وعنوان الكتاب الصادر حديثا: تجديد الفكر الناصري. نهج جمال عبد الناصر وجمهورية 25 يناير. ومؤلفه: محمد بدر الدين. كاتب سياسى يكتب انطلاقا من خندق جمال عبد الناصر. وناقد سينمائى له كتاب مهم عن السينما و25 يناير، عنوانه: الطريق إلى سينما 25 يناير. يهدى المؤلف كتابه عن الناصرية وما جرى فى يناير 2011 إلى المعلم الثاني. وهو يقصد الأستاذ محمد حسنين هيكل. باعتباره الصديق الفكرى الأول للقائد المعلم جمال عبد الناصر. ومن المهم للأجيال الجديدة التى ولدت بعد رحيل عبد الناصر 28 سبتمبر سنة 1970، أى أن متوسط أعمار من جاءوا إلى الدنيا بعده 45 عاماً الآن. أى أن البعض منهم على أعتاب الشيخوخة المبكرة. والبعض الآخر ربما وصل إليها. فالشيخوخة إحساس أكثر من كونها تحسب بعدد السنوات. وإن كنت أتمنى ألا يقترب هؤلاء الشباب من الإحساس بالشيخوخة. فقديماً قالوا إن الحياة تبدأ بعد الستين. وما المانع أن تبدأ بعد السبعين. ما كتبه محمد بدر الدين كتابة مهمة من شاب، وإن كان أكثر ما توقفت أمامه فى الكتاب الشهادات التى أتى بها لمفكرين عن جمال عبد الناصر. عاصروا حكمه واتفقوا معه أو اختلفوا مع نهجه. لكنهم يقدموا رؤية ربما كان مطلوبا إن تقرأ الآن بعد حملات ضد الرجل وتجربته وثورته. اوشكت أن تكمل نصف قرن من عمرها. والكتاب دراسة مهمة للتجديد المطلوب إدخاله على التجربة الناصرية. لا تنطلق من باب التقديس لما قام به عبد الناصر وإن كان هذا واجبا على كل ناصرى ولكن من باب التعلم من الصواب وتجنب الخطأ فيما قام به عبد الناصر على مدى 18 عاما من حكمه لمصر. كتب مقدمة الكتاب حمدين صباحي: جئنا فى لحظة افتراق صعب بعد رحيل الزعيم عبد الناصر، بين دولة شكلت ملامح الحلم العربى لمصلحة أوسع طبقات الشعب وسعت لتحقيقه، ودولة بدأت نسج خيوط الكابوس على حساب الشعب. فأسهمنا فى تأسيس ناصرية جديدة لا تحتمى بكراسى السلطة، بل تسعى بين الناس، وتستمد منهم مشروعيتها وجدارتها للنضال فى صفوفهم خارج السلطة. كان محمد بدر الدين ضمن هذه الطليعة المؤسسة. أما شهادة جمال حمدان، وهو من هو: «الناصرية هى الانتماء العلمى لمصر، الناصرية هى الوطنية العلمية السوية، هى الوطنية الحميدة فى التطبيق. باختصار وتلخيص نهائي. إن الناصرية هى المصرية كما ينبغى أن تكون المصرية، وأنت مصرى إذن أنت ناصري، ولو كره الكافرون، إلا إذا كنت غير مصرى أو ضد مصري!. وكلنا ناصريون حتى لو لم ندر أو لم نقبل وفعلا مكننا جمال عبد الناصر، كما قال هو مرارا، حتى ولو انفصلنا عنه أو رفضناه كشخص أو كإنجاز، وكل حاكم بعد عبد الناصر لا يملك أن يخرج على الناصرية ولو أراد، إلا وخرج عن المصرية. الناصرية هى بوصلة مصر العظيمة..». ومحمد عودة الناصرى حتى النخاع يشهد: - لم تكن هناك ديمقراطية كاملة. أو كافية لكن