الحصر العددي لانتخابات الإعادة في الدائرة الثالثة بأسيوط    مسيرات مجهولة تثير الرعب قرب طائرة زيلينسكي أثناء زيارته أيرلندا (فيديو)    ميتا تخفض ميزانية "الميتافيرس" وتدرس تسريح عمال    الأنبا رافائيل يدشن مذبح «أبي سيفين» بكنيسة «العذراء» بالفجالة    فلسطين.. قوات الاحتلال تقتحم بلدة قبيا غرب رام الله بالضفة الغربية    وزير الأوقاف ينعي شقيق رئيس مجلس إدارة أخبار اليوم    خاطر يهنئ المحافظ بانضمام المنصورة للشبكة العالمية لمدن التعلّم باليونسكو    الحصر العددي لانتخابات النواب في إطسا.. مصطفى البنا يتصدر يليه حسام خليل    عصام عطية يكتب: الأ سطورة    الأزهر للفتوي: اللجوء إلى «البَشِعَة» لإثبات الاتهام أو نفيه.. جريمة دينية    الصحة: الإسعاف كانت حاضرة في موقع الحادث الذي شهد وفاة يوسف بطل السباحة    صحة الغربية: افتتاح وحدة مناظير الجهاز الهضمي والكبد بمستشفى حميات طنطا    عاجل- أكسيوس: ترامب يعتزم إعلان الدخول في المرحلة الثانية من اتفاق غزة قبل أعياد الميلاد    وست هام يفرض التعادل على مانشستر يونايتد في البريميرليج    دعاء صلاة الفجر اليوم الجمعة وأعظم الأدعية المستحبة لنيل البركة وتفريج الكرب وبداية يوم مليئة بالخير    "الأوقاف" تكشف تفاصيل إعادة النظر في عدالة القيم الإيجارية للممتلكات التابعة لها    الجيش الأمريكي يعلن "ضربة دقيقة" ضد سفينة مخدرات    رئيس هيئة الدواء يختتم برنامج "Future Fighters" ويشيد بدور الطلاب في مكافحة مقاومة المضادات الحيوية وتعزيز الأمن الدوائي    نجوم العالم يتألقون في افتتاح مهرجان البحر الأحمر.. ومايكل كين يخطف القلوب على السجادة الحمراء    دنيا سمير غانم تتصدر تريند جوجل بعد نفيها القاطع لشائعة انفصالها... وتعليق منة شلبي يشعل الجدل    فضل صلاة القيام وأهميتها في حياة المسلم وأثرها العظيم في تهذيب النفس وتقوية الإيمان    مصادرة كميات من اللحوم غير الصالحة للاستهلاك الآدمي بحي الطالبية    نتائج االلجنة الفرعية رقم 1 في إمبابة بانتخابات مجلس النواب 2025    البابا تواضروس الثاني يشهد تخريج دفعة جديدة من معهد المشورة بالمعادي    قفزة عشرينية ل الحضري، منتخب مصر يخوض مرانه الأساسي استعدادا لمواجهة الإمارات في كأس العرب (صور)    كأس العرب - يوسف أيمن: كان يمكننا لوم أنفسنا في مباراة فلسطين    صاحبة فيديو «البشعة» تكشف تفاصيل لجوئها للنار لإثبات براءتها: "كنت مظلومة ومش قادرة أمشي في الشارع"    د.حماد عبدالله يكتب: لماذا سميت "مصر" بالمحروسة !!    محطة شرق قنا تدخل الخدمة بجهد 500 ك.ف    وزير الكهرباء: رفع كفاءة الطاقة مفتاح تسريع مسار الاستدامة ودعم الاقتصاد الوطني    إعلان القاهرة الوزاري 2025.. خريطة طريق متوسطية لحماية البيئة وتعزيز الاقتصاد الأزرق    ضبط شخص هدد مرشحين زاعما وعده بمبالغ مالية وعدم الوفاء بها    سبحان الله.. عدسة تليفزيون اليوم السابع ترصد القمر العملاق فى سماء القاهرة.. فيديو    غرفة التطوير العقاري: الملكية الجزئية استثمار جديد يخدم محدودي ومتوسطي الدخل    ضبط شخص أثناء محاولة شراء أصوات الناخبين بسوهاج    أخبار × 24 ساعة.. وزارة العمل تعلن عن 360 فرصة عمل جديدة فى الجيزة    "لا أمان لخائن" .. احتفاءفلسطيني بمقتل عميل الصهاينة "أبو شباب"    الأمن يكشف ملابسات فيديو تهديد مرشحى