أين نحن من "رجال القرآن"؟ وهل ينطبق علينا - ذكورا وإناثا - وصف "الرجال"؟ وهل تتسم أفعالنا بالرجولة؟ نتناول هنا أبرز الصفات التي يتصف بها "الرجال في القرآن"، ونماذج عملية ضربت أروع الأمثلة في الرجولة الحقة. في الحديث المتفق عليه: "عن أنس رضي الله عنه، قال: غاب عمي أنس بن النضر - رضي الله عنه - عن قتال بدر. قال: "يا رسول الله غبتُ عن أول قتال قاتلتَ المشركين.. لئن اللهُ أشهدني قتال المشركين ليرين اللهُ ما أصنع".
يقول القرطبي: "هذا الكلام يتضمن أنه ألزم نفسه إلزاما مؤكدا هو الإبلاغ في الجهاد، والانتهاض له، والإبلاغ في بذل ما يقدر عليه، ولم يصرح بذلك مخافة ما يتوقع من التقصير في ذلك، وتبريا من حوله، وقوته، لذا قال في رواية: "فهاب أن يقول غيرها".
ومع ذلك نوى بقلبه، وصمم على ذلك، بصحيح قصده، ولذا سماه الله: "عهدا". فقال: "مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْه". (الأحزاب:23). (رياض الصالحين).
"فلما كان يوم "أحد" انكشف المسلمون، فقال: "اللهم أعتذر إليك مما صنع هؤلاء" - يعني أصحابه - وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء - يعني المشركين - ثم تقدم، فاستقبله سعد بن معاذ، فقال: "يا سعد بن معاذ: الجنة ورب الكعبة.. إني أجد ريحها من دون أحد". قال سعد: "فما استطعتُ - يا رسول الله - ما صنع".
قال أنس: "فوجدنا به بضعا وثمانية ضربة بالسيف، أو طعنة برمح، أو رمية بسهم، ووجدناه قد قُتل، فمثَّل به المشركون، فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه". (أي: بأطراف أصابعه).
قال أنس: "كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه، وفي أشباهه: "مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْه". إلى آخرها.
"ليرين الله ما أصنع": بضم الراء، وكسرها: أي ليظهرن الله ذلك للناس، ورُوى بفتحهما، ومعناه ظاهر".
يقول ابن كثير: "لمَّا ذكر الله تعالى مثل قلب المؤمن، وما فيه من الهدى والعلم بالمصباح في الزجاجة الصافية المتوقدة من زيت طيب، وذلك كالقنديل مثلا.. ذكر محلها، وهو المساجد التي هي أحب البقاع إلى الله تعالى من الأرض، وهي بيوته التي يعبد فيها، ويوجد.. فقال تعالى: "فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أن تُرْفَعَ": أي أمر الله تعالى بتعاهدها، وتطهيرها من الدنس واللغو والأقوال والأفعال التي لا تليق بها.
(وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ).. قال ابن عباس: يتلى كتابه.
(يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآَصَالِ): قال ابن عباس: "كل تسبيح في القرآن هو الصلاة، والآصال مع أصيل، وهو آخر النهار.. يعني بالغدو صلاة الغداة، ويعني بالآصال صلاة العصر، وهما أول ما افترض الله من الصلاة، فأحب أن يذكرهما، وأن يذكر بهما عباده".
"رِجَالٌ": فيه إشعار"بهممهم السامية، ونياتهم، وعزائمهم العالية"، التي صاروا بها عمارا للمساجد التي هي بيوت الله في أرضه، ومواطن عبادته، وشكره، وتوحيده، وتنزيهه.
وقوله: "لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِالزَّكَاةِ".. لا تشغلهم الدنيا وزخرفها وزينتها وملاذ بيعها وريحها عن ذكر ربهم الذي هو خالقهم، ورازقهم، والذي يعلمون أن الذي عنده هو خير لهم، وأنفع مما بأيديهم، لأن ما عندهم ينفد، وما عند الله باق، لذلك قال: (لاَ تُلْهِيهِمْ): أي: يقدمون طاعته، ومراده، ومحبته على مرادهم، ومحبتهم.
قال مطر الوراق: "كانوا يبيعون ويشترون، ولكن كان أحدهم إذا سمع النداء، وميزانه في يده خفضه، وأقبل إلى الصلاة".
وروى عمرو بن دينار القهرماني عن سالم عن عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - أنه كان في السوق، فأقيمت الصلاة، فأغلقوا حوانيتهم، ودخلوا المسجد، فقال ابن عمر: فيهم نزلت: "رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ".. رواه ابن أبي حاتم، وابن جرير.
وقال مقاتل بن حيان: "لا يلهيهم ذلك عن حضور الصلاة، وأن يقيموها كما أمرهم الله، وأن يحافظوا على مواقيتها، وما استحفظهم الله فيها".
"يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأبْصَار".. أي: يوم القيامة الذي تتقلب فيه القلوب والأبصار، أي: من شدة الفزع، وعظمة الأهوال.
وقوله تعالى: "لِيَجْزِيَهُمُ 0للَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ": أي هؤلاء من الذين يتقبل حسناتهم، ويتجاوز عن سيئاتهم.
وقوله: "وَيَزِيدَهُمْ مِّن فَضْلِه": أي: يتقبل منهم الحسن، ويضاعفه لهم. كما قال تعالى: "مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا".(الأنعام:160)، وقوله: "َوَ0للَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَاب". [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد