«كم من أبناء الدول التى تعانى ويلات الإرهاب ينبغى أن تراق دماؤهم، حتى يبصر المجتمع الدولى حقيقة ذلك الوباء الذى تقف مصر فى طليعة الدول الإسلامية، وفى خط الدفاع الأول فى مواجهته، وأنه لا بديل عن التضامن بين البشر جميعا لدحره فى كل مكان»؟.. توجه الرئيس عبد الفتاح السيسى بالسؤال من فوق منبر الأممالمتحدة إلى أصحاب الضمائر اليقظة، ولمست عبارته أوتارا وجراحا فى الداخل المصرى والخارج القريب فى دول عربية شقيقة، تشهد اليوم تراجيديا عنيفة من صنع قوى التطرف التى تنسب خطأً إلى الدين الإسلامي. لم يبخس الرئيس السيسى الشعب المصرى حقه فى خطابه ولم ينس ما فعله الشعب العظيم لاقتلاع جماعة الإرهاب من السلطة ثم دعمه لجيشه وقوات الأمن فى التصدى للإرهاب وكل من يعبث بمستقبل الوطن. كانت الحالة المتردية فى المنطقة العربية تشغل حيزا كبيرا من تفكير واتصالات السيسى فى نيويورك، بينما تسابق رؤساء وزعماء دول كثيرة وخبراء فى مؤسسات بحثية أمريكية كبرى للاستماع إلى رؤيته للشأن الداخلى والحالة فى الشرق الأوسط، وقد ظهرت علامات الدهشة على وجوه الشخصيات التى التقت الرئيس من الأوضاع المحيرة فى المنطقة بعد عام من بدء تحالف دولى استهدفت إستراتيجيته ضرب تنظيم «داعش» الإجرامى، وتصفية معاقله فى سوريا، إلا أن التنظيم يبدو اليوم أكثر قوة من عام مضي، وفى توصيفه للوضع قال ال-سيسى لقناة تليفزيونية أمريكية «إنه من الممكن محاربة داعش عسكريا، لكن هذه الإستراتيجية تعتبر غير كاملة، مشيرا إلى ضرورة تبنى توجه شامل، يتضمن البعد الأمنى بالإضافة إلى الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وأضاف أن مصر أحد أعضاء هذا التحالف، وأنها أوضحت منذ بداية تشكيل التحالف أن دورها سيقتصر حاليا على مكافحة الإرهاب فى سيناء، وعلى الحدود مع ليبيا التى تصل إلى أكثر من 1200 كيلومتر. وسط كل ما سبق، تحدث الرئيس عن الجيش المصرى الذى يظل دائما عنصرا للاستقرار ويجب دعمه، لأنه يواجه «حربا ضارية» ضد الإرهاب والتطرف، وقال السيسى إن زيادة قدرات الجيش المصرى تعنى أنه يستطيع تحقيق توازن إستراتيجى فى المنطقة. ذهب السيسى.. إلى نيويورك حاملا، أيضا، مبادرة جديدة أطلق عليها «مبادرة حول الأمل والعمل من أجل غاية جديدة» بالتنسيق مع الأممالمتحدة والتى ترمى إلى إبعاد الشباب عن المتطرفين وأفكارهم المغلوطة وتوظيف قدراتهم من أجل بناء المستقبل الذى ستئول إليهم ملكيته بعد سنوات قليلة وقد جاء الاختصار لاسم المبادرة «يد» أو «HAND» مُلخصا رغبة مصرية عن ضرورة دحر الإرهاب لتحقيق التقدم وأن الاحتكام إلى العقل كفيل بالتصدى لكل أفكار المتطرفين. وأوضح أن هذه المبادرة هى اليد التى تمدها مصر كأحد أوجه مساهمتها فى التغلب على قوى التطرف من خلال العمل الإيجابى الذى لا يكتفى بالمقاومة فقط ، على نحو ما دأبت عليه جهود مكافحة الإرهاب حتى الآن ، والتى تركز على الدفاع عن الحاضر. وقد تحدث السيسى عن إجراءات مكافحة الإرهاب بثقة بناء على معطيات النجاح فى محاصرته داخليا فقال فى حواره مع قناة بى بى إس: «إن الجهود المبذولة لمكافحة الإرهاب أدت بلا شك إلى تقلص الأحداث الإرهابية.. إن الإرهاب لا يستطيع أن يهزم دولة خاصة إذا كان الشعب متحدا لمواجهته وهذه هى مصر». ولم ينس الرئيس فى خضم توجيه رسالته إلى مختلف المجموعات الإقليمية أن يتوجه إلي رؤساء دول