وزير التعليم العالي ومحافظ الإسماعيلية يكرّمان لجنة تحكيم مسابقة أفضل جامعة صديقة للبيئة    هيئة قناة السويس تبحث سبل التصنيع والتدريب المشترك مع ترسانة ONEX اليونانية    مصر تفوز بمقعد في الجمعية العامة للمنظمة البحرية الدولية IMO    القانون يحدد ضوابط إنشاء مناطق تكنولوجية لصناعة الاتصالات.. ما هي ؟    بلدية الخليل: طلب الاحتلال لتحويل ساحة الحرم الإبراهيمي إلى ملكية عامة خطوة تهدد التراث العالمي    رئيس البرلمان الليبي يطالب المفوضية العليا للانتخابات بتنفيذ القانون الانتخابي فورا    وزير الإعلام سوري: معركة ردع العدوان كسرت المعادلات السياسية بالمنطقة    نتيجة مباراة الأهلي والجيش الملكي بعد مرور 30 دقيقة    بيان رسمي.. بيراميدز يثمن دور الأهلي في الدفاع عن رمضان صبحي    المحكمة تكشف أسباب إدانة أم مكة ووقف تنفيذ عقوبة الحبس: ليست من أصحاب السوابق    صور ضحايا حادث تصادم تريلا وسيارة نقل بقنا    بعد إنقاذه 13 طالبة من الغرق.. التضامن تعلن التكفل بأسرة شهيد الشهامة: تعويض ب100 ألف جنيه وتحمل مصروفات الدراسة    10 آلاف كاش باك.. الأوراق المطلوبة وإجراءات استبدال التوك توك بالسيارة كيوت    ضمن فعاليات مهرجان الفيوم.. افتتاح سمبوزيوم منصة وجوه الفيوم للفنون المعاصرة    مفاجآت مدوية في حلقة "دولة التلاوة"، متسابق رجع للمنافسة وآخر أعلن اعتذاره (فيديو)    مصطفى حسنى بدولة التلاوة: حوار مسموم دار بين إخوة يوسف لإلقائه فى البير    لجنة تابعة للأمم المتحدة تحث إسرائيل على التحقيق في اتهامات تعذيب الفلسطينيين    علي ناصر محمد: مصر كانت الدولة الوحيدة الداعمة لجمهورية اليمن الديمقراطية    محمود بسيونى يكتب: جيل الجمهورية الجديدة    محافظ الجيزة : السيطرة على حريق موقع التصوير باستوديو مصر دون خسائر في الأرواح    3 مدن أقل من 10 درجات.. انخفاض كبير في درجات الحرارة غدا السبت    رابط وخطوات التقديم على 1450 فرصة عمل بمشروع الضبعة النووي    ضمن جولته بالاقصر| وزير الرياضة يتفقد تطوير مركز شباب الاتحاد    رفعت فياض يكشف حقيقة عودة التعليم المفتوح    علي ناصر محمد يكشف تفاصيل أزمة الجيش اليمنى الجنوبى وعفو قحطان الشعبى فى 1968    فايا يونان وعبير نعمة تضيئان مهرجان صدى الأهرامات | صور    المصري يوجه الشكر لبعثة بيراميدز لمساندتها النسور خلال مباراة زيسكو    المفتى السابق: الشرع أحاط الطلاق بضوابط دقيقة لحماية الأسرة    يسري جبر يروي القصة الكاملة لبراءة السيدة عائشة من حادثة الإفك    نحو دور أوروبى نشط فى فلسطين    راموس يستعد للرحيل عن الدوري المكسيكي    جاهزية ثلاثي حراسة الزمالك لمواجهة كايزر تشيفز    جامعة القاهرة تُكرّم نقيب الإعلاميين تقديرا لدوره البارز فى دعم شباب الجامعات    ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات والانهيارات الأرضية بإندونيسيا إلى 174 قتيلًا    أكاديمية الشرطة تستقبل عدد من طلبة وطالبات المرحلة الثانوية    فحص 20 مليون و168 ألف شخص ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة    زيارة مفاجئة لوكيل صحة أسيوط لمستشفى منفلوط المركزي اليوم    خلال لقاء ودي بالنمسا.. البابا تواضروس يدعو رئيس أساقفة فيينا للكنيسة الكاثوليكية لزيارة مصر    عمر جابر: مواجهة كايزرتشيفز تختلف عن ستيلينبوش    السيطرة على حريق باستديو مصر بالمريوطية    ضبط 3618 قضية سرقة تيار كهربائي خلال 24 ساعة    تناول الرمان وشرب عصيره.. أيهما أكثر فائدة لصحتك؟    