بمجرد إعلان روسيا تدخلها العسكرى فى سوريا لمصلحة الرئيس السورى بشار الأسد فى حربه المستمرة منذ خمس سنوات ضد داعش والنصرة والجيش السورى الحر،بدأ حزب الله يستعيد موقفه القوى فى الداخل اللبنانى بعدما لاقى معارضة قوية من خصومه السياسيين بسبب تدخله فى القتال داخل سوريا. كذلك استعاد زعيم التيار الوطنى الحر المرشح الرئاسى العماد ميشال عون قوته السياسية وزخمه السياسى مع إعلان حزب الله تأييده لتحركات الجنرال فى الشارع مدافعا ومطالبا بحقوق المسيحيين المهدرة على أيدى السنة فى لبنان ممثلة فى تيار المستقبل الذى يقوده رئيس وزراء لبنان الأسبق سعد الحريرى ورئيس كتلة المستقبل النيابية فؤاد السنيورة. وإذا كان الشارع السياسى اللبنانى منقسما بين مؤيد ومعارض لما يحدث فى سوريا،فإن التدخل الروسى فى سوريا قد زاد من حدة الانقسام بين الفرقاء السياسيين فى لبنان،حيث يذهب فريق 14آذار(المستقبل السنى وحزب الكتائب اللبنانى المسيحى وحزب القوات اللبنانية المسيحي) ومعه رئيس اللقاء الديمقراطى زعيم الدروز فى لبنان وليد جنبلاط ،إلى معارضة الرئيس بشار الأسد وتأييد المعارضة المسلحة منذ بداية الأحداث السورية فى مارس 2011،وإذا كان سعد الحريرى قد وصف داعش والنصرة بالتنظيمين الإرهابيين العام الماضى ،فإن وليد جنبلاط لايزال يرى ان النصرة ليست منظمة إرهابية بل فصيل ثورى سورى يقاتل قوات الأسد التى تبيد الشعب السوري. بينما يذهب فريق 8آذار(حزب الله وحركة امل والتيار الوطنى الحر وتيار المردة) إلى تأييد الأسد فى حربه ضد التكفيريين وقاطعى رؤوس السوريين وهادمى الحضارة والآثار السورية،بل إن حزب الله شارك قوات الأسد فى معركتى استعادة القصير والقلمون ،ولايزال يشارك بصفوة قواته وشبابه فى حرب الشمال السورى ،بالرغم من ان الحزب اعلن منذ البداية ان دخوله سوريا كان للدفاع عن المراقد الشيعية المقدسة والقرى الشيعية المحاطة بقوى المعارضة المسلحة. وبعد التوسع السرطانى لداعش فى سورياوالعراق ،وتشكيل مايسمى التحالف الدولى لمحاربة داعش بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية وأوروبا،وبعد مايقرب من عام دون تحقيق تقدم يذكر ضد داعش فى سورياوالعراق ،وبعد توقيع الاتفاق النووى بين إيران ومجموعة 5+1،بدأ وضع حزب الله وفريق 8آذار يشهد تراجعا فى الشارع اللبناني،وتداولت أخبار إعلامية ان الاتفاق النووى سيقود حتما لحل المشكلة السورية سواء بوجود الأسد أو بدونه. ومع تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية فى لبنان للعام الثانى على التوالى بسبب عدم اكتمال النصاب القانونى بمجلس النواب لغياب نواب حزب الله وعون،وبعد اتهام عون للمجلس النيابى بأنه مجلس غير شرعى مما أفقده تأييد حليف قوى ومؤثر هو رئيس مجلس النواب نبيه برى حليف عون فى فريق 8آذار،أصاب التيار الوطنى بقيادة عون التراجع فى الشارع اللبنانى فنزل إلى الشارع يوليو الماضى دون تحقيق تقدم يذكر. ومع بداية تحرك المجتمع المدنى فى لبنان فيما عرف بحراك "طلعت ريحتكم"احتجاجا على مشكلة القمامة المتراكمة فى الشوارع والميادين،التقط عون الخيط للاستفادة من تحرك الشارع ،ولكن الجماهير رفضت رفع شعارات حزبية أو طائفية مؤكدة أن التحرك شعبى