وحكومات دول عربية، فأكد أن مصر جاهزة وبدون وساطات للعمل مع أى طرف عربى على أساس الصراحة والوضوح والبناء والسلام والاستقرار وليس تهديد استقرار وأمن مجتمعات عربية... بل إن مصر لديها طموح أن تكون هناك علاقات عربية فيها تضامن وإخاء وتعاون فى مواجهة التحديات المشتركة.. وتتوقع مصر أن يقابل ذلك بالمثل. كانت الرؤية الشاملة التى تحدث بها الرئيس السيسى حول كيفية مكافحة الإرهاب حاضرة فى حديثه عن الحالة السورية، حيث أعاد التأكيد على موقف مصرى لا يتزعزع ولا يقبل المساومات وتطرق إلي حلول عملية وليس مجرد مواقف سياسية وهو ما استحق الإشادة من شخصيات رفيعة التقت به على هامش اجتماعات الأممالمتحدة، بينما كان كلام الرئيس الأمريكى باراك أوباما يعبر عن موقف سياسى من الرئيس السورى بشار الأسد.. كان كلام السيسى عن سوريا.. الدولة والشعب... لم يطرح أوباما حلولا... كعادة أمريكا والمثال واضح من عملية ضرب ليبيا وبعد ذلك لا شيء.. وأيضا غزو العراق وحل الجيش وبعد ذلك لا رؤية أيضا لما بعد أو ما سيجرى فى اليوم التالي.. «على الطريقة الأمريكية»!!؟ السيناريو يتكرر أو تكرر بالفعل فى سوريا.. وكلام السيسى هو جوهر الموقف المصرى الأصيل بأن ما حدث فى العراق ثم فى ليبيا.. مصر لن تسمح بتكراره..ومن ثم جاءت الدعوة المصرية من أجل عقد حوار وطنى سورى يشارك فيه الجميع على أساس مقررات مؤتمر (جنيف 1)، مشددا على أن الحل السياسى وليس العسكري هو ما تفضله مصر فى تلك المرحلة الحرجة من منطلق الحفاظ على سلامة الأراضى السورية والجيش الوطنى السوري على أن تكون الأولوية لمواجهة التنظيمات المتطرفة وداعش فى سوريا لتحقيق الاستقرار للأوضاع وإعادة بناء سوريا لإعادة اللاجئين إلى ديارهم، وأن تكون المفاوضات بين المعارضة والنظام السورى وقال»إننا لانستطيع أن نحكم من الخارج». ثم انتقل الرئيس فى توصيفه للوضع إلى حدودنا الغربية، فقال إن ليبيا تعانى من منزلق خطير عندما أفصحت قوى التطرف عن وجودها من خلال أفعالها التى تجافى مبادئ الإسلام وقيم الإنسانية، وقال إن التصدى لتمادى المتطرفين فى تحدى إرادة الشعب الليبي، ورغبتهم فى الاستئثار وارتهان مصير دولة وشعب بتمكينهم من السيطرة عليهما هى مسألة تشكل ضرورة قصوي، وبالمثل شدد على الحرص على مقدرات شعب عربى شقيق فقال إن مصر تهتم بشكل بالغ بمستقبل ليبيا وسلامتها واستقرارها إن هذا الحرص كان دافع مصر الأول لدعم جهود الأممالمتحدة للوصول إلى تسوية سياسية للأزمة الليبية من خلال اتفاق «الصخيرات» حتى نشهد فيما بعده توحيد جهود المجتمع الدولى ووقوفه خلف إرادة الأطراف التى وقعت على الاتفاق من أجل إعادة بناء الدولة الليبية، وتمكينها من مكافحة الإرهاب بفاعلية وتعزيز قدرتها على دحره. فى الأيام القليلة.. التى قضاها الرئيس فى نيويورك، ظهرت القيمة الجديدة للتواجد القوي والحضور المؤثر وعودة التأثير والمكانة المصرية على الساحة الدولية بشكل ملفت.. لقاءات السيسى شملت قرابة 30 ملكاً ورئيسا ورئيس حكومة طلبوا لقاءه من دول عربية وأوروبية وإفريقية وآسيوية فضلاً عن شخصيات سياسية أمريكية كانت حريصة على لقائه مثل الرئيس الأسبق بيل كلينتون ووزير الخارجية الأسبق وداهية السياسة العالمية هنرى كيسنجر. فى كل تلك اللقاءات كان الرئيس واضحا فى تأكيده أن مصر تواجه حربا ضارية ضد الإرهاب، وأن منطقة الشرق الأوسط تحتاج