سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الكويت تنتصر على الإرهاب.. الحكومة تتسلح بالقوانين والتشريعات بالتناغم مع مجلس الأمة لتجفيف منابع التطرف.. تحافظ على تماسك المجتمع وتكثيف برامج التوعية وتعزيز الوسطية ونبذ التعصب
فيما كان المصلون يؤدون صلاة جمعة يوم السادس والعشرين من يونيو الماضى، بمسجد الإمام الصادق بمنطقة الصوابر بالكويت، وهو المسجد الذى يرتاده الشيعة، دخل فهد بن سليمان بن عبدالمحسن القباع وهو سعودى الجنسية المسجد أثناء الصلاة وذهب للصفوف الأخيرة من الجناح الأيمن وفجر الحزام الناسف الذى كان يرتديه حول بطنه، مما أدى إلى استشهاد 27 شخصًا، كان غالبيتهم من الكويتيين، بالإضافة لثلاثة إيرانيين وهنديَيْن وسُعودى وباكستانى، وجُرح حوالى 227 شخصًا. هذا التفجير أعاد للأذهان سلسلة من التفجيرات عُرِفَتْ باسم تفجيرات الكويت عام 1983، والتى نتج عنها وفاة خمسة قتلى، وهو ما خشى معه عدد ليس بقليل بعودة الإرهاب مرة أخرى إلى الكويت التى لا تعانى من توترات طائفية مثل الموجودة على سبيل المثال فى جارتها العراق، لكن ما هدأ من روع الخائفين أنه لم يمر يومان على الحادث حتى توصلت الشرطة الكويتية لتفاصيل مرتكبى الجريمة الإرهابية، فالمنفذ كان فهد بن سليمان عبد المحسن القباع، كان يبلغ من العمر 22 عاما عرف وسط عائلته بالتشدد، وخلو سجله القضائى من السوابق خدع السلطات السعودية حيث غادر بلاده بدون أى مشكلة متوجها إلى البحرين قبل أن يحل بالكويت فى اليوم نفسه الذى فجر فيه نفسه. كما أعلنت الداخلية الكويتية اعتقال سائق السيارة التى أوصلت الانتحارى إلى مكان الاعتداء الإرهابى، كما اعتقلت صاحب المنزل الذى اختبأ فيه السائق، والذى أظهرت تحقيقات أنه "من المؤيدين للفكر المتطرف المنحرف". رد فعل الكويت على الحادث يكشف عن امتلاك الشرطة الكويتية السرعة التى مكنتها من كشف خبايا الحادث وضبط المتورطين فيه، كما أنه يعطى رسالة للإرهابيين بأنهم لن يفلتوا بأفعالهم الآثمة مهما اتخذوا من احتياطات. وبجانب امتلاك الحكومة الكويتية القدرة على مواجهة التنظيمات الإرهابية فإنها منذ البداية لها مواقفها الواضحة فى رفض كل صور الإرهاب والتطرف والتعصب مهما كانت أسبابه ودوافعه ومصادره وهويته، وهو ما أكد عليه الشيخ جابر المبارك الحمد الصباح رئيس مجلس الوزراء الكويتى فى كلمته أمام الدورة السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك نهاية سبتمبر الماضى، حينما أشار إلى أن تعزيز ثقافة التسامح والتعايش بين الشعوب والأمم تأتى ضمن أولويات نهج الكويت المتبع فى السياسة الداخلية والخارجية والمستمدة من تعاليم الشريعة الإسلامية السمحاء. الشيخ جابر المبارك الحمد الصباح قال فى كلمته نيابة عن أمير الكويت "إن ما يعيشه العالم اليوم من انتشار النزاعات والحروب الأهلية وبروز مظاهر العنف ومخاطر التطرف والإرهاب فى عدة أقطار منه كان لمنطقة الشرق الأوسط النصيب الأكبر منها مع تعدد الأسباب وتنوع الوسائل وبصورة تزايدت معها ضرورة مواجهة المجتمع الدولى لهذه التحديات التى تهدد الأمن والسلم الدوليين ومعالجة أسبابها وتجفيف مواردها والتى غالبا ما يكون الأبرياء ضحايا لها"، معدداً الأزمات التى تعانى منها المنطقة مروراً باليمن وسوريا وليبيا، والدور الذى قامت به الكويت لمساعدة البلدان الثلاثة، كما أشار إلى المخاطر الاستثنائية التى تواجه المنطقة وتهدد أمنها واستقرارها نتيجة تنامى ظاهرة الإرهاب والعنف والتى اتخذت من الإسلام شعارا لممارسة أفعالها الإجرامية التى تنبذها كل الأديان السماوية. رئيس وزراء الكويت كان واضحاً حينما نبه العالم إلى أن ما اقترفه تنظيم داعش الإرهابى من جرائم وحشية أشاع فيها القتل والدمار لا سيما فى العراق وسوريا، هو تهديد للأمن والسلم الدوليين، وتطلب إنشاء تحالف دولى لمواجهته ساهمت الكويت بتقديم الدعم والإسناد له، خاصة أن الكويت طالتها ممارسات هذا التنظيم الإرهابى عبر استهدفه لمسجد الإمام الصادق فى شهر رمضان، لكن فوت التلاحم الوطنى بين أبناء الكويت الفرصة على من أراد بهم الشر وأكدوا من جديد على تاريخهم الوطنى الطويل والمشرف الذى قدموا خلاله