وزيرة التنمية المحلية تلتقي بخريجي برنامج إعداد القيادات    التكنولوجيا والتعليم بجامعة حلوان تنظم الملتقى التوظيفي الأول    "العدل" يعقد اجتماعًا تنظيميًا لبحث استعداداته النهائية لانتخابات النواب    الذهب يواصل التراجع من ذروته القياسية وسط موجة بيع لجني الأرباح    اسعار الخضروات اليوم الأربعاء 22اكتوبر 2025 فى أسواق المنيا    ارتفاع الصادرات غير البترولية لمصر إلى 36.64 مليار دولار خلال 9 أشهر    اعتماد المخطط التفصيلي لمنطقة الفيلات «V26» بمشروع مدينتي بالقاهرة الجديدة    التشكيل المتوقع للأهلي أمام الاتحاد السكندري في دوري نايل    موعد مباراة ريال مدريد ويوفينتوس في دوري الأبطال والقنوات الناقلة    «الصحة» و«مكافحة الإدمان» يفتتحان قسمًا جديدًا للحجز الإلزامي بمستشفى إمبابة    طريقة التقديم لحج الجمعيات الأهلية.. اعرف التفاصيل    ضبط 98314 مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    خبير أثري: تعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني يؤكد عبقرية الإنسان المصري    مفتي الجمهورية: الفتوى الرشيدة صمام أمان لوحدة الأمة وحائط صد ضد التطرف    وزير الصحة يبحث مع نظيره السوداني مجالات دعم مكافحة الأوبئة والطوارئ    27 ألف مريض تلقوا الخدمات الطبية بمستشفيات جامعة بني سويف في أسبوعين    لا مجال للمساومة على مياه النيل    استقرار وانخفاض طفيف في أسعار الحديد بأسواق المنيا اليوم الاربعاء 22أكتوبر 2025    وزير المالية فى اليوم الثانى لمؤتمر «الأونكتاد» بجنيف: نتطلع لدور أكبر للبنوك التنموية متعددة الأطراف.. فى خفض تكاليف التمويل للدول الأعضاء والقطاع الخاص    جدول أعمال أول قمة مصرية أوروبية ببروكسل    الأوكرانيون يستعدون لشتاء آخر من انقطاع الكهرباء مع تغيير روسيا لتكتيكاتها    إصابة 13 شخصا إثر انقلاب ميكروباص بطريق أبو سمبل في أسوان    بلع لسانه.. مصرع شاب أثناء لعب الكرة بشربين بالدقهلية    اليوم.. النطق بالحكم في استئناف البلوجر كروان مشاكل على حبسه عامين    إتاحة خدمة التقديم لحج الجمعيات الأهلية إلكترونيا    النائب العربي بالكنيست أيمن عودة: نسعى لمنع نتنياهو من تشكيل حكومة جديدة.. والضفة هدفه المقبل    الرئيس السيسى يبدأ نشاطه فى بروكسل بلقاء ممثلة الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي    المتحف المصرى الكبير.. تحفة معمارية تبث الروح العصرية فى الحضارة الفرعونية    سماء الفرج    موعد شهر رمضان المبارك 1447 هجريًا والأيام المتبقية    حين يتأخر الجواب: لماذا لا يُستجاب الدعاء أحيانًا؟    فياريال ضد مان سيتى.. هالاند يقترب من معادلة رقمه القياسى    السلام من أرض السلام    طبول الحرب تدق مجددًا| كوريا الشمالية تطلق صاروخًا باليستيًا باتجاه البحر الشرقي    مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 22 أكتوبر 2025 في بورسعيد    السوداني: الحكومة العراقية حريصة على مواصلة زخم التعاون الثنائي مع أمريكا    تعليم المنوفية تحسم قرار غلق مدرسة بالباجور بعد ارتفاع إصابات الجدري المائي    حسين فهمي: الدفاع عن الوطن في غزة ليس إرهابًا.. واستقالتي من الأمم المتحدة جاءت بعد هجوم قانا    عبد الله جورج: الجمعية العمومية للزمالك شهدت