في الجمعة المباركة.. تعرف على الأدعية المستحبة وساعات الاستجابة    فضل سورة الكهف.. لا تتركها يوم الجمعة وستنعم ب3 بركات لا توصف    شادية.. أيقونة السينما المصرية الخالدة التي أسرت القلوب صوتاً وتمثيلاً    اسعار الاسمنت اليوم الجمعه 28 نوفمبر 2025 فى المنيا    تحقيق عاجل بعد انتشار فيديو استغاثة معلمة داخل فصل بمدرسة عبد السلام المحجوب    مشاركة مصرية بارزة في أعمال مؤتمر جودة الرعاية الصحية بالأردن    استعدادات مكثفة في مساجد المنيا لاستقبال المصلين لصلاة الجمعة اليوم 28نوفمبر 2025 فى المنيا    «الصحة» تعلن تقديم خدمات مبادرة الكشف المبكر عن الأورام السرطانية ل15 مليون مواطن    رئيس كوريا الجنوبية يعزي في ضحايا حريق المجمع السكني في هونج كونج    الزراعة تصدر أكثر من 800 ترخيص تشغيل لأنشطة الإنتاج الحيواني والداجني    صديقة الإعلامية هبة الزياد: الراحلة كانت مثقفة وحافظة لكتاب الله    45 دقيقة تأخير على خط «طنطا - دمياط».. الجمعة 28 نوفمبر 2025    حذر من عودة مرتقبة .. إعلام السيسي يحمل "الإخوان" نتائج فشله بحملة ممنهجة!    شعبة الدواجن تحذر: انخفاض الأسعار قد يؤدي لأزمة في الشتاء القادم    أحمد السعدني: دمعت من أحداث "ولنا في الخيال حب".. وشخصيتي في الفيلم تشبهني    أبوريدة: بيراميدز ليس له ذنب في غياب لاعبيه عن كأس العرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سنوات اليتيم التائة 2
نشر في الأهرام اليومي يوم 01 - 10 - 2015

آمل أن نتوافق في نهاية المطاف تحقيقا لأمنياتي وهي جزء من أمنياتكم لأنني منكم وأنتم مني, وسنطوف معا لنستعيد النتائج التي تأكدت بالمساعي المتواصلة التي بذلها بعض العلماء الذين سبقونا وقرأوا تواريخ البشرية واستنتجوا تلك النتائج المؤكدة عن وادينا الذي كان مسكونا بالأجداد والجدات والأمهات والآباء في الأزمنة العتيقة,
وكيف رصدوا بمساعيهم وبذلوا بجهودهم وقدراتهم المؤكدة ما كان مطلوبا منهم للوصول إلي بدايات تعمير هذا الحيز الجغرافي الذي اتخذوه سكنا وموطنا بعد أن عدلوا أركانه ومجري نهره الذي تحول ليصبح واديا لذات النهر فيزرعونه ويأكلون ثمار أرضه, يبدلون همهماتهم إلي كلمات تخصهم لتتشكل لهم لغة دربوا بعض أطفالهم علي فهم مفرداتها كلغة يسطرونها علي الجدران وأوراق البردي لتتعلمها الأجيال المتتابعة, وربما سأل بعضهم البعض عن حكمة وجودهم في هذه الدنيا فتاهوا, ثم سألوا بعضهم مئات المرات عن سر الحياة وسمعوا ردودا تتفق أكثر مما تختلف علي أوراق البردي المخطوطة بريشة جالس القرفصاء, وفي بنايات تلك الأهرامات والمسلات كانوا يستلهمون الرسوم والهياكل والوجوه وكل الأدوات المستخدمة في الزرع والجمع والحفر والحصاد, لتتشكل حروفا منطوقة يسطرونها ويعلمون صغارهم كيفية نطقها وكتابتها دونما خلاف, ولعلهم توافقوا علي اسماء الفراعين القدامي وسعوا لتفسير بدايات حياتهم وخالق الأحياء, تتباين الإجابات أحيانا لكن فكرة وجود الإله مؤكدة وقد توافق معها كل العقول, وحكاما ومحكومين وكهنة يطلقون علي كل أقاليم اسم إله لهذه الحياة, تبني له المعابد وقد تتشابه او تختلف لكنها تؤمن برع أو آمون او ست او حورس او إيزيس او أوزوريس, وقد أحكي لكم ما قاله فرعونهم إخناتون الذي دعاهم لبناء مدينة جديدة سماها آخيتاتون لتكون عاصمة جديدة لها معبد لإله واحد, فهل كان اسمه آمون في الزمن العتيق ؟ أما إخناتون فقد إنشغل عقله بالموت والحياة والإله الواحد فأنشأ له تلك المدينة تكون مقرا لحكمه ودعوته للتوحيد بعد قراءة ما اتيح له من مخطوطات, وفكرتنا عنه وعن مشواره تتطلب مزيد من القراءات لبعض المخطوطات التي تتكدس فوق رفوف المعابد والمكتبات الشهيرة بعواصم العالم مرورا بعشاق البحوث والمعرفة وبعض الدارسين لأصول الحياة ومصائر البشر بعد الرحيل, وربما كان بعض من آمنوا بأخيتاتون مرضيا عنهم تماما من الكهنة وإخناتون ومغضوبا عليهم ممن آمنوا بإله آخر لم ينكروه, لم يكن الأمر هينا أو بسيطا بل عسيرا يحتاج للمزيد من المعرفة وتطويع الادوات ليكون المردود متوافقا مع تركيبة العقل الإنساني المتنوع القدرات الذي يتقبل تفاسير متنافرة أو متوافقة, ولآنها تربك العقلاء من العلماء والدارسين الباحثين مع الكهنة لجذور تلك البشرية من كل جنس أو ملة وستتداخل امنياتنا وتزول مخاوفنا بالإيمان بالإله الواحد حسبما أمنوا, وهو توافق عند نهاية المطاف, لأننا في كل اطراف الدنيا تساءلنا عن ارواح الآباء والأجداد الذين رحلوا عنا وقد شعرنا أن أرواحهم مازالت تحوم حولنا موغلة في الإقتراب او التباعد برغم مفارقتها لحياتنا, لكنها تبقي لتحوم حولنا وتنفي فناءها وتعلن أنها تنكر الفناء المجاني لأرواحهم, وقد سبقونا في الحياة أزمانا نخطئ في حساباتها ونختلف, لكننا نستعيد ما توافقنا وإتفقنا عليه مع بعض من عاشوا في البدايات, لأننا نؤمن بأن أرواحهم باقية لتحوم في الفراغ المفتوح الذي لا تحده حدود أو يفنيه الزمان من أي مكان, وقد تتباين القناعات شكلا في بعض الأقاليم, لكنها في نهاية المطاف تؤمن بأن الخالق الذي تخيلوه اشكالا وكيانات بتوصيفات متباينة لكنه مختار حتي جاء الأنبياء وبعض الرسل وفسروا لهم الوجود ورب الوجود الذي هو خالق الشمس والقمر والنجوم والبراح المسكون, فصدقوهم وراجعوا ذاكرتهم وأكدوا أنهم فكروا في الموت والفناء والخلود والعدل والظلم والحرب والسلام أيضا قبل أن يأتيهم الأنبياء والرسل لهدايتهم بوجود الرب الخالق فإستجابوا لهم, وعملا بالوصايا التي جاءتهم من كل رسول أو نبي دعاهم فإستجابوا لبعض وصاياهم كقواسم مشتركة, ولان البعض منهم عارض وإعترض ورفض كل ما قيل, وأنتم بالقطع تعرفون أكثر مني جذور تركتهم الموروثة في حيزها البراح الذي إتسع وإتسع ليشمل كل اركان الدنيا وقيل فيها الكثير والكثير, لكنها في نهاية المطاف كانت إضافات لقضية الوجود والعدم او الحياة والموت والبقاء والفناء مع الشك واليقين, والتفاسير البشرية من بدايات البدايات الأولي وملايين الإجتهادات لا تنسينا موقعنا من الإعراب ومكانتنا في ريادة هذه الدنيا دونما تعصب أو تعال او تعنصر مقيت, ربما اكتفي ببعض المؤشرات الخاطفة لتأكيد توافقنا معا لأننا أبناء هذه الأرض بموقعها الجغرافي وجيناتها الوراثية التي تسري في خلايا دمي وتسري في خلايا دمائكم, وتؤكد لنا أننا بالعدل والعقل الموروث تواصلنا ووصلنا إلي نقطة