الانتخابات لتهربهم من دفع رشاوى للناخبين    بعد إحالته للمحاكمة.. القصة الكاملة لقضية التيك توكر شاكر محظور دلوقتي    كاميرات المراقبة كلمة السر في إنقاذ فتاة من الخطف بالجيزة وفريق بحث يلاحق المتهم الرئيسي    ترامب يعلن التوصل لاتفاقيات جديدة بين الكونغو ورواندا للتعاون الاقتصادي وإنهاء الصراع    العزبي: حقول النفط السورية وراء إصرار إسرائيل على إقامة منطقة عازلة    رئيس مصلحة الجمارك: ننفذ أكبر عملية تطوير شاملة للجمارك المصرية    انقطاع المياه عن مركز ومدينة فوه اليوم لمدة 12 ساعة    فرز الأصوات في سيلا وسط تشديدات أمنية مكثفة بالفيوم.. صور    ميلان يودع كأس إيطاليا على يد لاتسيو    مراسل اكسترا نيوز بالفيوم: هناك اهتمام كبيرة بالمشاركة في هذه الجولة من الانتخابات    مراسل "اكسترا": الأجهزة الأمنية تعاملت بحسم وسرعة مع بعض الخروقات الانتخابية    محمد موسى يكشف أخطر تداعيات أزمة فسخ عقد صلاح مصدق داخل الزمالك    محمد إبراهيم: مشوفتش لاعيبة بتشرب شيشة فى الزمالك.. والمحترفون دون المستوى    مصدر بمجلس الزمالك: لا نية للاستقالة ومن يستطيع تحمل المسئولية يتفضل    دار الإفتاء تحذر من البشعة: ممارسة محرمة شرعا وتعرض الإنسان للأذى    كرة سلة - سيدات الأهلي في المجموعة الأولى بقرعة بطولة إفريقيا للاندية    اختتام البرنامج التدريبي الوطني لإعداد الدليل الرقابي لتقرير تحليل الأمان بالمنشآت الإشعاعية    كيف يقانل حزب النور لاستعادة حضوره على خريطة البرلمان المقبل؟    "المصل واللقاح" يكشف حقائق صادمة حول سوء استخدام المضادات الحيوية    سلطات للتخسيس غنية بالبروتين، وصفات مشبعة لخسارة الوزن    الأزهر للفتوى يوضح: اللجوء إلى البشعة لإثبات الاتهام أو نفيه ممارسة جاهلية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المهاتما غاندي..
مسيرة الملح واللاعنف والنول اليدوي
نشر في الأهرام اليومي يوم 01 - 10 - 2015

الهند, ليست بلدا مثل البلاد الأخري. لكنها أرض الحضارة والفلسفة, وعبق التاريخ. والهند, حقا, أرض العجائب, والتناقضات, وتنوع الديانات, والثقافات. لا تحتاج الهند, الا زيارة واحدة, حتي تسحرنا, وتحيرنا. مرة واحدة, إلي الهند, كافية لأن تبقي الي الأبد في الذاكرة.
.....................................................................
كان يطلق علي الهند جوهرة التاج البريطاني, والهند في حياتي جوهرة من جواهر ذكرياتي فقد كانت الهند هي أول رحلاتي خارج الوطن وكانت الخطوط الجوية الهندية, أول خطوط تحملني عبر الهواء. وكانت زيارة التاج محل في ولاية أجرا, حدثا استثنائيا, في حياتي سحرتني تلك التحفة المعمارية المتفردة, وأبقت جزءا من قلبي, هناك علي عتباتها الرخامية ناصعة البياض.
حضرت احتفالات الشعب الهندي بيوم الاستقلال,15 أغسطس.1947 رأيت كيف يعبرالنساء, والرجال, في الهند, علي اختلاف عقائدهم, ولغاتهم, ودياناتهم وطوائفهم, عن فرحة شعبية غامرة, ترسخ توحدهم, وتعمق من انتمائهم الي الهند. وتعيد الي الأذهان كفاحا عريقا, له خصوصية, تزهو بها الهند, وتحملها عبر الأجيال. رأيت, كيف في يوم الاستقلال, يطل الزعيم غاندي2 أكتوبر301869 يناير1948- من قلوب الشعب الهندي, شامخا كواحد من أعظم زعماء التاريخ. والمناضل الذي أشعل الكفاح ضد الامبراطورية البريطانية, حتي الجلاء, والاستقلال.