أجواء هادئة.. وواثقون في قدرة الفريق على حصد لقب الكونفدرالية    سعر الذهب اليوم الأربعاء 22-10-2025 بعد انخفاضه في الصاغة.. وعيار 21 الآن بالمصنعية    مهرجان القاهرة الدولي لموسيقى الجاز يهدي دورته ال17 ل زياد الرحباني    جيهان الشماشرجي تكشف علاقتها بيوسف شاهين ودور سعاد نصر في تعرفها عليه    تعليمات جديدة من التعليم للمعلمين ومديري المدارس 2025-2026 (تفاصيل)    جداول امتحانات شهر أكتوبر 2025 بالجيزة لجميع المراحل التعليمية (ابتدائي – إعدادي – ثانوي)    عاجل- الحكومة: لا تهاون في ضبط الأسعار.. ورئيس الوزراء يشدد على توافر السلع ومنع أي زيادات غير مبررة    د. محمد العربي يكتب: دور الأزهر في التصدي للفكر الإرهابي    رومانسي وحساس.. 4 أبراج بتحب بكل جوارحها    تكريم ياسر جلال فى مهرجان وهران للفيلم العربى بالجزائر    اعترافات المتهم بمحاولة سرقة مكتب بريد العوايد في الإسكندرية: من قنا وجاء لزيارة شقيقته    باريس سان جيرمان يكتسح ليفركوزن بسباعية في دوري الأبطال    «تقريره للاتحاد يدينه.. واختياراته مجاملات».. ميدو يفتح النار على أسامة نبيه    مواقيت الصلاة فى أسيوط الاربعاء 22102025    إمام مسجد الحسين: المصريون يجددون العهد مع سيدنا النبي وآل البيت    موعد مباريات اليوم الأربعاء 22 أكتوبر 2025.. إنفوجراف    أرتيتا: مواجهة أتلتيكو مدريد كانت صعبة.. وجيوكيريس استحق التسجيل    ريكو لويس: سيطرنا على مباراة فياريال.. وجوارديولا يعلم مركزي المفضل    مجلس كلية طب طنطا يناقش مخطط تدشين مبنى الكلية الجديد    استشاري مناعة: الخريف أخطر فصول العام من حيث العدوى الفيروسية.. واللقاحات خط الدفاع الأول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا حدث للثقافة المصرية؟
نشر في الأهرام اليومي يوم 11 - 10 - 2015

فى سنة 1938، أى منذ نحو ثلاثة أرباع القرن، نشر الدكتور طه حسين كتابا مهما تحت عنوان «مستقبل الثقافة فى مصر»، أحدث دويا واسعا، وظل فترة طويلة يشغل الناس، واعتبره مؤرخو الثقافة المصرية والعربية علامة مهمة فى تاريخنا الثقافى، يتكرر ذكره واقتطافه المرة بعد المرة، خاصة دعوته الى الأخذ من الحضارة الغربية بعبارات مدهشة فى حسمها، إذ دعا الى أن «نسير سيرة الأوروبيين ونسلك طريقهم»، والى أن نقبل من هذه الحضارة «خيرها وشرها، وحلوها ومرها، وما يُحب منها وما يكره، وما يحمد منها وما يعاب».وفى سنة 1955، أى بعد كتاب طه حسين بسبعة عشر عاما، نشر الدكتور عبدالعظيم أنيس، ومحمود أمين العالم، كتابا أحدث دويا مماثلا بعنوان «فى الثقافة المصرية»، ظل هو أيضا (وربما لايزال) يعتبر علامة مهمة فى تاريخنا الثقافي، إذ هاجم الكتاب بقوة وفصاحة، الانحياز الطبقى فى أعمال كبار أدبائنا، وإهمالهم القضية الاجتماعية، وتجاهلهم قضايا الفقر وسوء توزيع الدخل.