أعلنت جائزة المان بوكر العالمية للرواية الثلاثاء الماضى فوز الكاتب الجامايكى مارلون جيمس بالجائزة لهذا العام عن روايته "تاريخ مختصر لسبع عمليات قتل" A Brief History of Seven Killings ويعد جيمس أول كاتب جامايكى يفوز بالجائزة عبر تاريخها الممتد ل47 عاما. وتقع الرواية الفائزة فى 686 صفحة، وقد كتبت بشكل ملحمى من خلال 75 شخصية استخدمت أكثر من لهجة أضفت على الرواية موسيقاها الخاصة، و رسمت ملامحها التى تتناول محاولة اغتيال مغنى "الريجى" الجامايكى بوب مارلي, الذى يشار له بالرواية دائما ب"المغنى"، وما تبعها من أحداث فى جامايكا خلال السبعينيات وبداية التسعينيات من القرن الماضى، بحيث تعكس الرواية الظروف السياسية المحلية والدولية المحيطة بجامايكا فى ذلك الوقت. وتستوحى الرواية أحداثها من محاولة اغتيال مارلى مع لمحات من سيرته الذاتية ممزوجة بتصورات نسجها كاتبها خلال أصوات شخصيات الرواية التى تكاد لا تُحصى من الأشباح والشهود والقتلة وأعضاء البرلمان وتجار المخدرات و ملكات الجمال ومكتب التحقيقات الفيدرالى ووكالة الاستخبارات الأمريكية المركزية ووكلاء للقتلة، تتقاطع جميعا معا خلال الأحداث لترسم رواية أسطورية وملحمية. وقد وقعت محاولة اغتيال مارلى فى أواخر عام 1970 بواسطة سبعة مسلحين، قبل الانتخابات البرلمانية فى جامايكا، وقبل يومين من قيام مارلى- المفترَض- بتقديم حفل "ابتسامة جامايكا" الذى نظمه حينها مايكل مانلى رئيس الوزراء وقائد حزب الشعب الوطنى فى جامايكا لتخفيف التوترات السياسية فى العاصمة كينجستون. اقتحم سبعة مسلحين منزل بوب مارلى، الذى أصيب فى تلك المحاولة بطلقات رصاص, وكُتبت لمارلى وزوجته ريتا النجاة. وهو الأمر الذى دفع مارلى بعدها مباشرة لمغادرة جامايكا لينفى نفسه إلى لندن لمدة عامين. وقداعتمد جيمس فى روايته على الدور الحقيقى لعصابة "شاور بوس" التى بدأت تتشكل فى بداية الستينيات من القرن الماضى فى جامايكا لتنتشر بعدها فى أمريكا، وليهيمن أفرادها فى الثمانينيات على تجارة المخدرات فى نيويورك وميامى، وكيف استعان بها كل من رئيس وزراء جامايكا وخصمه رئيس حزب العمال كقوة للسيطرة على أحياء الفقراء فى منطقة "حدائق تيفولى" التى سماها جيمس فى كتابه مدينة كوبنهاجن، وبادر الخصمان إلى تسليح العصابات والاستفادة من خدماتها، ليعتمد مؤشر القوة على من تخضع له منطقة الفقراء وبالتالى كينجستون، ليكسب الأصوات فى الانتخابات الوطنية، وعلاقات التوتر والتوافق بين الأحزاب السياسية والعصابات، بالإضافة إلى مساعى وكالة المخابرات المركزية لزعزعة استقرار الحكومة الجامايكية اليسارية فى السبعينات من القرن الماضى , فى إطار العلاقات المتوترة بين الولاياتالمتحدةالأمريكية ودول منطقة بحر الكاريبي. وتلعب الانتهازية دورا فى سلوك أبطال الرواية, حيث تبدو جميع الشخصيات على استعداد لاستغلال الجميع لتحقيق أهدافهم الخاصة. و مع مرور الأحداث وتراكم صفحات الرواية يصبح مارلى بطلا هامشيا فيها ويبرزالناس من حوله. هى