الإرتكاز التي صرت أنا مشغولا بها بعد أن بثها أبي بمسامعي قناعات عاش يتباهي بمواجعه بكلمات يبوح بها لنفسه وأسمعه فأصدقه, وربما اطالبه بزيارة تالية فيهز لي رأسه ويعدني عقب كل زيارة أنه سيعاود المجئ ليزور واحدا من المتاحف الأثريية في العاصمة او عاصمة الأقليم وهو يهز رأسه أمام المعبد علامة الموافقة, ويحدثني عن سرارديب جبال حفروها ووضعوا فيها تماثيل كبيرة وصغيرة ومقاعد وبرديات وأدوات كالسكاكين والأطباق في تلك البيوت العتيقة ومعها ثياب الرجال مع ثياب النساء المحفوظة في صناديق خشبية تتشابه مع صناديق جداتنا في البيوت المبنية بالطوب اللبن, وفي أركان الحجرات والقاعات والمنادر, وكنا نري في الناحية الأخري من اركانها ما يؤكد أنها بقايا تركة لأجداد ورثنا عنهم هذه الأرض, وما نراه في اركان تلك المتاحف في الأقاليم من أدوات الحرب التي تخصهم في ناحية وتلك التي تخص الخصوم الذين فروا من جحافل جيوشهم في الناحية الأخري, واتخيل وأنا معكم أنني اراها حربا بيننا وبين خصوم عبروا حدودنا ودفعوا اجدادنا دفعا لتحرير الوطن من رجس فلول الغازين ونجاساتهم
..........................
سأعاود البوح عن رعاية الأب في مراحل العمر الأولي لأكمل ما بدأته عندما بحت لكم بما قدمه لي من وصاياه لأن البدايات تحمل داخل الداخل منها مقدمات نهاياتها المؤكدة, فالدنيا بحساباته كانت وستبقي دوارة, فكم طلعها ناس كانوا يسكنون تحت الأرض أو بواطيها وتبدلت أحوالهم بقدرة القادر ليصبح واطيها عاليها كما شاعت العبارة لتبرير الطلوع الصعب بالقسمة والنصيب وقدرة القادر أو حتي البخت والمكتوب, ليكف الناس عن إندهاشاتهم وبذل المساعي المتواصلة لمعرفة أسباب الطلوع غير المبرر لمن طلعوا من قاع القاع لقمة تجار الخردة او الزبالين والكناسين مثلا بدون حقوق واضحة, ولأن البخت والنصيب وحده قادر علي تبديل الأحوال, فلا داعي للسعي لمعرفة الأسباب لأن الأمر يستحق إعتراضاتنا علي ادوات السلب والنهب المخفية وقد ظهرت وبانت وأعلنوا وجودها علي غير توقع, فإن التفكير في الحسد لن يفيدنا او يساعدنا لنتعرف علي أسباب المتغيرات الحقيقية ما لم نعترف بوجود النصيب الغلاب لنا, والقسمة والمكتوب او قدرة القادر طمعا في غفرانه, علي هذا النحو كان يحدثني احيانا فأتفكر وأهز دماغي متظاهرا بانني اوافقه, بينما في داخلي سؤال عن مغزي هذه الحياة وأسباب وجودنا أو رحيلنا عن الدنيا بلا مقدمات وفي لحظات حرجة تماما مثلما جري لي عندما فقدت أمي وهي تلدني وتمنحني عمرها ساعة الرحيل الصعب وأنا مولودها, واليتم جحيم يتجسد ماردا أو مجموعة مردة تسعي لعذاب أمثالنا علي سطح الأرض ولا تكف او تشبع
كان يحدثني بصوت خافت أحيانا فأفول لنفسي لا بد أنه سيبوح لي بسر جديد ويكلفني بأن اداريه في ذاكرتي المعطوبة قأسمع كلماته بغير تركيز لأنني لا أعي مقاصده لصغر سني, ومحاولاتي لفهم مفرداته دونما مقدرة علي الوصول الي حل غير النسيان او التناسي المتعمد لبعض ما أسمعه منه أو من بعض الزملاء الكبار في المدرسة او الشارع لأنني لا أملك ما يلزمني لأن اشعر بالندية او القدرة علي التعايش مع تفاصيل الحياة كما يتحدثون عنها, ولا بد أنني كنت أشعر بالكثير من إنعدام الخبرة لأسباب لم أجرؤ علي كشفها او البوح بها حتي لنفسي, لعله نوع من ميراث لنقص