مثل افتتاح دورة جديدة لمجلس الأمة الكويتى الثلاثاء الماضى محطة مهمة، توقف عندها الكويتيون حكاما ونوابا ومواطنين بكثير من الاهتمام، ربما لتأمل ومراجعة أوضاع بلدهم الذى ظل منذ نشأته وعلى مر تاريخه بوتقة للتعايش ومصدر إشعاع فى منظومته الخليجية وصوتا عاقلا فى محيطه العربي، حتى وصفت الكويت عن جدارة واستحقاق بأنها لؤلؤة الخليج العربي، ثم أصبحت قائدة للعمل الإنسانى فى العالم باعتراف الأممالمتحدة. واليوم تعيش الكويت ظروفا معقدة تحكم توازنات علاقاتها بالإقليم والعالم، وهى التى ظلت تنتهج سياسة داخلية تحرص على تعزيز التعايش والتوافق الداخلي، وتلتزم بسياسة خارجية تجنح إلى السلم والحياد الإيجابى وعدم التورط فى صراعات تضر بالتوازنات الحرجة التى تتحكم فى مساراتها داخليا وخارجيا. ولمجلس الأمة الكويتى الذى بدأ دورة جديدة من أعماله مسيرة طويلة امتدت منذ تأسيسه عام 1962، وقد أضفى من ناحية حيوية وألقا على الكويت، ومن ناحية أخرى جلب مشكلات لهذا البلد الصغير حجما وسكانا، القابع على سواحل الخليج العربي، الذى استطاع الخروج إلى إقليمه والعالم بالصيغة التوافقية التى ابتدعها لتلائم تركيبته السكانية ذات الجذور المتعددة، وعلاقاته المركبة مع العالم وجيرانه الأقوياء العراق شمالا والسعودية جنوبا وإيران شرقا. ومجلس الأمة الكويتى الذى صنع تجربة ديمقراطية وليدة سباقة فى المنطقة، كانت ولاتزال محل فخار الكويتيين، يخوض اليوم كما بلده كلها غمار ظروف مغايرة، وتحكم عمل أعضائه قواعد مختلفة، لا تسمح لأى منهم أن يذهب حتى آخر المدي، كما كان الأمر فى السابق، حيث تم حله عدة مرات، فالإرهاب الآن لم يعد فقط يحاصر الكويت، بل وصل إلى عقر دارها، والفوضى والخراب والدمار تضرب دول جوارها، ويفرضون على الكويتيين جميعا أقصى درجات الحيطة والحذر..هذا الإحساس لمسته وعايشته خلال زيارتى للكويت فى إطار وفد إعلامى عربى للمشاركة فى افتتاح دورة جديدة للمجلس. وقد أعاد أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح تذكير الجميع بالحادث الإرهابى الذى تعرضت له الكويت فى 26 يونيو الماضي، عندما سقط عشرات القتلى والمصابين فى تفجير مسجد الإمام الصادق، وبالخلايا الإرهابية ومخازن الأسلحة التى تم كشفها .ووفقا لما قاله مرزوق الغانم رئيس مجلس الأمة الكويتي، فقد كانت الكلمة الفصل للحضور الفورى والعفوى والوقفة الشجاعة للأمير الشيخ صباح فى مكان التفجير فى مسجد الامام الصادق رغم المخاطر واحتضانه السريع لكل أبناء الكويت، وإعلانه يومها « هذوله عيالي» أى هؤلاء أبنائى، يقصد بهم ضحايا الحادث من الكويتيين الشيعة. ويرى الغانم أن وحدة الكويتيين الوطنية كانت يومها كما فى كل المحطات فى تاريخهم سلاحهم الفتاك فى معركتهم ضد الإرهاب الجبان، الذى يستهدف زرع الفتنة بين الكويتيين، والنيل من هويتهم ووحدتهم. وتقف الكويت اليوم فى مواجهة هذه الأخطار والتحديات الداخلية من ناحية، وفى مواجهة اوضاع خارجية عاصفة، حيث تستعر فى دول جوارها والإقليم نيران الحروب الأهلية، وتضربها الصراعات الطائفية والعرقية، وتنتشر فيها الجماعات والتنظيمات المسلحة، التى أشاعت الفوضى والإرهاب، ونشرت الخراب والدمار، وتسببت فى سقوط مئات الآلاف من القتلى والمصابين،ونزوح آلاف المشردين. وهناك تحد آخر كبير تواجهه الكويت حاليا، وهو انخفاض أسعارالنفط عالميا، الأمر الذى انعكس بقسوة على الأوضاع بالكويت، الأمر الذى دعا أمير الكويت إلى مصارحة شعبه بأن إيرادات الدولة تراجعت بسبب ذلك بحوالى 60%، فى حين استمر الانفاق العام على حاله، دون أى تخفيض يتناسب مع انخفاض سعر النفط، وأن ذلك ولد عجزا فى ميزانية الدولة، يثقل كاهلها، ويحد من طوحاتها التنموية. ودعا الأمير مواطنيه مباشرة إلى القيام بإجراءات جادة وعاجلة لاستكمال جهود الإصلاح الاقتصادى وترشيد الانفاق العام والتصدى بشكل فعال لكل مظاهر الفساد، وطالب الحكومة ومجلس الأمة