيرها من الأوصاف, ورأي البعض مروق هؤلاء الأقباط وخروجهم علي تعليمات رأس الكنيسة الأرثوذوكسية بعد رحيله. وتباينت الآراء في الكنائس المصرية الثلاث, فبينما أعلن الجميع أن العقيدة المسيحية تخلو مما يسمي بالحج إلي الأراضي المقدسة فلا إلزام للقيام بها, ولكن في الوقت نفسه تعلن الكنيستان الكاثوليكية القبطية والإنجيلية أنهما تحترمان قرار البابا شنودة, ولكنهما لا تلزمان أفرادهما بعدم السفر إلي القدسالمحتلة انطلاقا من الحرية الشخصية ودعم حق الإنسان وخاصة أن هذه الرحلة السنوية لا تستغرق سوي أيام قلائل لا تتعدي الأسبوع إلي عشرة أيام وهي مقصورة, علي الاحتفال بأسبوع الآلام وعيد القيامة وهي بهدف التبرك وزيارة قبر السيد المسيح والأراضي التي عاش بها. الحج إلي القدس.. الأنبا باخوميوس: لا تراجع عن قرار البابا بمنع الأرثوذوكس من الزيارة يؤكد الأنبا باخوميوس, قائم مقام البطريركية الأرثوذوكسية ان جميع القرارات التي أصدرها البابا شنودة الثالث لم يتم الرجوع فيها أو تغييرها خاصة قراره بعدم زيارة القدس, مشيرا إلي أن الكنيسة تؤكد موقفها الوطني الداعم للقضية الفلسطينية. وقال الأنبا بسنتي, أسقف حلوان والمعصرة إن الكنيسة لن تتراجع عن قرارها برفض هذه الزيارة التي تعتبر اضرارا بمصالح مصر القومية وتخالف الإرادة الشعبية العامة للمصريين مضيفا: لم يكن قرار البابا مجرد قرار شخصي يرتبط بحياة البابا بل إنه قرار الكنيسة جامعة ومجمعها المقدس, حيث إن هذا القرار معروف منذ سبعينيات القرن الماضي بأن دخول المدينة المقدسة سيكون للمسيحيين والمسلمين يدا بيد وبتأشيرة فلسطينية بعد تحريرها. دعم للفلسطينيين وفي المقابل تري الكنيسة الكاثوليكية أن زيارة المصريين إلي القدس هي دعم للوجود الفلسطيني, هذا ما يؤكده الأنبا يوحنا قلتة النائب البطريركي مستشهدا بقول الرئيس عباس أبو مازن بأنهم يرحبون ويشجعون زيارة القدس لما في ذلك من مساندة لهم وتأكيد للتواصل بينهم وبين العرب, ولما فيه من إعلان للعالم أجمع أن القدس عربية, ويتساءل الأنبا يوحنا قلتة هل نكون ملكيين أكثر من الملك؟ مضيفا أن زيادة القدس ليست من العقيدة المسيحية ولا يوجد نص بالانجيل يفرض ذلك علي المسيحيين إنما الزيارة تمثل تجددا روحيا. ثانيا عدد الذين يصلون إلي القدس في السنة لا يزيد علي1500 إلي2000 فرد ومدة الزيارة لا تتجاوز بضعة أيام فهل ذلك يعتبر تطبيعا فمن يروجون لذلك بعيدون عن المنطق, ثالثا أن قرار البابا شنودة الثالث هو قرار سياسي وليس قرارا دينيا, وليس من العقيدة وإنما هو نوع من التضامن فقط مع إخوانا المسلمين في الوطن رغم أن هناك من إخواننا المسلمين من يذهب إلي القدس للتجارة وغيرها فهل يوصمون بالعمالة والتطبيع, فإذا كان الرئيس الفلسطيني قد أطلق النداء للعالم الإسلامي بالزيارة لأنها تمثل مساندة لوجودهم في أراضيهم المحتلة, فهل يوصم هو أيضا بتلك الأوصاف! أما دكتور صفوت البياضي رئيس الطائفة الإنجيلية القبطية فيتساءل بقوله: ماهي الجريمة في أن يذهب البعض إلي القدس فأنا لا أعرف انتماء