قبل أن نحتكم إلي الشارع ونهدد بعمليات استشهادية, وقبل التهديد بالقتال داخل الوطن طلبا للنصر أو الموت في سبيل فرض أمر واقع يحقق مصالح شخصية حتي لو أدي إلي خراب الوطن لنتأمل هذه التجربة الديمقراطية حديثة العهد علي المجتمع الأمريكي والعالم أيضا, والمقصود هنا ذلك المشهد المثير الذي عاشته الولاياتالمتحدة صبيحة يوم إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية بين المرشح الجمهوري جورج بوش الابن ومنافسه الديمقراطي آل جور في نوفمبر عام 2000, لقد أعلن في البداية فوز بوش بالانتخابات بهامش محدود جدا من الأصوات مما دفع المرشح الديمقراطي إلي استخدام حقه الدستوري بالطعن في نتيجة الانتخابات والمطالبة بإعادة فرز الأصوات, وما هي إلا ساعات محدودة حتي تم تجميد نتيجة الانتخابات في مشهد لم تألفه أمريكا من قبل, المهم في هذه التجربة هو ذلك المشهد المتحضر الرائع الذي تم خلاله الاحتكام إلي النصوص القانونية والدستورية الفاصلة في مثل تلك الأزمات الطارئة, وقتها لم يعلن بوش ولا آل جور عن تجييش أنصارهما ولا التهديد بالاستشهاديات ولا القتال حتي النصر ولكن كانت المحكمة الدستورية العليا في واشنطن هي الحاضن الحقيقي والملعب الساخن لهذه المعركة بينما الحياة مستمرة إلي أن قرر المرشح الديمقراطي التنازل طواعية عن الدعاوي القضائية والتسليم بفوز منافسه, وعلي الرغم من أن عمليات إعادة الفرز فيما بعد أثبتت أن عدد الأصوات الشعبية التي حصل عليها آل جور تفوق ما حصل عليه منافسه الجمهوري فإن القوانين والفصل بين السلطات حفظ للولايات المتحدة توازنها السياسي والمجتمعي وخرجت من هذه الأزمة بأقل قدر من الأضرار بل بثقة أكبر في نظامها القضائي. وتبقي القوانين الضابط لتوازن المجتمعات حتي ولو كانت ظالمة, والي أن يتم تعديلها أو تغييرها أو إلغاؤها ويتعين أن يتوقف البعض عن محاولة أفغنة مصر بالتهديد بعمليات استشهادية وإسالة أنهار من الدماء, وألا تدفع المصالح الشخصية بعض التيارات الدينية وغيرها إلي إعلاء شأن القبيلة علي حساب الوطن. المزيد من أعمدة عماد عريان