إلى التعاون من أجل مواجهة التهديدات الإرهابية التى جعلت بعض دول المنطقة تنزلق نحو الفشل. فى حواره مع وكالة أنباء الأسوشيتدبرس قال السيسي: «يكفى النظر إلى الخريطة لنجد دولا تعانى من الفشل.. فهناك تزايد فى الجماعات المتطرفة، كما أن هناك مشكلة اللاجئين الذين يتدفقون إلى أوروبا.. ومع أخذ كل هذا فى الاعتبار يمكن تصور كيف تكون التحديات صعبة ومعقدة». وفى كل اللقاءات الرفيعة المستوي، كان السيسى يشدد على ضرورة اتخاذ المجتمع الدولى موقفا واضحا ومعلنا من الدول التى تدعم الإرهاب، خاصة أن أجهزة مخابرات دول عديدة لديها معلومات تؤكد هذا الدعم، وهناك دول معروفة ومرصودة، وهذا يخالف ميثاق الأممالمتحدة الذى ينص علي صيانة السلام والأمن الدوليين.. وبدورنا نضم أصواتنا إلى المتحمسين والداعمين للمواقف المصرية للتحرك واتخاذ إجراءات ضد المخالفين. الاحترام الدولى الكبير لمصر فى ظل حكم السيسى بدا واضحا فى الحماس الكبير لتأييد مصر فى مسعاها للحصول على مقعد غير دائم فى مجلس الأمن حيث مصر لن تمثل نفسها بل ستكون ممثلة للدول الإفريقية ودول عدم الانحياز والدول الإسلامية والدول النامية والدول العربية وهذا لا يعكس مكانة مصر وأهميتها فقط بل إدراك المجتمع الدولى لما تمثله مصر فى هذا كله.. وإدراك القيادة المصرية الحالية لذلك.. وهذا جزء من علاج 30 عاماً من الخراب.
قضايا الوضع الداخلى.. لم تغب عن اللقاءات على هامش الجمعية العامة، بدأ الرئيس كلمته الرسمية فى الإجتماعات الرفيعة المستوى للجمعية العامة بتقديم قناة السويس الجديدة التى وصفها بهدية مصر إلى العالم ومن ثم جاءت لقاءاته مع المستثمرين الأمريكيين من اعضاء غرفة التجارة الأمريكية ورؤساء الشركات رئيس البنك الدولي ومنتدى الأعمال للتفاهم الدولي وكلاوس شواب رئيس منتدى دافوس تؤكد أن التنمية وجذب الاستثمارات تمثل أهمية قصوى فى المرحلة المقبلة. وفى كلماته أمام الجمعية العامة وفى كل اللقاءات السابقة، كان هناك الربط الذكى بين ثلاثية «التنمية وتحديات مكافحة الإرهاب وأهداف الشعب المصرى فى العدالة الاجتماعية» وهى مطالب ثورة 25 يناير وقصد بها أننا لكى نحقق تلك المطالب فلابد أن يقوم المجتمع الدولى والدول الغنية بدعم مصر فى مكافحة الإرهاب لتحقيق التنمية ومن ثم العدالة بجميع أنواعها. ومن أجل أن تكتمل الصورة، تطرق السيسى فى حواراته إلى الحديث عن استكمال خريطة الطريق (الشق السياسي) ومشاركة المجتمع المدنى المصرى فى صياغة خطة التنمية التى وضعتها الحكومة بالتشاور معها 2015 2030. وفى رسالة جديدة إلى المعنيين بملفات حقوق الإنسان، برهنت زيارة نيويورك على صدق نيات السيسى فيما يتعلق بالتصدى لتحديات التنمية ودعم المشروعات التى تضخ فيها استثمارات كبيرة والأمر الثانى يتعلق بمكافحة الإرهاب وتأكيده على أن التنمية لن تتحقق بدون استقرار وهو ما جعل مبادرة (الأمل والعمل) بمثابة (ضرب عصفورين بحجر واحد) وهذا بيت القصيد وهو إبعاد الشباب عن التطرف. فى نهاية زيارته كان الرئيس سعيداً.. بما تحقق من نتائج سواء على مستوى اللقاءات أو ردود الأفعال على كلماته فى قمة التنمية، وكلمة مصر أمام الاجتماعات الرفيعة المستوى للجمعية العامة، وقمة مكافحة الإرهاب حيث تأكد الرجل من مكانة مصر وتعزيز وجودها الدولى المفتقد خلال سنوات طويلة مضت. لمزيد من مقالات محمد عبد الهادى علام