اصطفت آلاف المقاعد الحمراء الخالية علي طريق سراييفو الرئيسي, رمزا لأكثر من أحد عشر ألف قتيل, من بينها مئات المقاعد الصغيرة لأطفال راحوا ضحية القصف الوحشي الذي قامت به القوات الصربية بحي مسلمي البوسنة والهرسك. منذ نحو عشرين عاما, لتكون شاهدا علي أسوأ صراع دموي شهدته أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية والحقبة النازية. ومازال الكثيرون من أبناء سراييفو يعيشون الذكريات الأليمة لحصار مدينتهم منذ عشرين عاما. وعلي أثر ذلك تمزقت يوجوسلافيا, حيث أعلنت البوسنة والهرسك استقلالهما, مثلهما في ذلك مثل العديد من الجمهوريات اليوجوسلافية, وهو ما حدث عقب انهيار النظام الشيوعي في دول أوروبا الشرقية. ولكن قوات الصرب لم تكن قادرة علي التخلي عن حلمها في صربيا العظمي فقامت بمحاصرة سراييفو, وعلي مدي ثلاثة أعوام ونصف العام, وقصفها بالمدافع والصواريخ إلي جانب قتل وتعذيب واغتصاب النساء وترحيل المسلمين, فأدخلت بذلك مصطلحا جديدا في عالم السياسة وهو التصفية الإثنية. وبالرغم من أن المسئولية الأولية لهذه المجزرة البشعة تقع علي عاتق مرتكبيها من الصرب, إلا أن المجتمع الدولي لابد أن يتحمل أيضا نصيبه من اللوم لعدم تفاعله مع هذه الجريمة غير الإنسانية واتخاذ إجراء صارم لوضع حد لها والتعامل معها بجدية, وهي المأساة التي راح ضحيتها مائة ألف مسلم قتلوا بدم بارد وتم ترحيل نحو مليونين من ديارهم وهو ما يمثل تقريبا نصف عدد سكان البلدة, وذلك خلال الفترة من6 أبريل1992 وحتي ديسمبر.1995 وظن الكثيرون ان استمرار وجود القوات الدولية لحفظ السلام في البوسنة سوف يحقق لها الاستقرار ولكن بعد مرور عشرين عاما علي ذكري حصار سراييفو, فإن الواقع يؤكد ان جراح البوسنة لم تندمل, بل ازدادت عمقا مع مرور الزمن, في ظل نظام اقتصادي مترهل يعاني الفساد والبطالة والفقر, فأصبحت البوسنة اكثر الدول في اوروبا فقرا وفشلت في اللحاق بقطار الإصلاحات الاوروبية, وازدادت الفرقة والكراهية بين ابناء الشعب الواحد بسبب التفرقة الإثنية التي وضع بذورها الصرب, فإلي متي يظل هذا الكابوس يؤرق مضاجع أهل البوسنة؟