جمال عبد الناصر لم يكن ديكتاتورا. الفنان صلاح جاهين له كلام يشبه صلاح جاهين: - إننى مؤمن بثورة 23 يوليو إيمانا لا يتزعزع. إننى مؤمن بعبد الناصر ومحب له كمؤسس لمصر الثورة، مصر التصدى للاستعمار، مصر القطاع العام، مصر التصنيع، وكهربة الريف، مصر العمال والعاملات، مصر الإصلاح الزراعي.. إلى آخر النواحى المشرقة التى حققناهى فى عصره العظيم. ولكننى تعلمت ودفعت غاليا لأتعلم أنه فى كل العصور، وحتى فى عصر عبد الناصر، كانت هناك الفئران التى تنحدر فى أساس البناء. والمثقف الموسوعى والكاتب فتحى رضوان يكتب عن الثورة: - ثورة 23 يوليو 1952 كانت الثورة العربية الأولى التى استهدفت التغيير فى الإقليم الذى قامت فيه تغييرا يتناول الأسس. وقد نجحت فى أمرين جد خطيرين. أولهما قيام الثورة ذاته. والثانى فى ثباتها واستقرارها. كان قيام ثورة 23 يوليو واستمرارها فى مصر ردا لاعتبار المصريين والعرب. وتعزية لهم على انهزام ثورة عرابى أمام النظام الملكى المؤيد بالاستعمار الغربى إزاء التطورات بعيدة المدى التى قامت بها كان يجب أن ينحسم النزاع حول ما إذا وقع فى 23 يوليو 1952 ثورة أم انقلابا. ليس ثمة شك. فإن ما جرى فى مصر كان ثورة بكل ما فى هذا الكلمة من معني. لإن الانقلاب هو عمل مادى بحت يتغير به شخص الحاكم. فيذهب حاكم ويأتى غيره دون أن يتغير شىء. فى النظام الحكم أو فى أسسه. أما ما حدث فى مصر بعد 23 يوليو فيعد تغييرا شاملا لم يدع شيئاً إلا وغيره. ولم يغير الهياكل الخارجية والمظاهر فقط ولم يغير الأسماء فقط. بل غير الجوهر تماما. وفى الختام نتوقف أمام شهادة الأستاذ محمد حسنين هيكل: - لقد تعرض جمال عبد الناصر وهو فى رحاب الله لحملة لا تقل ضراوة عما كان يتعرض له وهو لا يزال بعده بين الناس. بل هناك من قالوا: - إن عبد الناصر بعيداً أخطر من عبد الناصر قريبا. لأنه فى غيابه قد تتحول الناصرية من شخص إلى فكرة. ومن فكرة إلى تنظيم. وكان الإسهام العظيم لجمال عبد الناصر: - أنه ربط مصر بأمتها العربية. ثم إنه ربط الأمة العربية. بما فيها مصر. بالعالم وقيمه وأحلامه. وقد تعرض عبد الناصر بسبب ذلك إلى عداوات ضارية وحروب شرسة. وبعد أشهر من رحيل جمال عبد الناصر أجمل لى أندرييه مالرو. المفكر الفرنسى العظيم رأيه فيه بقوله: - بغض النظر عن كل شيء، بغض النظر عن النجاح أو الفشل والنصر أو الهزيمة. فإن عبد الناصر سيدخل التاريخ كتجسيد لمصر. كما دخل نابليون التاريخ تجسيداً لفرنسا. ومن المعروف أن صورة عبد الناصر رفعت بميدان التحرير خلال ثورة يناير 2011، والشعارات التى رفعت هى إعادة صياغة لما قال به عبد الناصر. وإن كانت العلاقة بين الثورتين ربما تحتاج لتناول فيه استفاضة ورؤية لمنطلقات ما جرى بالأمس وما يجرى اليوم ومآله. لمزيد من مقالات يوسف القعيد