لم يكن غاندي, مجرد زعيم أعاد الحس القومي, وأشعل المقاومة الشعبية السلمية, وجدد كرامة الانتماء, الي الوطن. لكنه تحول, الي ما يشبه التعويذة, التي تتلوها الهند, لكي تستلهم القوة, علي الاستمرار, مرفوعة الرأس, في الحاضر, والمستقبل.
بالطبع, أنا منحازة إليغاندي لأنه بحكمته العميقة, وسمو روحه, ورحابة انسانيته, حررني أنا الأخري, من حماقات العالم, وأنانية الذات, واغراءات الحياة الفانية.
اذا حضرت الهند, حضر غاندي. واذا حضر غاندي حضرت الهند. هكذا نجح غاندي في أن يخلق الترادف بينه وبين الهند. لكنه كان ترادفا, واعيا, غير متعصب, واقعيا. فعندما سئل غاندي, أيهما يفضل, الهند, أم الحق قال الهند والحق, عندي مترادفان. لكنني اذا خيرت بينهما, أختار الحق.
دعونا نطل, علي حياة هذا الرجل الفريد, المتفرد.. المهاتما غاندي, الذي بهر العالم, بحكمته, وأدبه, وأحبه الأعداء, قبل الأصدقاء. وأنجز المهمة المستحيلة, وهي اخراج الانجليز من الهند.
المهاتما, تعني الروح العظيم. ويشاء القدر, أن تغتاله رصاصة هندية متعصبة, في30 يناير1948, بعد الاستقلال, بأقل من سنة وهو الذي كافح طوال حياته, ضد التعصب الديني, والتفرقة بين الناس, علي أساس الديانات, والملل, والطوائف.
مع غاندي, تتجدد دائما دهشتي. هذا الر جل البسيط, بساطة البديهيات, نحيل الجسم, نصف العاري, وتساعده عصا في المشي, لا يملك سلاحا, الا ايمانه, بالهند, ونبذ العنف.
هذا الرجل هادئ الحركات, رقيق الصوت, في قلبه, التسامح, والمحبة, والسلام, كان الخطر الأكبر, علي امبراطورية, عتيدة, مكابرة, متآمرة, تملك والمال, والنفوذ, والأسلحة, والجيوش, وخبرات الاحتلال, والقمع, والتعذيب. وكأن الشعب الهندي, كان في انتظار, الزعيم الذي يلهمه, ويثق في قدراته, ويراهن علي وطنية مسالمة, وثورة لا تريق الدماء, لا تنزاع كرامته, واستقلاله, وحقه الطبيعي, في الحرية, وتقرير المصير.
جاء غاندي, منأسرة عرفت بتدينها الصارم. لكنه في كفاحه, ضد الاحتلال وضد الفقر, كان يردد: اذا أراد الله أن يؤمن به الناس, في الهند فليظهر كرغيف من الخبز.
كانت الهند بلدا مقسما بين سبع ديانات, متفرقا بين إحدي وعشرين ولاية. يصل عدد الناس الي ما يقرب من خمسمائة وخمسين مليون شخص, يتكلمون ما يقارب من خمس عشرة لغة رسمية. ماذا يفعل المهاتما الروح العظيم؟.
أدرك غاندي أن بداية تحرير الهند, هي تحرير الهنود أنفسهم, من التفرقة الدينية, والاجتماعية, والطائفية المتعصبة.
من المعروف أن الديانة الهندوكية, تقسم المجتمع الهندي إلي نظام صارم من الطوائف. علي القمة طائفة البراهما.. والبراهما هو إله الخلق والكون. لذلك فهي طبقة عليا, يمثلها القائمون علي الدين والفكر. ثم نجد في القاع طائفة التشودرا, حيث أصحاب المهن اليدوية المختلفة, وأصحاب الحرف العديدة. من هذه الطائفة في القاع, نشأت فئة المنبوذين, التي تقوم بأحط الأعمال, في نظر المجتمع الهندي, مثل جمع القمامة, ولم جلود الحيوانات الميتة وذبحها. وقد انعزل المنبوذون في مكان مخصص لهم. لا يشربون إلا من بئر خاص.. ولا يلمسون الآخرين, ويتم استغلالهم في جميع الانتهاكات المستباحة.