الجسارة او الشعور بأنني مثلهم بلا صدر حنون يحتويني ويدافع عني ويقدم لي ما أطلبه او أتمناه, وبرغم وجود الأب المتقارب مني والذي يرعاني ويحميني ويمنحني وقته وحبه وثمرات سعيه كنت اشعر بأنني لست شريكا لهم, ولأنني كنت محروما من لمسة حنان الأم منذ البدايات ووصولا لأزمنة تتطلب نسيان المواجع والتفكير في المستقبل, ولكنها زودت بإبتعادها عني غصبا عنها مواجعي التي كنت احاول بكل طاقتي أن اداريها عمن اتعامل معهم, وبرغم ما كان يقال لي احيانا أنني صرت كبيرا برعايته وحمايته وقبوله ان يحرم نفسه من الزواج لسنوات طالت وطالت, ولحمايتي من زوجة الأب وقسوتها علي أبناء او بنات الزوج المغلفة بحنان زائف ربما يتواري بمعسول الكلمات, لعله نقل الصورة بحياد ليبرر حياته بدون زوجة ليحميني من الخطر الممكن, وربما كان يستعيد في بعض الأحيان حكاياته مع أمي التي عايشها وتآلف معها قبل رحيلها عنه وعني فورثت برحلها يتمي وكنت أنا أول وآخر من تلده, لا بد أن الرغبة في وجود الأم بجانب طفلها او طفلتها ضرورة لازمة يصعب أن يتغاضي عنها أي كائن لأنها تترك فراغا لا يحتمل, وببعدها زادت عزلتي وفشلت كل محاولاتي لإخفاء مواجعي, ولم أكن املك غير محاولات لاتجدي لإخفاء تلك المرارات التي ورثتها دونما وعي, فهل كانت محاولاتي لإخفاء مواجعي تفلح مع من يتأملني مرة أخري ربما ليطمئن روحه ويواصل همساته واثقا أن أفكاره لن تسكن بذاكرتي أو تنسيني شيئا مما كنت أعانيه, ولا بد أن خبراته فسرتني وقرأتني تماما وتسربت إلي من خلايا عقله المشغول يحياتي ضرورة أن أواصل معه المشوار لأن وجودي كان يحميه من إحساسه بالوحدة وإنعدام الأمل, فهل كان الفرار بذاكرتي من التفكير فيها عنادا لذاتي من أجل ذاتي ؟ أو هل كان إبعادها وإبعاد كل ما كان يخصها بداية من الإسم ووصولا لأسم أسرتها عن أطراف لساني حلا ؟ وهل كان عدم التفكير فيها ممكنا لكيان لم يكتمل نموه او حتي بعد أن اكتمل نموه وصار رجلا محسوبا له بعض الحساب في عمله او مربع سكنه ؟
بيني وبينكم يمكننا تأكيد أن المسألة ليست سهلة او ممكنة فالبوح بالساكن في الخلايا يخلصها من المخاطر لفترة عابرة او خاطفة لكنها تتجدد بالمواجهات التي تنجسد أمامنا بلا بديل عن إعلان وجودها, وفي مواجهة من يشرعون في إعلان الخصومة لتنبه الكائن الحي بما دار في سابق أيامه وما دار حوله في لحظة التنبيه المباشر, ليكون الزمن الماضي ساكنا في زماننا الحاضر غصبا عنا الآن, وبالماضي الذي يسكن الحاضر وهو يسعي للمستقبل الآتي, ومهما كانت الأسباب لا فرار ولا إنبتار ولا أي نجاح لمحاولات عزلتنا عن المسار, وربما باح لي ابي مرارا وتكرارا في بعض اللحظات بالمخبوء ليستكشف ما كان مخفيا داخلي, ولأنني إبنه الوحيد الذي أعطاه إسمه كما أعطاه الحق في اختيار مصيره, ومصدقا أنه نصيبي المقسوم, ومهما قلت لكم عن الحياة من غير وجود الأم فلن يصدقني إلا من جرب وكابد وعافر ليبقي صامدا من غير ام ترعاه, وربما يتوه دور الأب الذي تحامل علي نفسه بحساباتي وحساباتكم بينما يحاول أن يقوم بدورها في حدود قدراته وأمكانياته وتكوينه, ولأنه عاش بغير شريكة لعمره ورفيقة لمشواره, وبحسب ما قيل وشاع عنه وتأكد أنه أحبها بصدق وضحي من أجلها بالكثير, لكنها فارقته كما فارقتني دون أسباب واضحة بحسابات الجميع, لكن