الذاهبين الكنسي, ولكن اعتقد أن زيارة البعض بقصد التبرك بالأماكن المقدسة خاصة أننا كأقباط لنا ممتلكات في القدس أليست للكنيسة القبطية أكثر من دير وكنيسة ورهبان وأملاك مصرية100%, كما أن الذاهبين إلي هناك لن يلتقوا بالحكومة الإسرائيلية ونحن لا نقول ذلك في مواجهة دعوة البابا شنودة بعدم الذهاب ولكن نحترم هذه الدعوة, فأولا قداسة البابا ضحي بكل المشاعر الدينية في سبيل النموذج الوطني حتي ولو جاء ذلك ضد المشاعر الإنسانية.. ولكن القدس ليست هي أماكن مقدسة وفقط ولكن بها أملاك للأقباط ولديهم تمثيل مقيم بالأراضي هناك.. كما أن قرار البابا شنودة لا ينطبق علي الكثيرين من المسيحيين المصريين.. ومع ذلك كنا لا نفضل الذهاب الي هناك كنيسة انجيلية لأنه ليس لدينا اعتقاد في الزيارة, ومع ذلك أقول أليس من العدل أن نشجع الفلسطينيين المسلمين والمسيحيين هناك علي البقاء في بلادهم واضعين أمامنا أن نسبة الوجود الفلسطيني في أراضيهم تتضاءل يوما بعد يوم, خاصة الوجود الفلسطيني المسيحي الذي وصل الي1%.. وهو ما أعلنه البطاركة الفلسطينيون الذين ليسوا من الأقباط عندما قالوا أنتم تظلموننا لأنكم لا تشجعوننا علي البقاء في القدس ونتعرض للحصار من الداخل والخارج!! وللقس اكرام لمعي رأي آخر في هذه القضية.. حيث يري أن القرار الذي أصدره البابا شنودة منذ السبعينيات يعتبر قرارا تاريخيا وقرار رجل مصري صميم ليس لأنه قائد مسيحي ولكن لأجل التوجه الوطني كقائد مصري, ولأن الرئيس السادات كان يريد استخدام البابا لتمرير أشياء معينة وطلب منه أن يزور معه القدس فرفض قائلا: إني أحب السلام ولكن لايمكنني الموافقة علي معاهدة قبل دراسة بنودها, ثم قال قولته الشهيرة لن أذهب الي القدس إلا مع اخواني المسلمين بعد تحريرها.. وكان ذلك موقفا تاريخيا تحمل وزره وأيده في ذلك عرب كثيرون ومصريون وأصبح بابا العرب. ويري المفكر كمال زاهر أنه يجب تأكيد أن هذه الزيارات لم تنقطع طيلة السنوات الماضية, ولكن الإعلام لم يكن يلقي عليها الضوء, وربما كان تزامن الاحتفالات بعيد القيامة هذا العام يأتي مع رحيل قداسة البابا شنودة هو ما لفت آليات الإعلام وحولوه من شأن ديني إلي شأن سياسي, بل لم تكن هذه الضجة المثارة من كثيرين مدفوعة بحسن النية, وربما يأتي ذلك تأكيدا لحالة التربص والاستهداف من قبل بعض التيارات السياسية التي قفزت علي المشهد السياسي لاختطاف الوطن إلي دولة الخلافة, ومن ناحية أخري فإنه ليس من المنطق أو المقبول ان تقترن مخالفة لقرار سياسي بعقوبة روحية, واقول: لنترك ما هو ديني للدين وما هو سياسي للسياسة, أما الخلط بين الاثنين ليس من منطق الأمور. فيما تري دكتورة جورجيت قلليني أن العدد المسافر للقدس هذا العام هو نفس العدد المعتاد ان يسافر كل عام تقريبا أي أن المسألة ليست بها زيادة ولكن يبدو ان ما لفت نظر الاعلام هذا العام ان جاء موسم الحج قبل ذكري الأربعين للبابا شنودة وان بعض المسيحيين المسافرين كان من الأوفق ألا يسافروا هذا العام احتراما لرحيل البابا صاحب فكرة المنع ولكن