طبقا لنظام الطوائف لا يتم التزاوج بين طائفتين مختلفتين ولا يحق لإنسان تغيير طائفته إلي أن يموت.
ثار غاندي علي هذا الموروث الديني الهندوكي. وقام بتزويج رجل وامرأة ينتمي كل منهما, الي طائفتين مختلفتين. بل من أكثر الطوائف بعدا, طائفة البراهما قمة المجتمع وطائفة المنبوذين قاع المجتمع. وكانت هذه حادثة, لم تشهدها الديانة الهندوكية, علي طوال تاريخها.
أطلق غاندي علي المنبوذين اسم هاريجان, أي أطفال الله. تسائل غاندي: كيف نعترض علي معاملة بريطانيا, لنا علي أننا منبوذون, ونحن نعامل أهلنا المعاملة نفسها؟ في عصر غاندي, كان المنبوذون, يشكلون20% من اجمالي الشعب الهندي.
إن الكتابة عن غاندي تشبه الغوص في محيط عميق.. لا نعرف أين يبدأ ولا نهاية له. كتب غاندي حياتي هي رسالتي وقد توحدت حياته, ورسالته, في قضية واحدة, هي تحرير الهند, عاش من أجلها, وأغتيل ب سببها.
لقد اعتقل غاندي عدة مرات. وأضرب عن الأكل, مرات كثيرة. لكن المرة الشهيرة, حين يئس الهنود من فلسفته, عن اللاعنف, قاموا بفتح النار علي الجنود. أضرب عن الأكل, حتي كاد أن يموت.فقد آمن غاندي, أن اللاعنف سياسة القوي المتحضر, المؤمن بقضيته. أما سياسة العنف, فهي تعبر عن التوحش, والعجز, والسلبية.
قال غاندي: سوف نخرج الإنجليز من الهند بكامل اختيارهم واقتناعهم.. ولن يحدث ذلك إلا بالتمسك باللاعنف, الذي هو قمة الثورة. وسوف يحب الإنجليز خروجهم من الهند ويعتبرونه قمة الحكمة. وهناك مرة أخري, كان إضرابه عن الطعام طويلا, لحدوث فتنة طائفية. وكان هذا أصعب ما يخشاه. ولم ينه إضرابه, حتي تصالح المتعصبون دينيا, واستمعوا إلي حكمة غاندي: هذا مايريده الإنجليز.. أن نقتل بعضنا البعض, حسب ديانتنا..
أكثر ما يبهرني في سيرة غاندي, ما سمي ب مسيرة الملح في12 مارس1930. في ذلك اليوم, خرج غاندي من مدينته أحمد أباد, في ولاية غوجارت, سائرا علي القدمين إلي قرية داندي, في مقاطعة سوارت وقد قطع عهدا, ألا يعود إلا بعد تحرير الهند.
بدأ السير مع تسعة وسبعين من أتباعه. وحين وصل إلي محيط العرب في سوارت, كان قد مشي يوما كاملا, قاطعا خمسمائة كيلو متر.وعلي طول الطريق, تحول الجمع الصغير المؤمن باللاعنف, أو العصيان المدني, إلي الآلاف من الهنود في المدن وفي القري, احتجاجا علي احتلال بريطانيا.
عند الشاطيء توقف غاندي وتوقف معه الزحف الهندي الضخم. توجه إلي تلال الملح القريبة. رفع بعض الملح, إلي أعلي, ثم تركه يتساقط, مصاحبا بالهتافات الرعدية. فقد فهم آلاف الهنود رسالة غاندي من هذه الحركة البسيطة. إنه احتجاج غاضب, ضد احتكار الإدارة الإنجليزية للملح, وفرضها ضرائب باهظة علي تداوله.
