هل شاهدتم شخصا يتسلم بنفسه شهادة وفاته قبل استلام شهادة الميلاد، هذا ما يحدث فى صحيفة خاصة، بدلا من توقيع الصحفى الشاب على ميثاق الشرف الصحفى أو مدونة سلوك أخلاقية يوقع على استقالته من العمل قبل توقيعه عقد تسلم العمل تحت ضغط البحث عن فرصة وتدنى أوضاعه المادية والحياتية، والنتيجة هوان الصحفيين ومهنتهم واعتلال الخطاب الإعلامى وهوانه على الناس، وستظل الصحافة هى البطة السوداء التى تترك لتفتك بها «انفلونزا الصحافة» - التى تنتشر هذه الأيام- مادام هناك صحفيون اضطرتهم الظروف إلى أن يعيشوا ويتغذوا ويستمدوا نفوذهم من ولائهم لرجل أعمال، وليس من انتمائهم لمهنة ونقابة ولمؤسسة صحفية محترمة، وستبقى الصحافة كذلك مابقى رجال أعمال ينظرون للصحفيين الذين يعملون «عندهم» بمنطق «اللى ييجى فى الريش بقشيش».. فلا مانع أن تدفع فى «جوز» الصحفيين مليون جنيه طالما تستطيع إطلاقهم على أى رأس فى هذا البلد وماداموا جاهزون لكل المهمات، بدءا من استعدادهم لتشويه مؤسستهم الأم ونهب حصتها من الإعلانات والوفيات حتى تشويه منافسى شركته ورؤسائه وكأنهم «صراصير»، وسيظل الأمل ضعيفا فى العثور على المسئولية الإجتماعية لرجال الأعمال، طالما كان هناك من ينظرون للصحافة على أنها مشروع بزنس، مثل حظيرة للدواجن أوشركة بترول،.. وحتى ولو كان «الريش» هم أكثر من 300 صحفى وأسرهم! فقد حضرت مناقشة حامية بين «بزنس مان» تواجه صحيفته الإفلاس وبين نقيب الصحفيين الاستاذ يحيى قلاش والسبب أن «البزنس مان» يصر على انتزاع موافقة النقيب على فصل 150 صحفيا دفعة واحدة، بينما يصر النقيب على الرفض لأن فصلهم كارثة ستصب على رأسه وتنذر بشغل سلم النقابة باحتجاجات أسر المشردين الجدد والبِؤساء لسنوات طويلة قادمة، والأخطر أن «البزنس مان» يطلب تعيين 80 صحفيا جديدا بأجر زهيد، وقيدهم بجدول النقابة، وعندما سأل النقيب عن مصير ال 150 عرف أنهم قدموا استقالاتهم يوم توقيع عقد التعيين تحسبا لإغلاق الصحيفة فى أى وقت تحسبا للعجز المالى على أن يستبدلهم ب ثمانين ضحية من طالبى العمل الذين سيدخلون المفرمة الصحفية من جديد! كدت أصرخ وأنا أشاهد المناقشة الحامية واستغرب من المنطق الذى لا يختلف عن الاتجار بمعاناة البشر المحرم دوليا، والذى تكرر كثيرا فى عصور الضياع الصحفى وستبقى أوضاع الصحافة هكذا مابقيت هذه النظرة اليها، وهى الأوضاع التى يرصدها الكاتب الصحفى الأستاذ محمد العزبى فى كتابه تحت النشر والذى جاء مشحونا بالمواقف والألغاز والرسائل وأستعير من «العزبى» السؤال الذى سأله الرئيس السادات قبل 30 سنة للراحل العظيم صلاح جلال أشهر محرر علمى ومن أجرأ النقباء حين دعا الرئيس القيادات الصحفية لاجتماع فى استراحة القناطر وطلب منهم البدء بحملة للتطبيع مع اسرائيل، لكن صلاح جلال طلب الكلمة، وقال للرئيس السادات قبل أن تطلب التطبيع مع العدو اطلب أولا من رؤساء الصحف تطبيع العلاقات مع العاملين فى مؤسساتهم من العمال والإداريين والصحفيين، ولم يعجب هذا الرد الرئيس السادات فالتفت إليه وقال فى سخرية ظاهرة: أنت اسمك إيه؟ فرد نقيب الصحفيين: صلاح جلال يا افندم!..وربما كان الرئيس السادات قد وصلته شكوى أمير قطر قبل سنوات من «تجاوز» صلاح جلال حين ذهب مع مجموعة من الصحفيين لإصدار صحيفة جديدة بالإمارة وفى أول يوم بالفندق وصلهم مندوب من الأمير يحمل مظروفا لكل صحفى بمبلغ من المال، وعندما سأله صلاح جلال: تحت أى بند نأخذ المبلغ؟ أجابه أنه «نفحة» من سمو الأمير، فرفض صلاح المبلغ ورده مع حامله قائلا: اشكر سمو الأمير وقل له عندما نعمل سنحصل على المرتبات المتفق عليها فى العقود؟ وعاد المرسال بالمبلغ مرة أخرى محملا بغضب الأمير ومصرا على أن هدية الأمير لاترد، فأصر صلاح جلال على الرفض، وقال نحن صحفيون ولسنا شحاذين.. وغادر الفندق وعاد الى مصر ليجد علاوة من الأستاذ هيكل قدرها سبعة جنيهات وتكفل الأستاذ مصطفى أمين بتطييب خاطر السفير القطرى.. وواصل الرئيس السادات كلامه فى اجتماع القناطر على أهمية تدفئة العلاقات مع إسرائيل لكى تكمل انسحابها من سيناء، فعاود صلاح جلال مطالبته بأن تكون الأولوية لمعالجة أوضاع الصحفيين المتدنية وأجورهم الهزيلة، ولم يعجب كلامه الرئيس فقال له: انت قلت لى من شوية اسمك إيه؟! سكت صلاح ولم يرد.. والتفتت السيدة «جيهان» ناحية السادات، وكانت حاضرة الاجتماع، وقالت: حد ما يعرفش صلاح جلال ياريس! فقال أنور السادات أمام الصحفيين:اسكتى انتى ياجيهان انتى ماتعرفيش حاجة! وهى نفس الأوضاع التى نعيشها الآن ولكن لم يعجبنىٍ «الهدوء الزائد» لنقيب الصحفيين وهو يشاهد المذبحة التى يتعرض لها الصحفيون على يد بعض رجال الأعمال، وهم يعاملونهم كعمال التراحيل، وأيضا وهو يشاهد الانزلاق الصحفى فى المهاترات الفيسبوكية وانشغالهم عن معالحة القضايا الوطنية بروح المسئولية، وعدم تفعيله ميثاق الشرف لتنقيه الخطاب الصحفى سواء لحماية الصحفيين من أنفسهم بتنظيم عمل المهنة أو حماية المجتمع من شططهم بتوثيق معلوماتهم، والذى كرر الرئيس السيسى طلب تفعيله مرة أخرى فى خطابه، فاكتفى النقيب بالتعقيب أنه يجب أولا إصدار قانون الهيئات الإعلامية ونقابة الإعلاميين «المركون».. وأجدنى أكرر السؤال رغم الصداقة والمودة التى أكنها لشخصه: أنت نقيب من؟ واسمك إيه يا نقيب الصحفيين ؟ لمزيد من مقالات أنور عبد اللطيف