بعيدا عن القمامة الطائفية والمذهبية،وبالرغم من ذلك حشد عون جماهير تياره بدعم معنوى وسياسى معلن من حزب الله،ونزل إلى الشارع سبتمبر الماضى ليؤكد لخصومه أنه صاحب الجمهور العريض وسط المسيحيين. وبالرغم من الصوت العالى الذى انتجهه حزب الله وعون فى تحرك الأخير جماهيريا،ظلت الأمور تراوح مكانها،فى ظل جمود الحوار بين المستقبل السنى وحزب الله الشيعى لنزع فتيل الأزمة بين السنة والشيعة نتيجة مايحدث فى سوريا،وفى ظل جمود وتعطيل الحكومة وانتخاب الرئيس الذى يقوده عون وحزب الله. وبالرغم من الحوار الذى دعا إليه رئيس مجلس النواب نبيه برى لتطويق مطالب المتظاهرين فى حملة "طلعت ريحتكم"لم يتوصل الحوار لشىء،ولاتزال الأمور التى طرحها الحوار منذ البداية تناقش فى كل جلسة جديدة دون نتيجة تذكر. وبالرغم من الحال الجامدة والمتجمدة فى لبنان ،فإن دخول روسيا المعترك السورى لمصلحة بشار الأسد بعث الحياة والروح فى فريق 8آذار الذى رحب بوجود الدب الروسى فى سوريا للقضاء على التكفيريين وداعميهم من العرب والأتراك والغرب،حيث رفض العماد عون مقابلة الرئيس الفرنسى أهولاند بعدما عرض عليه السفير الفرنسى فى بيروت وجود فرصة للقاء،كما أعلن حزب الله دعمه لعون فى كل خطوة يخطوها. ومع بداية الوجود الروسى فى سوريا شن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله هجوما حادا على المملكة العربية السعودية لحربها ضد الحوثيين فى اليمن ،ومما زاد الطين بلة ،تلاقى موقف حزب الله مع الموقف الإيرانى من السعودية بعد حادث التدافع ووموت المئات فى منى خلال موسم الحج،مما زاد من دعم الموقف الإيرانى وحزب الله وروسيا وبشار الأسد. وعلى الجانب الآخر انتقد فريق 14 آذار الوجود الروسى فى سوريا،فلم يرجب به زعيم تيار المستقبل سعد الحريرى ولارئيس كتلة المستقبل النيابية فؤاد السنيورة ،كما إنتقده علانية رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع،مؤكدا أن روسيا تساعد الأسد على قتل شعبه، بينما ذهب زعيم الدروز ورجل الروس فى لبنان وليد جنبلاط إلى انتقاد الدب الروسى واصفا إياه بأنه لايفهم فى الدبلوماسية وكيف يفهم وهو دب؟ ولأن العلاقة بين لبنانوسوريا تشبه نظرية الأوانى المستطرقة فإن الجميع ينتظر ماسوف تسفر عنه العمليات العسكرية الروسية داخل سوريا،وهل لونجحت وإنتصر الأسد بمساعدة الروس سيصعد نجم عون ليشغل المقعد الشاغر فى قصر الرئاسة فى بعبدا ببيروت ،ويعود حزب الله من سوريا مطوقا بأكاليل الغار والإنتصار،ليتجرع فريق 14آذار خيبة الهزيمة ويفقد مرشحه الرئاسى سمير جعجع فرصة الرئاسة، وتزداد مشاكل تيار المستقبل السايسية بعد تراكم المشاكل المالية التى تكاد تعصف به بعد رفض قرينة الحريرى الأب السيدة نازك الحريرى شراء قناة المستقبل وبعد تعثر بيع قصر الحريرى فى بيروت حيث لم يتقدم لشرائه إلا رئيس وزراء العراق السابق نورى المالكى وتم رفض البيع له، المتابع للأمور فى بيروت يدرك أن فرص مكسب حزب الله وعون أقرب للتحقيق دون غيرهما نظرا لتغير الموقف داخل سوريا بعد الرعب الذى يبثه وجود الدب الروسى على مرمى حجر من المياه الدافئة وبدعم خجول من أمريكا التى ترعى وتسلح المعارضة التى يقاتلها جيش القيصر فلاديمير بوتين.