يبدو ان الغالبية من الكاثوليك, علي الرغم من انني لست مع منع الناس من السفر خاصة انهم محرومون منذ أكثر من50 عاما, كما ان فترة الحج ايام معدودة ولا يصح أن يقال عنهم انهم مطبعون أو خونة أو خلافه لانهم مصريون يحبون بلدهم خاصة ان الكنيسة الأرثوذكسية بالقدس لم تستقبلهم ويري الإعلامي فايز فرح أن قرار البابا شنودة كان سياسيا وليس دينيا من جانبه يدعو القمص صليب متي ساويرس المصريين إلي الحج إلي المزارات المصرية القبطية وهي كثيرة وتسجل رحلة العائلة المقدسة وهي عديدة ومنتشرة في غالبية محافظات مصر ولا تقل قداسة عن القدس وهي أماكن عاش فيها السيد المسيح في رحلة الهروب إلي مصر ومن هذه الأماكن الدير المحرق بأسيوط وايضا جبل درنكة ومسطرد والمعادي والمطرية وغيرها, ومن هذه الأماكن ما يخرج منها نور مثل الذي يحدث من قبر السيد المسيح بالقدس. وللأقباط العائدين من القدس رأي, تقول تريزة عبدالمسيح: لم تكن المرة الأولي التي أزور فيها القدس ولو اتيحت لي الفرصة للزيارة السنوية لقمت بها, حيث ان الشعور الداخلي والاحساس الروحي لا يقدره إلا الموجود في هذه الأماكن المقدسة التي تمثل لنا كأقباط أو كمسيحيين يأتون من كل مكان في العالم بأن التاريخ يعود لوقت وجود السيد المسيح. حل القضية الفلسطينية وحول زيارة فضيلة المفتي إلي القدس مؤخرا تباينت الاراء مابين مؤيد ومعارض وتطالب الدكتورة سهير عبد المنعم أستاذة السياسة الجنائية بالمركز القومي للبحوث بإعادة تقييم القرار السياسي بمنع الزيارة.. وتقول أنا هنا لاادافع عن موقف المفتي وكنت أتمني ان يقوم فضيلته بالدفاع عن موقفه بشكل مقنع. ومع ذلك انا شخصيا لي رأي مخالف ينطلق من أن مردودات قرار المقاطعة الذي استمر50 عاما تقريبا جاءت سلبية والمفترض انه آن الأوان ان نفتح هذا الملف ونعيد تقييمه في ضوء مايحدث من تغييرات بالأراض المحتلة لايمكننا ملاحقتها وكذلك مايحدث من تهميش لمواطني الأراضي العربية المحتلة, وأري انه بتركنا القدس دون متابعة لمجرد المقاطعة التي أصبحت قراراتها مجرد كلام اجوف.. فلابد من وجود المصريين والعرب دعما للقضية الفلسطينية.فيما يري الدكتور رفعت لقوشة أستاذ العلوم السياسية والمحلل السياسي إنه لابد ان ينظر إلي هذا الأمر في خلفيته وفي افقه معا مشيرا إلي أنه قد حان الوقت للحديث عن كيفية حل القضية الفلسطينية التي للأسف أهدرت فرصتها الذهبية من قبل الجامعة العربية ابان عمرو موسي حيث جاءت الفرصة بممر لتدويل القضية الفلسطينية للوصول إلي حل لها عبر الأممالمتحدة كانت هناك فرصة لفتح باب التدويل ولكن للأسف توجهت جامعة الدول العربية بها إلي مجلس الأمن وهو ما اجهض عملية التدويل وبالتالي اضاع فرصة ذهبية لحل المشكلة. والآن يجب أن ينظر إلي هذه الزيارات في ضوء ماذا بقي من فرص لحل المشكلة الفلسطينية وان يذهب مسلمون ومسيحيون للقدس في ظل رؤية وإرادة ذكية شيء له مردوده الإيجابي حيث يكون في هذه الحالة ذهابهم دعما لهذه الرؤية أما في حالة غياب رؤية وإرادة ذكية لحل القضية هنا يدور حديث الجدل.