بالتعاون لتنفيذ الإصلاحات وتصحيح المسار الاقتصادى والسعى للبحث عن مصادر أخرى للدخل، مؤكدا فى الوقت ذاته ضرورة عدم المساس بأسباب العيش الكريم لمواطنيه، أو بدخل الفئات المحتاجة، وتجنب المساس بصندوق الأجيال القادمة. ويقول وزير الإعلام الكويتى الشيخ سلمان الحمود الصباح أن الديمقراطية يجب أن يقابلها وعى ومسئولية، وأن الأمن والاستقرار هما أهم الشروط التى يجب توافرها لممارسة الديمقراطية، وأن شعوبنا اهتمت فى فترات سابقة بالشعارات فى الممارسة الديمقراطية أكثر من الواقع المعيشي، فيما يرى الإعلامى الكويتى المخضرم محمد القحطانى أن حاضر ومستقبل الكويت مرهونان بالحفاظ على الصيغة التوافقية التى قامت عليها الدولة منذ تأسيسها، وحفظت لها كيانها ووجودها، وخلقت لها تميزها فى المنطقة.. وحول أوضاع الكويت والدورة الجديدة لمجلس الأمة الذى اعتمد فى انتخاباته الأخيرة على الصوت الواحد، الذى حرم الكتل القائمة على اساس دينى من التجمع وجعل التصويت على أساس فردي، وهو ما أدى إلى دعوات لمقاطعة الإنتخابات وقتها، يقول أبو فيصل أحد المواطنين الذين التقيتهم: هذه التيارات السياسية كانت فى مرحلة مواجهة، ونحن الآن فى مرحلة بناء وتوافق، وقد مل الناس من الصراعات، والآن رغم تأثير انخفاض اسعار النفط على الميزانية، لم تتوقف المشروعات الكبري: الأوبرا وجسر جابر ومستشفى جابر الذى سيكون أكبر مستشفى فى الشرق الأوسط والمتحف الوطنى الجديد والمراكز العلمية والتطور الكبير فى الجامعات الخاصة، باختصار نحن نعيش مرحلة من النضج السياسي». ويرى الشاب سعود:إن هناك نخبة سياسية وقيادات شابة طموحة تتقدم اليوم العمل السياسى فى الكويت، مشيرا فى هذا الصدد إلى مرزوق الغانم رئيس مجلس الأمة وهو مواليد عام 1968، وغيره من القيادات. ومن جانبه يرى الإعلامى الكويتى حسين جمال، إن الكويت عاشت منذ تحريرها عام 1992وحتى عام 2012حالة من الاحتقان السياسى والركود الاقتصادي، تعطل فيها كثير من المشروعات وتراجعت الكويت، والآن تشهد بوادر انتعاش وتنمية، وخروجا من حالة اليأس والإحباط، باستعادة حالة الثقة لدى المواطنين، الذى هو لب حراك مجلس الأمة الآن. ويقول :إن أوضاع المنطقة المضطربة لاشك تلقى بظلالها لدى المواطنين والقوى السياسية والسلطة، والحوادث الإرهابية التى وقعت دفعت الجميع فى الكويت للتوحد ضد الإرهاب، وإلى رفض الإسلام السياسى، الذى قال إن سقوط الإخوان فى مصر أثر كثيرا على أطروحته فى الكويت، وهو يرى أن الكويتيين يرغبون الآن ويعملون أكثر من أى وقت مضى للحفاظ على كينونة ووجود بلدهم وسط هذه التوازنات الحرجة التى تحكمهم، وأيضا لإنعاش بلدهم اقتصاديا . ورغم انتقادات المعارضة لمجلس الأمة الحالى، يقول الشاب الكويتى حمود: الكويتيون بمن فيهم المعارضة يحبون ويحترمون الأسرة الحاكمة، لأنها حرصت على علاقاتها الاجتماعية معهم، وتميز افرادها بالتواضع الشديد والاندماج مع بقية المجتمع، كما أنها اسرة توافقية تستطيع كل مكونات المجتمع الكويتى المتعددة المشارب الوثوق فيها. وحول قرار المعارضة مقاطعة الانتخابات الأخيرة التى شكلت المجلس الحالى قبل عامين تقول الشابة الكويتية حصة: أعطى هذا القرار غير المدروس من المعارضة الفرصة الكافية للمجلس الحالى والحكومة للعمل والإنجاز وفتح صفحات جديدة مع الشعب، وغير هذا كثيرا من توجهات الرأى العام . وترى أن المهم بالنسبة للمواطن الكويتى الآن هو أن تسترد الكويت مكانتها كدولة رائدة فى الخليج. ويبقى أن الشعب الكويتى رغم كل الصعاب والتعقيدات التى تحيط ببلده، هو شعب حيوي، قد تحصن ضد الإرهاب والطائفية كما يقول أستاذ النقد الأدبى الدكتور خميس العجمي، الذى يرى أن شعبه قاوم الاستقطابات الطائفية والمذهبية على مر السنين، وأن مصدر فخر الكويتيين أن بلدهم بلد سلام وخير، بلد الانفتاح والثقافة والأدب والفن والمسرح، البلد الذى تتقدم فيه المرأة الصفوف، ويفخر بتجربته التعددية.