اعترف أنه يصيبنى بعض الحزن والانزعاج كلما سمعت ورأيت قادة فى العالم كما يحدث هذه الأيام بكثرة، يخاطبون دولا فى الإقليم بعينها كتركيا وإيران والسعودية، دون ذكر مصر، باعتبارهم أصحاب القرار ومفاتيح الحل والعقد لبعض الأزمات فى الإقليم، وفى المقدمة منها القضية السورية، أو المشهد العراقى، أو حتى اختيار رئيس للجمهورية فى لبنان، وبالتالى بات الأمر يحتاج منا إلى تقويم ذاتى ومراجعة نقدية، مع أننا قد عدنا بقوة وصلابة إلى صدارة المشهد السياسى الإقليمى بعد ثورة 30 يونيو، خاصة فى العامين الماضيين، وما اختيارنا لرئاسة القمة العربية الحالية، وبالأمس لعضوية دول مجلس الأمن غير دائمى العضوية وبأغلبية كاسحة، إلا اعتراف بقوة وإرادة وصلابة هذه الدولة وشعبها على الانتصار على قوى الفوضى والتفكيك والتدمير، التى كانت ترغب فى جر هذا الوطن إلى منزلقات الفتنة والانهيار والدخول فى نفق الانسداد السياسي، وتبوؤ أول مقاعد الدول الفاشلة فى الإقليم التى تنتظر تلاوة فعل الأسى والندامة على الحال والمآلات التى صارت إليها. صراحة القول دون مواربة، تقتضى الاعتراف ولو بشكل ضمنى أن أداءنا السياسى والدبلوماسى يحتاج إلى دفعة قوية وحركية فى الأداء حيث كنا ومازلنا ننتظر اختراقا غير معهود فى التعاطى مع قضايا الإقليم وتغيير هيكل وشكل المعادلة الإقليمية، التى كانت ولاتزال تعطى لدول ثلاثية مثل تركيا وإيران وإسرائيل أهمية الحضور والتأثير فى مستقبل وسيناريوهات المنطقة. بعيدا عن المزايدة، نعترف أن كثرة قضايا الداخل المصرى والإرث الضخم من تلال القضايا والأزمات، وجبال المشكلات المتأججة والمتفجرة على مدار الساعة، التى ورثها الرئيس السيسى وحكومات ما بعد ثورة 30 يونيو، هى أحد الأسباب المعرقلة لاحداث الانطلاقة الكبرى فى الإقليم كما نرغب ونتمني. وبالتالى لابد من الإسراع بوضع خطة طموح من قبل واضعى السياسة الخارجية، حيث ان الفرصة لم تفت أو تمر بل على العكس لدينا ركيزتان جديدتان فى يد الدولة والرئيس يمكن أن تشكلا رافعة سياسية وشبكة أمان لإحداث انطلاقة كبرى للدور والقرار المصرى فى الإقليم، الأولى تتمثل فى استمرار تولى مقاليد رئاسة القمة العربية وهذه شرعية تعطيك الحق لتزايد الانغماس والتغلغل فى مفاصل القرار العربي، والثانية عضوية مصر الجديدة فى مجلس الأمن لمدة عامين، حيث ان هذا يجب ألا يكون اختيارا شرفيا أو اعترافا معنويا من قبل المجتمع الدولى بثقل وتقدير هذه الدولة مصر فقط، بل لابد أن يستبقه ويلاحقه حضور ديناميكى وحركى غير مشهود ومعهود وغير تقليدى فى الأداء. وفى تقديرى أن عناصر وآليات الخطة الطموح لفرض الحضور والاشتباك السياسى والدبلوماسى المصرى مع قضايا الإقليم، من أجل استعادة وامتلاك زمام المبادرة والتأثير والقرار لابد أن يمر عبر حضور طاغ وتأثير ملموس وفعال فى قضايا مثل سوريا بحيث نطرح مبادرات أو نتعاون بشكل متواز مع الأدوار الروسية والأمريكية ونسعى لتوسيع دائرة التعاون والتنسيق مع أدوار السعودية والخليج بشأن سوريا وبشار الأسد من عدمه، بدلا من حالة الطلاق الرجعى حاليا بسبب وجود تناقض فى بعض المواقف وكذلك الحال لقضايا فلسطين وضرورة استعادة الزمام والقيادة وامتلاك أوراق الضغط والقوة على الجانبين، وتعيين مبعوثين مصريين للتعاون وإعادة تفعيل المسار التفاوضى والتمسك بضبط أوضاع وإيقاع التفاهمات بعيدا عن منزلقات التصعيد كما يحدث حاليا. وعلى نفس المنوال، الدخول المصرى بفعالية وقوة تأثير على خط الأزمات فى ليبيا والعراق وحتى فى اليمن ولبنان، استغلالا وانطلاقا من المقعد الجديد فى مجلس الأمن، مع الأخذ فى الاعتبار أن أمام الرئيس السيسى والدولة المصرية فرصة لا تعوض ولن يجود الزمان بمثلها، على الأقل فى هذا القرن، ذلك أن المنافسين التقليديين لمصر والمزاحمين على أدوارها كتركيا وإيران يواجهوا حاليا أوضاعا مأساوية قد تكتب فى نهاية الأمر شهادة وفاة لقادتهما ودولهام، فأردوغان سلطان تركيا نجمه ودور ووضع دولته تركيا آخذ فى الأفول والانحلال والتحلل، فى ضوء الفشل الداخلى الذى يعانيه وسطوته الآخذة فى الانهيار والتراجع، حيث الانتخابات المقبلة عنده أوائل نوفمبر ستكتب بداية النهاية له ولحزبه، ولا تنسى حربه الجديدة على حدوده مع الأكراد وتدخلاته العسكرية فى المستنقع السوري، حيث لن تستمر تركيا واردوغان فى التعافى والنجاة طويلا، حيث فصول الفشل وخيبات الأمل لهما ستتوالى فصولا قريبا. وكذلك الحال لإيران، حيث التدخل العسكرى فى سوريا سيفتح أبواب وطاقات جهنم عسكريا وماليا وستغرق طهران هى الأخرى فى مستنقعات عدة فى المنطقة، الأمر الذى سيؤدى بها الى دفع فواتير وتسديد أثمان لا طائل لها بها، حيث الداخل الإيرانى سيغلى وقوة النفوذ والتموضع فى المنطقة والإقليم ستتراجع، وبالتالى فرصة الرئيس السيسى ومصر استغلال تلك المناخات والسيناريوهات لرسم خريطة طريق لحضور قوى لشخصه ومصر فى الإقليم بعيدا عن الشطط العسكرى أو المنزلقات السياسية، بل بفكر وخطط استراتيجية وسياسات ديناميكية مع رجال أكفاء أصحاب رؤية واستشراف للمستقبل. لمزيد من مقالات أشرف العشري