ليست رواية بوليسية عن الجريمة فى حد ذاتها بقدر ماهى رواية تناقش عالم ماوراء الجريمة وعلاقته بأحداث وتداعيات اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية فى تاريخ جامايكا, لتفتح بوابة متسعة تدخلنا إلى جامايكا وتاريخها بكل ما فيها. وهى تستكشف ما يمكن أن يحدث عندما يبحث المجتمع عن هويته وسط صراع السلطة وانعدام المساواة الاجتماعية وعنف العصابات ، وكيف قفزت موسيقى الريجى التى برع فيها مارلى لتتحول لأيقونة ثقافية بالمجتمع, وكيف أصبح مارلى نفسه أيقونة للكثيرين من العامة والسياسيين الذين استغلوا شهرته لتحقيق أهدافهم الخاصة . ووصفت صحيفة "نيويورك تايمز" الرواية بأنها "نسخة جديدة من فيلم تارانتينو The Harder They Come ، لكن بموسيقى بوب مارلي... رواية جارفة أسطورية تتجاوزالقمة، ضخمة ومذهلة التعقيد". يذكرأن جيمس (44 عاماً) كان قد صرح بأنه على وشك التوقف عن الكتابة بعد أن قوبل أحد كتبه بالرفض 70 مرة, لكنه فى النهاية تمكن من نشره، واستطاع أن ينقل الشخصيات التى تأثر بها فى جامايكا إلى أعماله. وتعد الرواية الفائزة ثالث عمل لجيمس, الذى يعيش حاليا فى منيابوليس ويعمل بتدريس فن الكتابة الروائية, بعد روايتيه "نساء الليل" و"شيطان جون كرو". وقد فازت "تاريخ مختصر لسبع عمليات قتل" فى مطلع هذا العام بجائزة "أوكم بوكاس للأدب الكاريبي"، وأيضا بجائزة "آنيسفيلد ولف للكتاب" فى العام الماضي. كما فازت روايته الأولى بجائزتين، إلا أن جائزة مان بوكر هى أرفع جائزة يحصل عليها حتى الآن. وتم الإعلان عن فوزه بالجائزة, التى تبلغ قيمتها 50 ألف جنيه استرليني, فى حفل كبير بقاعة "جيلدهول" بلندن، مساء الثلاثاءالماضى 13 أكتوبر، أشاد جيمس خلاله بموسيقى "الريجى" التى وصفها بأنها كانت مصدر إلهام لروايته. وقال جيمس أن الفوز "مثير للغاية ويجعله يشعر بالتواضع"، مضيفاً " إن مطربى الريجى بوب مارلى وبيتر توش كانا أول من أدركا أن الصوت الذى يخرج من أفواهنا هو وسيط شرعى للخيال والشعر، وجامايكا لديها تراث ثرى جدًا جدًا .. إنه نوع من العبث أن أكون أول جامايكى يفوز بالجائزة وأتمنى ألا أكون الأخير, ولا اعتقد أن هذا سيحدث." وأهدى جيمس الجائزة إلى روح والده الذى شكل وعيه الأدبى. وقد درس جيمس الأدب فى جامعة جزر الهندالغربية الواقعة فى العاصمة كينجستون، وتخرج فيها عام 1991. وفى عام 2006، حصل على درجة الماجستير فى الكتابة الإبداعية من جامعة ويلكس بالولاياتالمتحدة. ووصف رئيس لجنة التحكيم مايكل وود الرواية بأنها "مثيرة جدا وعنيفة جدا، وغير عادية، فهى رواية بوليسية تتجاوز هذا النوع الأدبى لتغوص بنا فى تفاصيل قصة معاصرة لا نعرفها جيداً. وتعتمد الرواية وتيرة سريعة, وستتحول إلى أحد كلاسيكيات عصرنا"، مشيرا إلى أن لجنة التحكيم لم يكن لديها أى صعوبة فى اتخاذ القرار، فكان القرار بالإجماع. يذكر أن هذه هى السنة الثانية التى تفتح فيها المنافسة على جائزة مان بوكر لجميع الكتاب الذين يكتبون بالانجليزية بغض النظر عن جنسياتهم.