شكراً لحضرات السادة القراء والأصدقاء ، الذين عقبوا على مقالى المنشور يوم الأربعاء 23 سبتمبر الماضى بعنوان «المتاجرة والإبتزاز بحق التقاضى والإعلام » ، وقد طلبوا إلىّ مزيداً من البحث والكشف عن آليات وأدوات لمواجهة المتاجرة والإبتزاز بحق التقاضى والإعلام ضد من يتسترون وراء تلك .. وهى حقوق مقدسة ومكفولة للناس كافة ، خاصة عندما تُستعمل هذه الحقوق بصور فجة فتكشف لنا صوراً جديدة من الفساد ، لأنها تهدد الحقوق والحريات والمجتمع بأسره ، حتى ولو انكشف المستور عنها ولو بعد حين !! وتأملت حق المجتمع المصرى وأبنائه الطيبين ، اذا قوبلت هذه الظاهرة بالصمت ، فى مواجهة المتاجرة والابتزاز ، بعد أن ازدادت نمواً فى السنوات الأخيرة ، ولم تعد مقصورة على واحد أو أكثر من الناس ، وإنما أصبح يحترفها فرقاً وجماعات ، تخصصت فى البحث والتنقيب عن المعلومات ، وهو أمر سهل وميسور وحق للجميع بحكم المادة 68 من الدستور ، لكن استعمال هذه الحقوق انقلب إلى ضدها بقصد المتاجرة والإبتزاز .. اذ يجرى إستعمالها للتهديد والتشهير بطريق التقاضى .. أو السكوت والابتزاز ، للحصول على المنافع والرشاوى .. أو إدعاء البطولات المزيفة ، فاذا نجحت المساومة سكتت الأصوات ، واذا فشلت انطلقت الاتهامات والإدعاءات ، وظل الطريق ممهداً حتى الوصول إلى ساحات القضاء والحكم ، ثم العودة إلى المساومة والمتاجرة والتنازل ، بما يناقض حكمة هذه الحقوق من حماية المجتمع من الشرور والآثام ، وليس للحصول على المنافع الشخصية أو الرشاوى !! ومن الوقائع والحقائق التى تحكى تأكيداً لذلك التطور الحادث فى البلاد ، ما أكدته أوراق رسمية لجهاز كبير كان قد سار على ذات النهج فى زمن الإخوان ، بتلقى الشكاوى والبلاغات ، للتشفى والإنتقام والتشهير بطريق الإنتقاء ، بتقديم الشكاوى والبلاغات ضد أشخاص بذاتهم ، والمدهش أنها كانت تتم تحت إشراف البعض وبعلمهم ، ليبدأ الإستدعاء والتحقيق ثم التشفى والانتقام ، فكان ذلك مثالاً عظيماً للشكاوى الكيدية والفساد ، لجهاز عريق الأصل فيه أنه ضد الفساد واستغلال النفوذ ، ونحمد الله أن ذلك كله قد انكشف عنه وزال المستور واستقام عوده وعلا كعبه ، ليرفع الظلم الذى وقع على بعض الناس !! ومن الحقائق التى تحكى وتقال كذلك الكم الهائل من القضايا التى رُفعت إستغلالاً لحق التقاضى المصون .. وإطلاقاً للسهام .. واصطحاب أصحاب الحناجر والأصوات والمتاجرين بحب الظهور والادعاء بمحاربة الفساد .. فترفع القضايا بقصد الإتفاق والمساومة ، وتقدم البلاغات والشكاوى .. بأقصى الإتهامات .. بقصد الابتزاز والمتاجرة .. وتظل القضايا متداولة والشكاوى قيد البحث والتحرى .. والتحقيقات لسنوات .. لتظل سيفاً مسلطاً على رقاب العباد ، وتصدر الأحكام .. لتكشف وراءها المتاجرة والإبتزاز والإنتقام ، حيث تتخذ طريقها إلى الإعلام ، إستكمالاً لقوة المساومة والاتجار . نعم حضرات السادة حق الشكوى والتقاضى مصون ، وحق التعبير والرأى مكفول ، لكنه شأن كل الحقوق والحريات ، يظل فى حاجة إلى تنظيم ، ضماناً لتحقيق غايته ، وحتى لا تكون الحقوق مطلقة تسمح بالإلتفاف والإتجار والإبتزاز ، ومن باب تنظيم حق التقاضى يأتى إلزام الشاكى أو المتقاضى بأن يكشف عن نفسه وصفته .. ومهنته .. وصلته بالمشكو فى حقه .. وسبب الشكوى ومضمونها والأدلة عليها .. وألا تكون عبارات من السباب .. ومفردات مرسلة فى لغة الكلام ، وهى مسئولية سلطات التحرى والتحقيق أن تستوثق من ذلك بدقة ومما يطلقه البعض على نفسه من أوصاف أو مهام كاذبة .. مهندس أو دكتور أو رجل أعمال .. أو صفات حديثة كناشط حقوقى .. أو ناشط سياسى .... يتستر وراءها بصفة المواطنة والمصلحة العامة ، وكذا ما تتخذه بعض الجمعيات والمراكز من عناوين وأسماء رنانة «جمعية مكافحة الفساد .. أو حماية العدالة .. أو الحفاظ على المال العام» !! لتكون خادعة وساترة وراء المتاجرة والإبتزاز . أما حق التقاضى ، وهو أكثر من حق الشكوى وأعظم ، فإنه يتطلب كذلك تنظيماً دقيقاً يعلو على حق الشكوى وزيادة ، من توفر الصفه والمصلحة الشخصية والمباشرة فى رافع لواء الخصومة ليستوثق القاضى من جدية الدعوى وموضوعيتها وبعدها عن الكيد ، والقضاء بالغرامة المناسبة أو المصاريف والتعويضات فى حالة توافر الكيدية.. وليظل حق التقاضى مصوناً بنص الدستور . وعلينا أن نعلى ونؤكد ، أن الدولة كما هى ملزمة بحماية حق التقاضى وحماية الشهود والمبلغين ، فإنها أيضاً وبنص المادة 96 ملزمة أيضاً بحماية المجنى عليهم والمتهمين ، وقد جمعت القوانين حماية لذلك بنصوص متفرقة منذ قديم ، حتى يكون إستعمال الحقوق استعمالاً مشروعاً ، لكن بعضها لا يلقى اهتماماً فى التطبيق ، والبعض الآخر لا يحظى بالجزاء الرادع أو تتحقق فيه عدالة الجزاء ، وتتردد تلك النصوص بين الإهمال وعدم التطبيق وعدم الكفاية .. ليظل الكيد والإنتقام والإبتزاز والمتاجرة هو سيد الموقف .. رغم ما جد فى الواقع من وقائع الرشوة والإتجار والإبتزاز . فماذا بعد أن قررت النيابة الحفظ فى قضية «صفر مريم» لعدم الصحة ؟! وماذا بعد أن تم ضبط البلاغات الكيدية والمتاجرة بها فى واقعة شهيرة بحالة تلبس بالرشوة بالملايين ؟! وماذا بعد أن إمتلأت ساحات المحاكم بالقضايا من أشخاص ليست لهم صفة أو مصلحة شخصية مباشرة فى القضايا، ومازال الحال على ما هو عليه رغم ما ظهر من صور جديدة للفساد . أما عن مباشرة حق التعبير والإعلام أيها السادة .. وممارسته للترويج .. والتشهير .. وإدعاء البطولات فإن رجال الإعلام أنفسهم عليهم مسئوليات عظام ، لأنهم يتسمون بالفطنة والحكمة وبعد النظر ، فعليهم أن يستشعروا ذلك فى المهد ، وأن يستلهموا ميثاق الشرف حتى لا يقعوا بحسن نية فى ذلك الفخ اللعين ، وفى قرب هو المعنى أن يبتعدوا عن نشر ألفاظ السب والقذف والإتهام والطعن فى الأعراض ، والتهديد بحق التقاضى والمساومة .. والحال يتطلع إلى إعادة النظر فى التشريعات القائمة حتى تكفل حماية حقوق المجتمع.. وحقوق جميع الأطراف على السواء . لمزيد من مقالات د . شوقى السيد