لكن لماذا الملح؟
أدرك غاندي أنه أفضل توحيد للخمسمائة وخمسين مليونا من الهنود. فأفقر الفقراء, الذي لا يتناول إلا قطعة من الخبز, يحتاج إلي بعض من الملح. وليس هناك جسم يستطيع الاستغناء, عن الملح. ولهذا أطلق هذا الزحف التاريخي: نمك ساتياجراها.. نمك يعني ملح.. ساتياجراها تعني, الإصرار علي الحقيقة دون عنف.
وكان غاندي محقا.. فالملح تاريخيا كان سلعة ثمينة. وكان في بعض البلاد, يستبدل به الذهب. وفي الصين, اعتادوا علي استخدام عملات مصنوعة من الملح. وفي عدة دول كما حدث في الهند, فرضت عليه ضرائب باهظة, وتم احتكاره لصالح الملوك, والأمراء. ولم يتم إلغاء احتكار الملح, إلا بعد بثورات الشعوب. أو ما أطلق عليها, ثورات الملح.
وقد نجح غاندي بسياسة اللاعنف, في إحياء الصناعات القديمة, والحرف التقليدية الهندية, والعودة إلي النول اليدوي للغزل. فقد أدرك أن الاستقلال السياسي للهند, لن يتحقق طالما أن الهند تصدر إنتاجها الزراعي كمادة خام, ثم تشتري المنتجات الإنجليزية الجاهزة. ولهذا دعا الهنود إلي الامتناع عن استخدام الأقمشة الإنجليزية.
وهكذا أصبح النول اليدوي رمزا للتحرر, وأداة ثورية, لها معناها السياسي, والاقتصادي. وأصبحت بريطانيا, مؤرقة بمصيرها في الهند. وكان جنودها, يندهشون كل يوم, وهم يرون الملايين, يسلمون أنفسهم, دون مقاومة, دون عنف, لكنهم لا يشترون الأقمشة, والبضائع, الانجليزية.
يوم30 يناير1948 اغتيل غاندي المناضل, أو الفيلسوف, الذي ضل طريقه إلي السياسة. في ذلك اليوم, كان غاندي, في نيودلهي, في حديقة, بيت بيرلا يصلي مع آلاف المصلين, وبعد استقلال الهند, بأقل من سنة في15 أغسطس1947, أصابته رصاصة من أحد الهندوس المتعصبين دينيا.
دعابات غاندي
عرف عن غاندي, الكثير من الدعابات الساخرة, التي تفضح الكذب, والظلم, والقبح. دعابة شهيرة, حين دعي لحفل استقبال في قصر الإمبراطورية البريطانية. وذهب كما هو, يرتدي الثوب الأبيض, الذي يكشف جسمه النحيل, أكثر مما يستره. سأله أحد المدعوين الإنجليز باستنكار: أهذه ملابس تناسب لقاء الملك؟.
بابتسامة هادئة ودودة, رد غاندي: اطمئن يا صديقي فالملك يرتدي من الملابس ما يكفيني ويكفيك ويكفي كل المدعوين.
أعطي غاندي, النموذج لصدق الزعامة. فكانت حياته أبسط من البساطة.. متقشفة أكثر من حياة أفقر الفقراء في الهند. فلم يملك من هذه الدنيا الفانية إلا كوخا صغيرا بسيطا هو الذي صنعه بنفسه علي نهر السابارماتي يتغذي علي لبن المعزة التي تنطلق بجانب الكوخ. ويكمل الوجبة بقليل من الأرز والليمون, والتمر لا يشرب الكحوليات, أو الشاي, أو القهوة.. لا يقتني إلا ثوبا أبيض من القطن الهندي ونظارته الشهيرة.. صندلا.. مكتبا بسيطا.. دواية حبر.. ريشة.. إناءين من الفخار.. طبقا من المعدن.. ثلاث ملاعق بأحجام مختلفة.. سكينا.. نولا يدويا.. العصا التي تساعده علي المشي والحركة.. وردة حمراء فيكوب ماء.
سألتهم في الهند, خلال رحلتي, لماذا كل هذا التقشف؟ أجابت امرأة أسمت ابنها: غاندي, كان متقشفا مع النساء فلم يتزوج غير زوجته وكان متقشفا نحو متع الدنيا, التي يتقاتل الناس من أجلها.