الأعمار المكتوبة كقدر للكيان الحي تعلو عن وعي البشر في كل الأزمنة والبلدان المسنودة علي العقائد المتباينة حول مسألة الموت ونهاية الأعمار تتوافق وتتقبل وتقبل العزاء لكل من رحلوا عنا, وربما كانت سيرة امي علي لسانه عصية وصعبة عليه, لأنها كانت حسبما قال وقالوا تجربته الحية الوحيدة, لعله كان يهدف خلال حواراته معي عنها تزويد قدرتي علي احتمال فراقها, وكانه يزرع النبتة الجديدة في ارض واعدة بالعطاء أو الدعم, وبقدرته الفائقة كان يراني قسمته ونصيبه وإبنه ورفيقه الوحيد حسبما قالها لي ولنفسه بصوت مسموع مئات المرات, يحكي عنها كما كان يحكي في بدايات رحيلها التي عشتها معه يتيما فقد رعايتها وقالوا بأنه نصيبي في الحياة, وصرت إبنه ورفيقه بعد رحيلها عنه وصار راعيني ومداويني, هل كنت أتفهم مقاصده وهو يبوح لي واثقا أن كلماته لن تتشكل بمعانيها في أيام العمر الأولي ؟ وخلافا لما كنت قد وصلت اليه من إدراك ما أسمعه من كلماته وأفهم دلالاتها متعاطفا معه مشفقا علي حالته ويلتحم سره الخطير بسري الخطير فيلزمني أن أتخذ قررا أن أداري همومي وأخفيها حتي عن نفسي ليتأكد من قدرتي علي الإحتمال, وفي الخلاء كنت اصرخ وأحدث روحي بالصوت العالي عندما يتأكد لي أن المكان خال وكنوع من الشكاية للفراغ المسكون بحساباتي ببشر من الغرباء عن الحي الذي نسكنه ويعرفنا ناسه من نبرات اصواتنا, وكما قال لي احد الأصدقاء في قسم الفلسفة في زمن تال: إن اليونان وصفوا حالتي بأنها نوع من التطهر اللازم لإستمرار الحياة, وقد تأخر لسنوات وسنوات عن موعده, لأن شكاياتي كانت بسبب أمي التي رحلت عني فصرت ادور حول نفسي في الفراغ كأنني بلا وطن ولا سكن يأويني, وقد أكدت لروحي أنني صرت مسئولا عن أحوالي من كل زواياها, وتبدي لي أيامها أنني حررت روحي من الكتمان الذي طال مداه, لعل شكاياتي المنطوقة في الفراغ كانت تسعي لتؤكد لكم خطيئتي ومسئوليتي عن كتمانها أحيانا عن الآخربن كمهرب من صخرة ثقيلة إنزاحت كتلتها وتباعدت عني, وأن تلك العواطف الزائدة الممنوحة لي تعبيرا عن قدراته علي العطاء لي تعويضا عن تلك الأم ستكون بالنسبة له دليلا علي أزمته في الماضي وصولا لحاضر يتواصل وقد ظنه البعض أنه قابل للزوال المحتوم, فيلزم أن أسمح لروحي بالعجز عن قراءة المخبوء قبل أن تتضح معالمه لينال حقه وأنال حقي عن كل الزمن الذي تاه وراح دونما ثمار نبتت في غير موعدها, ولأن كل من التقي بهم كان بعرف ما جري له وجري لي في مراحل عمري وعمره, بداية من الصبا المبكر ومطالع العمر المحاصر بالكوابيس ووصولا للشاب المكتمل البنية والتمهيد لسنوات الرجولة المؤكدة, صحيح انني ظللت اختزن سره وأخفيه عن كل من عرفتهم وأداريه عنهم, ربما لم أكن عارفا أن المعوقات التي واجهتها في أزمنة متتابعة وعبرتها بفضل ما زرعه في ذاكرتي من وصاياه, لكنني كنت متوافقا مع نفسي للإمتناع عن افشاء اسراره او اسراري كما أرفض المشاركة مع الآخرين بالحكي عن أمي التي رحلت, فهل كنت املك أكثر من القدرة لأداري همومي وهموم الأب في تلك الحالات التي يتحاكي الكل عنها من أهلنا وجيراننا بشفقة وعزاء وإندهاش وأشعر به وأستنكره وأوشك أن ابوح, لكنني لا أملك القدرة أو الجسارة علي الإحتجاج المدفون بقلبي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.