كانت جميع الدراسات وورش العمل والندوات في مراكز الفكر السياسي والجامعات والمعاهد الأكاديمية التي تدير برامجها بأسلوب علمي محايد طوال عام 2011 قد اتفقت علي أن مصر أصبحت بعد ثورة 25 يناير مهيأة تماما لتنهض وتزدهر داخليا وان تتبوأ مكانة دولية تليق بها. لكن أصحاب هذا الرأي وضعوا أمامهم شرطا يلزم ان يتحقق أولا وهو أن تنتقل مقاليد الحكم الي الذين يمثلون الثورة بحق وان تستكمل الثورة أهدافها بالقضاء علي النظام السابق بما يمثله من أسلوب تفكير وممارسات وليس التوقف عند اسقاط رأس النظام, وحين يأتي اللواء عمر سليمان مرشحا من قلب النظام الذي سقط فإن ذلك يعد وقوفا في طريق نهضة مصر التي توقعتها دراسات علمية مجردة في الخارج ويؤمن بها من قبل ذلك طليعة الشباب الذين اطلقوا الثورة والمجموعة من النخبة التي كانت عالية الصوت في السنوات العشر التي سبقت 25 يناير 2011 وهي ترفض سياسات النظام وتنادي بالتغيير. ان كثيرا من مراكز البحوث والمعاهد التي أشرت اليها في أوروبا وأمريكا والتي عكفت علي دراسة مستقبل الثورة لم تتوقف حتي يومنا هذا وآخرها دراسة لجامعة جورج ميسون الثورة والثورة المضادة في مصر وأخري للكاتب البريطاني ديفيد جونسون عنوانها عام من الثورة والثورة المضادة ودراسات وأوراق متعددة جمعت عناوين مثل ثورة مصر التي لم تنته وقد سبقتها مناقشات وتحليلات سياسية اتفقت علي ان مصر منذ يوم ارغام مبارك علي التنحي تتعرض لخطة منظمة باحكام لاجهاض الثورة والثوار واجهاد المصريين في حياتهم اليومية من خلال الأزمات الاقتصادية والانفلات الأمني والفوضي المعيشية فهي ترسم في عيون المصريين في النهاية صورة سلبية للثورة والثوار عندئذ يكون من السهل ان يوجد مؤيدون لأي مرشح حتي ولو كان من رجال النظام الذي ثاروا عليه.
واللافت للنظر ان الذين رفعوا أصواتهم مهللين لمن كانوا جزءا فاعلا في نظام مبارك بدا وكأنهم قد محيت من ذاكرتهم الحالة التي أوصل اليها النظام السابق البلاد. وكيف انه كان نظاما بلا خطة قومية للتنمية تقوم علي مفاهيم الانتاج والارتقاء بالبشر وكانت سياساته تركز علي الاستيراد جلبا للعمولات وتدهور علي يديه التعليم والعلاج الصحي وتلاشت فرص التوظيف سواء لخريجي الجامعات الذين راحوا يصطفون سنة وراء سنة في طوابير العاطلين أو بالنسبة للأيدي العاملة من أصحاب الحرف المعاونة. وأصبح من العسير علي أي شاب أن يجد مسكنا ليتزوج ويقيم أسرة وتحولت مصر الي بلد طارد لأبنائه بينما المليارات المنهوبة تهرب الي الخارج. كان النظام يتسم بضحالة الفكر وغياب الرؤية والهدف الوطني وانعدمت في سياسته الخارجية الرؤية الاستراتيجية فتراجعت مكانة الدولة في محيطها الاقليمي وعلي المستوي الدولي.. وقادته طموحاته في أبدية البقاء في الحكم ثم توريثه الي التخلي عن مبدأ الأمن القومي ليحل محله مبدأ أمن النظام القائم علي فكرة الدولة البوليسية وهو المبدأ الذي يضع الشعب في سجن من الخوف والبطش وفقدان الأمل في المستقبل.
كان العالم من حوله يشهد دولا كانت صغيرة وفقيرة في آسيا وأمريكا اللاتينية استطاعت خلال فترات تتراوح بين سبع وعشر سنوات ان تحقق قفزات هائلة في الازدهار الاقتصادي والاستقرار الداخلي والعدالة الاجتماعية والمكانة الدولية. بينما مصر التي تفوق كثيرا من هذه الدول امكانات وموارد تجمدت وتراجعت. ولم تكن أسباب نهضة هذه الدول غائبة عن عيون النظام السابق لكنه كان مكبلا بحدود قدراته في القيادة والحكم وبطريقة اختياره لرجاله من يدورون حول خدمة أهدافه الخاصة. ثم بعد ذلك يخرج علينا اركان مثل هذا النظام بطبيعة تكوينه المضادة للمصلحة العامة وبمنظومة تفكيره لكي يسترجع حكم مصر الي نظام ثار عليه الشعب ورفضه واستشهد في سبيل ذلك الآلاف الذين أراق دماءهم علي ارض شوارعها.
ان المرشح الأنسب للرئاسة هو الذي تنسجم شخصيته مع اللحظة التاريخية التي تعيشها مصر الآن. ونحن مازلنا في لحظة ثورة لم تنته ولم تستكمل وكان مقدرا لها في حالة استكمال أهدافها ان تنطلق بمصر الي المستقبل وتحقق لها نهضة كانت التقديرات الدولية تتوقعها.
ان المشهد الراهن للترشح قد لا يكون الأخير في سلسلة خطة إجهاد المصريين وإجهاض الثورة.. وهنا استعير جملة من دراسة أخيرة لجامعة جورج ميسون تقول: ان غالبية المصريين مقتنعون بأن الثورة لم تنته.. وما قيل علي لسان مفكرين مرموقين في مناقشات علمية في جامعتي هارفار وجورج واشنطن ومراكز مثل اتلانتيك كونسيل وغيرها من انه بالرغم من جهود الثورة المضادة فسوف يتأكد للجميع ان تأثيرات هذه الثورة داخل مصر وخارجها لن تقل عن نتائج سقوط حائط برلين وسقوط الأنظمة الشيوعية في أول التسعينيات. لقد قادت الثورة المضادة حملة عداء لمصر والمصريين وليس هناك من نتيجة لأهدافها سوي القضاء علي حلم الازدهار والنهضة واستعادة مكانة مصر. لكن يبقي ان مايدعو للأمل أن هؤلاء هم خارج اللحظة التاريخية غير مدركين لمعايير العصر ويقفون في وجه تيار للتاريخ انطلق في مساره وحتي لو قلنا لهم: رحمة بمصر فلا حياة لمن تنادي.
ان مختلف القوي السياسية دون استثناء تتحمل جانبا كبيرا من مسئولية الحال الذي وصل إليه البلد ولا سبيل للإنقاذ الآن سوي ان يتجرد الجميع خاصة أصحاب الأغلبية البرلمانية من الانحياز لتنظيماتهم قبل المصلحة العامة لوطن يتنوع أبناؤه وسيكون الجميع أيضا ضمن من يحاسبهم التاريخ ولكم انتم ايضا ذات الرسالة: رحمة بمصر. المزيد من مقالات عاطف الغمري