فى هدوء يتسم بالوقار والأناقة.. جلست ترحب بالوفد الصحفى القادم من الطرف الآخر من العالم وتحديدا من الشرق الأوسط، حيث فضلت أن تبدأ اللقاء بالتأكيد على مدى حبها لمصر التى تعتبرها وطنها الثاني. إنها وزيرة الدفاع ووزيرة البيئة اليابانية السابقة كويكى يوريكو النائبة فى البرلمان الياباني، بل والطريف أيضا أن هذه السيدة الرقيقة هى رئيسة الاتحاد اليابانى لرياضة رفع الأثقال. فقد عبرت النائبة اليابانية منذ بداية اللقاء عن قلقها إزاء الاضطرابات التى يعانى منها الشرق الأوسط، معربة عن أملها فى أن تستكمل مصر مسيرتها نحو الديمقراطية عبر الانتخابات التشريعية، إلا أنها أيضا عبرت عن قلقها إزاء سير الديمقراطية فى تركيا وما تعانى منه من اضطرابات. وهو ما أثار استياء الصحفية التركية، زميلتنا فى الوفد الشرق أوسطي، التى رفضت توجيه أى اتهامات لبلادها أو لرئيسها رجب طيب إردوغان بالابتعاد عن مبادئ الديمقراطية بدعوى أن ما يحدث الآن فى تركيا شأن داخلي!!!، وذلك على الرغم من أنها لم تتوانى عن توجيه اللوم لدول الجوار الأخرى دون الإلتفات إلى سيادة الدول التى تتمتع كل منها بطبيعة متفردة لا يدركها سوى أبنائها. ولكن هذا الاهتمام الفريد بشئون الشرق الأوسط ، وخاصة بالشأن المصري، لم ينبع من فراغ فالسيدة كويكى خريجة كلية الآداب جامعة القاهرة قسم علم الاجتماع عام 1976، وذلك بعد دراستها لعلم الاجتماع فى الجامعة الأمريكيةبالقاهرة عام 1972، ومن قبلها فى جامعة كوانسى جاكوين اليابانية عام 1971، ومنذ ذلك الحين حرصت على رعاية قسم اللغة اليابانية فى جامعة القاهرة ومسابقات الخطابة التى يقيمها لطلابه. كما دفعها حرصها الشديد على تعلم اللغة العربية للإقامة فى مصر عدة سنوات وهو ما خلق رباطا وثيقا بينها وبين مصر وشعبها. وربما هذا ما يفسر الصورة التى تجمعها بالرئيس عبد الفتاح السيسى ، والتى تتصدر مجموعتها من الصور الفوتوغرافية مع قادة وزعماء العالم وقد أبدت الكثير من الاهتمام بالقضايا الإنسانية فى الشرق الأوسط، خاصة أزمة اللاجئين فى سوريا وذلك من خلال قيادة حملة عالمية لجمع 10 ملايين ين لدعم مدرسة أقيمت خصيصا لأطفال اللاجئين السوريين فى تركيا، حيث تقدر كويكى أعداد اللاجئين السوريين بأكثر من مليون ونصف المليون لاجئ الكثير منهم يعيشون خارج مخيمات اللاجئين. وكويكى من السياسيات اليابانيات المخضرمات، فبغض النظر عن شغلها لاثنين من أهم المناصب السياسية فى اليابان وهما وزارتا الدفاع والبيئة، إلا أنها هى أول سيدة تترشح لرئاسة الحزب الليبرالى الديمقراطى الحاكم فى عام2008. وعلى الرغم من عدم فوزها بالمنصب إلا أنها يحسب لها أنها سعت لإثبات قدرة المرأة على اقتحام عالم الرجال والمنافسة بقوة على منصب طالما اتسم بطابع ذكورى وسيطر عليه الرجال. ومن أهم القضايا والسياسات التى تدعمها النائبة اليابانية البارزة هى "الحفاظ على الطاقة وتوفير استهلاك الكهرباء" فى إطار حملة "نسمة باردة ونسمة حارة" والتى انطلقت عام 2005، وهى واحدة من أهم المبادئ التى نص عليها بروتوكول كيوتو لمواجهة تهديد ظاهرة الاحتباس الحرارى . ونتج عن هذه الحملة تحديد معدل التهوية باستخدام مكيفات الهواء عند 28 درجة مئوية خاصة فى المؤسسات الحكومية، وهى السياسة التى أصبحت تطبقها العديد من الهيئات والشركات الخاصة. كما أن كويكى من أبرز الدعاة لكود ملابس رسمية أكثر تحررا يتلاءم مع السياسة الجديدة، بحيث تخفف عن الموظفين والعاملين بالهيئات الرسمية عبء الالتزام بارتداء ملابس رسمية كاملة فى طريقهم للعمل. وتبنى مثل هذه السياسة ليس بالأمر الهين، خاصة فى فصل الصيف وما تشهده اليابان من درجات حرارة مرتفعة ومعدلات رطوبة عالية للغاية. ونجاح هذه الحملة يثبت مدى قدرة الشعب اليابانى على تحدى الصعوبات التى تعترضه ، حتى وإن كانت هذه الصعوبات بيئية. وقد حصلت كويكى على جائزة "جابان بست جوليرى دريسر" لنجاح حملتها الطموحة للحفاظ على البيئة. كما أن النائبة اليابانية اشتهرت أيضا بمعارضتها لاستخدام الأكياس البلاستيكية وأطلقت دعوة للعودة إلى ما يعرف باسم ال" فوروشيكي" وهى وسيلة يابانية قديمة للف البضائع والهدايا بنوع معين من القماش. كما أنها أيضا من أهم المعارضين لاستخدام الوقود الحيوى الناتج عن المحاصيل الغذائية. إن السياسية اليابانية البارزة "كويكى يوريكو" تعتبر دليلا على عمق الروابط الإنسانية التى تجمع بين مصر واليابان، ويبث الأمل فى أن مصر ربما تستفيد ذات يوم من التجربة اليابانية فى طريقها نحو المستقبل.