خير ختام, ما أعتبره درسا, للزعماء, والحكام, في كل مكان.. قال غاندي: الفقر موجود لأننا نأخذ أكثر من حاجتنا, لا أستطيع أن أكافح الفقر في وطن, غالبيته لا يجد قوت يومه, ولا أجرؤ علي إلقاء خطبة, عن القيم النبيلة وعن العدالة, وعدم التفرقة والمساواة, بينما أعيش حياة الأثرياء, في بلد به ملايين من الفقراء.
في14 مارس2015, في لندن, في ميدان البرلمان, ازيح الستار عن تمثال غاندي. وهذا التاريخ, يوافق مائة عام, حينما عاد غاندي, إلي الهند, من جنوب أفريقيا للتفرغ للنضال لتحرير بلاده. وكان حينئذ يبلغ من العمر46 عاما.
يا للمفارقة. تمثال غاندي, يرتفع شامخا, في قلب لندن, في عقر دار الإمبراطورية العتيدة, التي طاردت غاندي, واعتقلته سنوات, أكثر من مرة. يا للمفارقة ذهب الجميع, أصحاب الامتيازات, والمراكز المرموقة, وترسانة الأسلحة, الذين كانوا يركبون الخيل, ويضربون الشعب الهندي, بالرصاص, والعصا, والكرابيج. لم يبق الا غاندي, والهند. لكن من يتعظ ؟ ومن يتعلم ؟ ومن يتواضع ؟ ومن يضحي ؟ ومن يصمد ؟
أتأمل هذا العالم الأحمق, القاسي, الجشع, المتوحش, التعيس, المغرور, الشرس, العنيف, الذي يلف, ويدور, بأوامر من ماكينات سفك الدماء. قلة همجية, بربرية, متنمرة, تملك الفلوس, والثروات, والأسلحة, والإعلام, والثقافة, والتعليم, والأديان تعيش علي اثارة الفتن, وسرقة الضعفاء, ودم الأبرياء, وصناعة الأكاذيب.
كم نحتاج إلي عشرات من غاندي, لكي يصبح العالم, أكثر انسانية, وعدلا, وسلاما, وحكمة, وتواضعا.

من أقواله
دعوني أذكر بعضا من مقولات غاندي, التي أشعلت الثورة في قلوب الملايين. وساعدتني أنا للوصول الي المزيد من الحكمة, والتواضع, والسمو الروحي:- لا تستطيع أن تساعد الناس حقا إلا إذا عشت مثلهم.. ساعد الناس علي أن يفعلوا الأشياء بأنفسهم وأن يكتشفوا إمكانياتهم.. لا تحل محلهم.
- السعادة هي أن يتناغم ما تقول مع ما تفعل مع ما تحلم به.
- لو لم أمتلك القدرة علي المرح وعلي السخرية لهزمتني أول معركة.
- أيها الهنود.. أنا إنسان مثلكم.. لا تعاملوني كإله, أو إنسان لديه قدرات خارقة.. ولا تحولوني إلي تعويذة تجلب لكم الحظ السعيد.. حظكم هو فعلكم.
- لا آومن بأي فكرة دينية تناقض عقلي وتفكيري,المنحاز للعدل والحكمة والحرية.
- كم يسعدني الاعتقال, حتي يتأكد الهنود| أنني إنسان عادي مثلهم.
- لست أطلق علي بريطانيا كلمة العدو لكنني أعتبرها صديقة ضلت طريق الحكمة.
- الجسد ليس وعاء للطعام والشراب والمتع الحسية.. لكنه أداة ثورية.. ورمز للاحتجاج ووسيلة لإعلان الغضب.. لذلك فأنا بحياتي عشرات الإضرابات التي جعلت الموت صديقي.
الذي يعفو أرقي من الذي ينتقم. السلام أرقي من الحرب.
- نحن موجودون علي الأرض بسبب النساء.. فلا تسيئوا معاملتهن أيها الرجال.
- الحقد يستنزف طاقتنا.. ويجعلنا عبيدا لغريزة شريرة.. همجية.. لا حق لنا في ممارستها.
- اللاعنف سياستي.. والتواضع فلسفتي..والهند الحرة غايتي..
- لا تيأس من الحياة رغم مآسيها.. ففي النهاية لا يتسخ البحر لمجرد قطرات ملوثة من الماء.
- في الهند هناك نوعان من العبودية.. عبودية النساء وعبودية المنبوذين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.