"هذه الأيام ينهش جسد الدولة الإسرائيلية ميكروب خبيث نشأ من داخلها، ولا علاقة لأى طرف خارجى به" ،كان ذلك وصف الخبراء لظاهرة التطرف الدينى والسياسى المنتشرة حاليا فى اسرائيل حيث يرون أن التهديد من جانب المتطرفين اليهود يعد أسوأ مما شهدته البلاد فى عام 1995حين قام شاب اسرائيلى باغتيال اسحاق رابين رئيس الوزراء الاسرائيلى الأسبق احتجاجا على عقده اتفاق سلام مع الفلسطنيين. ومع حلول ذكرى اغتيال رابين قبل اسابيع وانتشار حوادث العنف ضد الاسرائيليين المؤيدين للسلام تجدد الجدل داخل اسرائيل حول أسباب ازدياد حجم التطرف داخل المجتمع الاسرائيلى .صحيفة "صنداى تلجراف "البريطانية نشرت تحقيقا رصدت فيه نماذح لحوادث العنف التى شهدتها اسرائيل فى الأونة الأخيرة .وأشارت إلى أنه فى شهر أكتوبر الماضى أصدر قاض إسرائيلى حكما بوقف سياسة هدم بيوت العائلات الفلسطينية التى لم يتورط أحد أفرادها فى الهجوم على إسرائيليين، وفى الحال تلقى القاضى تهديدات بالقتل، ووضعت حراسة من الشرطة عليه لحمايته. وفى تل أبيب تعرضت مظاهرة نظمها إسرائيليون ضد الحرب فى غزة، للهجوم من قبل إسرائيليين وصفوا بالتطرف.وفى حادثة أخرى، طعن رجل، قيل أنه من المتشددين دينيا وسياسيا، فتاة إسرائيلية عمرها 16 سنة وأصاب خمسة أخرين فى القدس أثناء مشاركتهم فى مسيرة للشباب المناهض للانتهاكات التى ترتكب ضد الفلسطينيين. كما دأبت منظمة يمينية متعصبة تطلق على نفسها "القمصان السوداء الإسرائيلية"على التحريض على إحراق كنائس ومساجد. وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن ذكرى اغتيال رابين وحوادث التطرف المتكررة دفع الكثير من المحللين الإسرائيليين إلى طرح سؤالين جدليين:ما الذى كان سيحدث لو أن رابين مازال على قيد الحياة، وهل كان سيستطيع تحقيق السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل؟ وهل أثبت إيجال عامير، قاتل رابين، أن العنف يمكن أن يصبح وسيلة لتخريب الديمقراطية؟ جيرمى ليا، مدير الدراسات الإسرائيلية فى الكلية العبرية فى القدس،حاول الإجابة على السؤال الأخير بقوله إن العقيدة الأصولية لهذا القاتل لايزال يؤمن بها حتى الأن بعض الإسرائيليين، حيث يؤمنون بأن التخلى عن "أى جزء من أرض إسرائيل" وهو الوصف الذى يطلقونه على الأراضى المحتلة سوف يمنع المجىء الثانى للمسيح على الأرض، حسب عقيدتهم. فى حين يشير خبراء آخرون إلى أن المجتمع الإسرائيلى كان متماسكا فى الماضى رغم الخلافات والصراعات الشديدة بين طوائفه إلا أن هذا التماسك كان بتأثير الدعاية المستمرة التى تشعرهم دائما بأنهم جميعا مهددون من الأعداء من الدول المجاورة لهم. وحتى رغم ظهور منظمات إسرائيلية تدعو للسلام، مثل منظمة "السلام الأن"، فإنها لم تكن تواجه أى تهديدات بشكل مباشر، إلا أن تزايد التيارات المتطرفة دينيا وسياسيا داخل المجتمع الإسرائيلى والتى ترفض حق الشعب الفلسطينى فى دولته أو أى تسوية سلام عن طريق حل الدولتين قد خلق مناخا نقل مواقف إسرائيل الرافضة للداعين للسلام من مستوى الهجوم الشخصى إلى مستوى الكراهية من إسرائيليين لإسرائيليين، وإستخدام العنف فى التعامل معهم، إلى حد القتل والعدوانية الشديدة، وهذا تطور يهدد المجتمع الإسرائيلى من داخله.