سيلا من التضحيات فى سبيل وحدة واستقرار بلدهم. وعملت الكويت منذ فترة على مواجهة الإرهاب بكتافة الطرق والوسائل الحديثة، ففى 13 يوليو الماضى قرّر مجلس الوزراء الكويتى برئاسة الشيخ جابر المبارك الحمد الصباح تشكيل لجنة دائمة لمكافحة "الإرهاب" بجميع أشكاله ومظاهره والقضاء على مصادر تمويله، وتكثيف برامج التوعية وتعزيز الوسطية ونبذ التطرف، وجاء هذا القرار إدراكا لتنامى ظاهرة الإرهاب وخطورتها وتهديدها للمجتمع والحياة المدنية، وانعكاساتها السلبية على الأمن والاستقرار وتطور العمليات الإرهابية وتعدد أساليبها. كما أقر مجلس الأمة الكويتى مشروع قانون يجعل جمع البصمة الوراثية إلزاميا من كافة مواطنى الكويت والمقيمين فيها والزائرين، ويهدف القانون إلى تسهيل إجراءات جمع الدلائل للكشف عن الجرائم، وتحديد مرتكبيها، وسرعة التعرف على أصحاب الجثث المجهولة وأى حالات أخرى، ويفترض أن يساعد القانون أجهزة الأمن فى القيام بعمليات التوقيف فى إطار التحقيقات الجنائية، كما ينص على إنشاء قاعدة بيانات بوزارة الداخلية للبصمة الوراثية، وحفظ البصمات الناتجة عن العينات الحيوية التى تتضمن الحمض النووى. وجاءت هذه الإجراءات استكمالاً للقوانين والتشريعات واللوائح التى أصدرتها الكويت لمواجهة الإرهاب، والتى كان من بينها ما صدر فى 2 إبريل 2013، حينما أقر البرلمان الكويتى قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والذى جاء معدلا على قانون سابق أصدره البرلمان عام 2002، كما جاء القانون الجديد متسقا مع اتفاقية دولية وقعتها الكويت بشأن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتصل العقوبات بموجب القانون الجديد إلى سجن كل من يدان بتمويل منظمة إرهابية، وتغريمه ضعف قيمة الأموال التى استخدمها فى ارتكاب الجريمة، وأيضا معاقبة من يقوم بعمليات غسيل أموال بالسجن لمدة تصل إلى عشرين عاما فى حال كان المدان منتميا إلى عصابة إجرامية أو منظمة إرهابية. من أهم مزايا الحكومة الكويتية الحالية أنها تسير فى أتجاه لم شمل الكويتين، وتحقيق معدلات مرتفعة فى التنمية والقضاء على البطالة، مما منحها قوة وتواجد داخل المجتمع الكويتى، كما أن هناك تناغم شديد بينها وبين مجلس الأمة، ويعود ذلك بالاساس إلى قدرة رئيس الحكومة فى احتواء أية مشكلة قد تتسبب فى أزمة سياسية داخل البلد الخليط بين تيارات سياسية ودينية مختلفة، بشكل يصعب على أى حكومة احتواؤها مرة واحدة، فهناك الشيعة والسنة، وما بين السنة هناك سلفيين واخوان ومعتدلون، ونيل رضاء كل هؤلاء مهمة صعبة استطاعت حكومة الشيخ جابر المبارك الحمد الصباح تحقيقها، لأنها ترفع من قدر المواطن الكويتى، وتعمل من اجله مما مكنها من تحقيق المعادلة الصعبة بتحقيق التوازن بين كل المكونات السياسية فى الدولة. وتعتبر الكويت مثال يحتذى به لكثير من الدول فى المنطقة نظرا لمستوى الديمقراطية الذى تتمتع بها، ورغم أن مجلس الامة الكويتى واجه عثرات عدة على مدار السنوات الماضية عبر حله أكثر من مرة لوصول العلاقة بينه وبين الحكومة إلى طريق مسدود، إلا أن الحكومة الحالية استطاعت أن تحقق التوازن مع المجلس، مما حافظ على بقاء الاثنين وتقديمهما نموذج فى التفاعل البناء والإيجابى لخدمة المواطن الكويتى، ولم يؤثر على هذه العلاقة عدد من الاستجوابات قدمها نواب بالمجلس ضد وزراء، لأن الحكومة تعاملت مع هذه الاستجوابات بشفافية. إدارة الشيخ جابر المبارك الحمد الصباح للحكومة فى هذه المرحلة الصعبة التى تمر بها الكويت وسط إقليم مضطرب، تؤكد أن اختياره من جانب الأمير صباح الأحمد كان موفقاً، وأصاب أهله، خاصة أن الحكومة رفعت من مستويات التنمية فى الكويت، وهو ما ظهر من المؤشرات الدولية التى وضعت الكويت فى مرتبة مرتفعة بين بقية الدول، وهو ما وضح من التقرير الأخير لوكالة فيتش للتصنيف الائتمانى، الذى قال أن الكويت قادرة على مواصلة الإنفاق الرأسمالى المرتفع على المشاريع، رغم انخفاض أسعار النفط، مرجعة ذلك إلى التناغم الحادث بين الحكومة وأعضاء مجلس الأمة الذى يدعم تبنى هذه السياسة، كما توقعت "فيتش" أن تسجّل الكويت فائضاً فى موازنتى 2015 و2016، بعكس دول الخليج الأخرى.