كان الكتاب الثلاثة، طه حسين، وعبدالعظيم أنيس، ومحمود العالم، من أذكى الكتاب الذين حظيت بهم مصر فى القرن العشرين، ومن أكثرهم وطنية وحماسة لبعث نهضة ثقافية واجتماعية فى مصر، على اختلاف مشاربهم ونشأتهم وأنواع تعليمهم، ولم يكن من الغريب أن يثير كل منهم القضية التى أثارها، وأن يتحمس لها كل هذه الحماسة. فعندما كتب طه حسين كتابه «مستقبل الثقافة فى مصر»، كان قد مر على مصر أكثر من قرن من الاتصال الوثيق بالغرب (الذى بدأ بالحملة الفرنسية فى 1798)، وأكثر من نصف قرن على بداية الاحتلال الانجليزي، وقد أحدث هذا الاتصال وهذا الاحتلال زلزالا قويا فى ثقافة المصريين ونمط حياتهم، بما أديا إليه بالضرورة من اشتباك (أو بالأحرى صراع)، عنيف بين الثقافة الموروثة والثقافة الوافدة، كان الموقف من الحضارة الغربية أهم شاغل لمفكرى مصر ومثقفيها طوال المائة عام السابقة على نشر كتاب طه حسين، وقد استمر انشغال المثقفين المصريين بهذه القضية بعد هذا الكتاب بالطبع، وان اتخذ الصراع بين الثقافتين، الوافدة والموروثة، صورا مختلفة، كما اتخذ موقف المثقفين المصريين منه صورا مختلفة أيضا، تتفاوت فى لغة الخطاب وعمقه.لم يكن غريبا أيضا أن يظهر كتاب أنيس والعالم فى منتصف الخمسينيات، وأن يحدث ما أحدثه من دوي، ففى العقود الثلاثة التى انقضت بين ثورتى 1919 و1952، حدث فى المجتمع المصرى ما نقل المشكلة الاجتماعية (والطبقية) الى قمة اهتمامات المفكرين المصريين: زيادة السكان بسرعة، بالمقارنة بزيادة الأرض المزروعة، مع عجز النمو الصناعى عن تعويض العجز فى الزراعة عن حل مشكلة السكان، أدى الى اتساع كبير فى الفجوة بين الدخول والثروات، واستمرار اختلال النظام السياسى معبرا عن اختلال النظام الاجتماعى، كان الكتاب والمثقفون المصريون طوال فترة ما بين الحربين ينتمون الى طبقة اجتماعية مستريحة ماديا، (وإن كان معظمهم قد صعدوا هم أنفسهم من طبقات كادحة)، فلم يعبر انتاجهم الفكرى (بما فى ذلك قصصهم ومسرحياتهم)، عن معاناة الغالبية العظمى من المصريين، وهو بالضبط ما دفع أنيس والعالم الى الشكوى والمطالبة بالتغيير. خطر لى الآن، وقد مر هذا الزمن الطويل على كل من كتاب طه حسين وكتاب أنيس والعالم، أن أتساءل عما يمكن أن يكونه تقييم كل من هؤلاء المفكرين الثلاثة لما حدث للثقافة المصرية فى هذه الفترة، وعما اذا كانوا سيرضون عما حدث، والى أى مدى كان هذا الذى حدث للثقافة المصرية خلال ثلاثة أرباع القرن (فى حالة طه حسين) أو خلال ستين عاما (فى حالة أنيس والعالم)، قد تأثر بما دعا إليه هؤلاء المفكرون الكبار؟
إنى لا أتردد فى القبول بأن اجابتى عن هذه الأسئلة تنطوى على درجة عالية من خيبة الأمل، إذ لا أتصور أن يكون أى منهم راضيا بأى حال عما حدث للثقافة المصرية، كما أنى لا أظن أن أيا منهم كان له دور مهم فيما حدث بالفعل. ففيما يتعلق بموقفنا من الحضارة الغربية، نحن الآن فى حالة تسمح بتقييم ما أحدثته سياسة الانفتاح التى دشنها السادات فى منتصف السبعينيات (تقريبا فى الوقت نفسه الذى رحل فيه طه حسين عن العالم)، واستمرت، بدرجة أو بأخرى حتى الآن، إن من الممكن أن نقول إن هذا الانفتاح، الذى وصفه أحمد بهاء الدين ب(السداح مداح) كان تطبيقا (ولو بطريقة فجة) لما كان يصفه طه حسين بالأخذ من الحضارة الغربية «خيرها وشرها، حلوها ومرها، وما يحب منها وما يكره وما يحمد وما يعاب»، ومع هذا فلدى أسباب قوية للاعتقاد بأن هذا الذى حدث بالفعل كان أبعد ما يتصور عما يمكن أن يكون قد طاف بذهن طه حسين عما يجب أخذه من الغرب، هل كان طه حسين يتصور مثلا أن يتضمن الأخذ من حضارة الغرب انفتاحا استهلاكيا الى هذا الحد؟، مع إهمال التصنيع وتطوير القدرة الانتاجية والتكنولوجية الى هذا الحد؟ قد يقال إن طه حسين لم يكن يقصد الاقتصاد بل الثقافة، فهل ترك الانفتاح الاقتصادي، على النحو الذى طبق فى مصر، الثقافة على حالها؟ وهل تطورت الثقافة فى مصر على نحو أفضل من الاقتصاد؟ ما الذى كان يمكن أن يقوله طه حسين عما حدث لمستوى التعليم فى المدارس والجامعات منذ الانفتاح، ومستوى الكتابة الصحفية والبرامج الإذاعية، وما حدث للغة العربية، وعما أدت اليه الدعاية التجارية من تخريب للغة وانتشار الروح التجارية الى تخريب فى القيم الثقافية؟لا، لا يمكن أن يكون ما حدث للثقافة فى مصر، مما يرضى عنه طه حسين بأى حال، ولابد أنه كان يعنى شيئا آخر بدعوته الى الأخذ من الغرب: «حلوه ومره».. الخ، ولكن لاشك عندى أيضا فى أن هذا الذى حدث لم يكن سببه (سواء من قريب أو بعيد) ما كتبه طه حسين فى 1938، ان العوامل الأقوى تأثيرا فى حالة الثقافة المصرية، من أى شيء كتبه طه حسين أو أى مفكر آخر، قبل أو بعد 1938، كانت هى ما حدث فى واقع الحياة فى مصر والعالم: أوروبا حلت محلها أمريكا فى قيادة مسار الحضارة الغربية، والشركات الكبرى حلت محلها الشركات الصغيرة، بل وشيئا فشيئا حلت محل الدولة نفسها، وقفزت السلع والأفكار فوق الحدود القومية، وصار معيار النجاح والفشل فى الحياة، أو رقى الأمم، ليس التقدم الثقافى بل الاقتصادى، ومعدلات نمو الناتج والتصدير والأرباح.
أما المشكلة الطبقية التى أثارها عبدالعظيم أنيس ومحمود العالم فى منتصف الخمسينيات، فيمكن للبعض أن يهنئوا أنفسهم بأنه قد تم علاجها أيضا، ولكن ما أبأسه من علاج، نعم، ما أكثر ما كتب عن الطبقات الكادحة منذ يوسف إدريس فى الخمسينيات، وما أكثر ظهور الكادحين منذ ذلك الوقت، فى القصص والروايات والمسرحيات والأفلام، بل وفى الأشعار أيضا، وما أكثر ما غنى لهم المغنون، ناهيك عما ألقى باسمهم من خطب سياسية، كلا، لم تعد الطبقات الكادحة محرومة ممن يتكلم باسمها، ومن السهل تفسير ما حدث فى هذا الشأن بما طبقته ثورة 1952 من إجراءات لمصلحة هذه الطبقات، وتبنيها شعارات عدالة التوزيع، وما فتحته من أبواب المدارس والجامعات، ثم ما حدث بسبب الهجرة الى دول النفط من إيجاد فرص جديدة أمام أبناء هذه الطبقات، ولكن هل كان أنيس والعالم يتصوران أن تكون نتيجة هذا كله نمو طبقة متوسطة مشوهة المعالم، سقيمة التطلعات، وأشد جشعا من الطبقة المتوسطة التى كان يشكو أنيس والعالم من سيطرتها على الثقافة المصرية، وأسوأ خلقا، بل وأقل إخلاصا لقضية «الطبقات الكادحة»، التى أتت هذه الطبقة نفسها منها، وأشد استعدادا لخيانتها والتنكر لمطالبها؟
من نافلة القول، إنه لا عبدالعظيم أنيس ولا محمود العالم ولا زملاؤهما من الكتاب والمفكرين، الذين انتصروا لقضية الطبقات الكادحة فى مصر، يمكن أن يعتبروا مسئولين عما حدث من خيانة لهذه القضية، بل تقع المسئولية بالطبع على تلك العوامل نفسها التى ذكرتها والتى أدت الى تدهور الثقافة فى مصر خلال نصف القرن الماضي. فما الدرس الذى يمكن أن نستخلصه من هذا وذاك؟ إن التغيير المنشود فى الفكر والثقافة يجب أن يبدأ من التغيير فيما يحدث على الأرض، ولا يمكن تحقيق أى «تجديد» منشود فى الفكر، إلا اذا تجددت الحياة اليومية نفسها على النحو المنشود.
لمزيد من مقالات د. جلال أمين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.