باغتنا مفتي الديار الدكتور علي جمعة بزيارته الخاطفة للقدس المحتلة, تاركا مصر تغلي وتتقلب علي جمر الفتن والمخاطر, لكي يناصر المقدسيين والمسجد الأقصي, ويتعرف عن قرب علي معاناتهم تحت الاحتلال الإسرائيلي. وتلك لا ريب أهداف سامية جديرة بالتقدير والاحترام, ولو كنا في ظروف عادية لكنت من أوائل المرحبين والداعمين لموقفه الشجاع النبيل, لكنه للأسف الشديد اختار الدخول في معركة, حول قضية خلافية في توقيت خاطئ, ويزداد أسف المرء أنه لم يقدر الظرف الدقيق الذي يعصف بالبلاد. وحتي يكون النقاش مثمرا ومنطقيا, أقول منذ البداية إنني غير مهموم بقصة التطبيع مع إسرائيل التي رتبت بلا شك للزيارة, لأنه يوجد ما هو أهم من هذا الجانب الطاغي علي ردود الأفعال, ويبين الخطأ الجسيم الذي وقع فيه المفتي ويجب مؤاخذته عليه. فكل مصري يعلم يقينا أن الأولوية الآن للداخل, ويقولون إن اللي يحتاجه البيت يحرم علي الجامع, فلا يعقل أن أري بيتي يحترق, ثم اتركه لإطفاء حريق بمنزل الجيران. ولو فكر الدكتور جمعة برهة, لتوصل إلي أنه من الأجدي والأنفع توجيه جهده لإخماد النيران المشتعلة في كل ركن, فلماذا لم يبادر مثلا, للذهاب إلي أبناء الشيخ حازم أبو إسماعيل الذين حاصروا المحاكم ولجنة انتخابات الرئاسة, لتوعيتهم وتبصيرهم بأخطائهم؟ كما أنه خالف إجماع علماء الأزهر الشريف وقيادات الكنيسة الأرثوذكسية الذين يرفضون الذهاب للقدس تحت الاحتلال, ففي حين تتخذ الكنيسة إجراءات عقابية ضد المسيحيين الذين زاروا القدس مؤخرا, ذهب إليها المفتي, وأثار شقاقا لا لزوم له. ويدرك الشيخ الجليل أن أي عمل فيه مجازفة يقدم عليه المسئول يقيم بعائده, فأين هي الفائدة المحصلة من زيارته؟ سيرد برغبته الاقتراب من المعاناة الفلسطينية, كيف, وقد منع الفلسطينيون من دخول المسجد الأقصي في أثناء وجوده, وهل ياتري تبدل الحال وقررت دول العالم عدم الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل, يافضيلة المفتي إن مصر كانت أولي بالمشقة والتعب, وندعوك لاستكمال شجاعتك بالاعتراف بخطئك, وبعدها تستقيل. المزيد من أعمدة محمد إبراهيم الدسوقي