وزارة الدفاع الليبية تعلن السيطرة على كامل منطقة أبوسليم جنوب طرابلس    رئيس شركة شمال القاهرة للكهرباء يفصل موظفين لاستغلال الوظيفة والتلاعب بالبيانات    «الاتصالات» تطلق برنامج التدريب الصيفي لطلاب الجامعات 2025    عيار 21 يعود لسابق عهده.. انخفاض كبير في أسعار الذهب والسبائك اليوم الثلاثاء بالصاغة    أديب عن انقطاع الكهرباء مع ارتفاع الحرارة: "تخفيف أحمال" أم "حوادث متفرقة"؟    الدولار ب50.45 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء 13-5-2025    تفاصيل.. مؤتمر الاتحاد المصري لطلاب الصيدلة في نسخته الرابعة    بعد استلام ألكسندر.. هل تواصل إسرائيل خططها لتصعيد هجومها في غزة؟    ترامب: نصدق كلام الحوثيين بشأن التوقف عن استهدافنا    محمود بسيوني حكما لمباراة سيراميكا كليوباترا والأهلي.. مثل الدور الأول    الأهلي يحصل على توقيع موهبة جديدة 5 سنوات.. إعلامي يكشف التفاصيل    حبس لص الدراجات النارية بالبساتين    مواعيد أهم مباريات اليوم الثلاثاء في جميع البطولات والقنوات الناقلة    ما هي أهداف زيارة ترامب إلى الرياض ودول الخليج؟    رعب أمام المدارس في الفيوم.. شاب يهدد الطالبات بصاعق كهربائي.. والأهالي يطالبون بتدخل عاجل    دي ناس مريضة، مصطفى كامل يرد على اتهامه باقتباس لحن أغنية "هيجي لي موجوع"    جولة تفقدية لمدير التأمين الصحي بالقليوبية على المنشآت الصحية ببهتيم    إطلاق مبادرة «دمتم سند» لتوصيل الدواء والكشف المنزلي بالإسماعيلية    بعد مقتله.. من هو غنيوة الككلي؟    بعد اطمئنان السيسي.. من هو صنع الله إبراهيم؟    ثبات سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن الثلاثاء 13 مايو 2025 (بداية التعاملات)    محافظ سوهاج: تشكيل لجنة لفحص أعمال وتعاقدات نادي المحليات    ملف يلا كورة.. عقد ريفيرو.. منتخب الشباب في كأس العالم.. ويد الأهلي تطيح بالزمالك    ميمي عبدالرازق: الأهلي يحتاج لمدرب أجنبي قوي.. وهناك مجاملات للأحمر!    سعر السمك البلطي والجمبري بالأسواق اليوم الثلاثاء 13 مايو 2025    أسعار المأكولات البحرية والجمبري اليوم الثلاثاء 13-5-2025 في محافظة قنا    حريق هائل يلتهم 4 طوابق بعقار في المريوطية    انفجار أسطوانة غاز السبب.. تفاصيل إصابة أم وطفليها في حريق منزل بكرداسة    إيقاف الدراسة بجامعة طرابلس الليبية لحين إشعار أخر    الخارجية الأمريكية: جهود كبيرة لتحسين الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 13-5-2025 في محافظة قنا    كيف ردت سوريا على تصريحات ترامب بشأن رفع العقوبات؟    جدول امتحانات الشهادة الإعدادية بمحافظة المنيا للفصل الدراسي الثاني 2025    الكشف على 490 مواطناً وتوزيع 308 نظارات طبية خلال قافلة طبية بدمنهور    بعت اللي وراي واللي قدامي، صبحي خليل يتحدث عن معاناة ابنته مع مرض السرطان (فيديو)    يلا كورة يكشف.. التفاصيل المالية في عقد ريفيرو مع الأهلي    كشف لغز العثور على جثة بالأراضي الزراعية بالغربية    تحت شعار «اكتشاف المشهد».. «أسبوع القاهرة للصورة» يواصل فعاليات دورته الرابعة بدعم غزة (صور)    5 أبراج «لو قالوا حاجة بتحصل».. عرّافون بالفطرة ويتنبؤون بالمخاطر    محامية بوسى شلبى تعلن مقاضاة كل من يخوض بعرضها أو ينكر علاقتها الزوجية    منتخب مصر للباراسيكل يكتسح بطولة إفريقيا لمضمار الدراجات ويحصد 29 ميدالية.    آس: بعد أول مباراتين ل البرازيل.. نجل أنشيلوتي سيتولى تدريب رينجرز    الفريق أسامة ربيع: ندرس تخفيض رسوم عبور السفن عبر قناة السويس بنسبة 15%    افتتاح أول مركز للقيادات الطلابية بجامعه المنوفية    اعتماد 24 مدرسة من هيئة ضمان جودة التعليم والاعتماد بالوادي الجديد    إيمان العاصي في "الجيم" ونانسي عجرم بفستان أنيق.. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    قبل عرضه على "MBC".. صلاح عبدالله ينشر صورة من كواليس مسلسل "حرب الجبالي"    أميرة سليم تحيي حفلها الأول بدار الأوبرا بمدينة الفنون والثقافة في العاصمة الإدارية    جامعة القاهرة تحتفل بيوم المرأة العالمي في الرياضيات وتطلق شبكة المرأة العربية- (صور)    هل يجبُ عليَّ الحجُّ بمجرد استطاعتي أم يجوزُ لي تأجيلُه؟| الإفتاء تجيب    جدول امتحانات المواد غير المضافة للمجموع للصف الثاني الثانوي ببورسعيد(متى تبدأ؟)    سقوط طفل من مرتفع " بيارة " بنادي المنتزه بالإسماعيلية    انتحار شقيقي الشاب ضحية بئر الآثار في بسيون بالغربية    اليوم| محاكمة تشكيل عصابي بتهمة الشروع في قتل شاب ببولاق الدكرور    طفل ينهي حياته داخل منزله بالإسماعيلية    عالم بالأزهر: هذا أجمل دعاء لمواجهة الهموم والأحزان    أهم 60 سؤالاً وإجابة شرعية عن الأضحية.. أصدرتها دار الإفتاء المصرية    موعد وقفة عرفة 2025.. فضل صيامها والأعمال والأدعية المستحبة بها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



-------------------
نشر في الأهرام اليومي يوم 27 - 03 - 2014

سأعود تذكيركم وتذكير نفسي بما كنت أحدثكم عنه بعدما تقطعت حباله وخيوطه رغما عنه، لأن التداخل بين ذاكرة أمثالي وارد وممكن برضاه او غصبا عنه، وقد يستعيد من سمع الحكايات أن يقوم بتحليل الكلمات المنطوقة أو الأحداث العابرة التي احتوتها الأحداث التي كتبوها لنا كأجزاء من تواريخنا الحافلة في أزمنة تباعدت عنا أو أبعدونا عنها
لكنها ظلت كامنة وباقية ضمن المتاح، والأكثر من غير المتاح من تلك الكتابات علي أوراق البردي بلغتنا الأصلية عن ناسنا وأهالينا الذين كنا نحتشد برغباتنا لنستعيدهم في مراحل الحنين الي الماضي لنعرف المزيد عن جذورهم التي امتدت ووصلت الينا، كنا نستعيدها في المشاعر أو بقراءات في كتابات بلغات اخري عن وطن أعطي وأكد وجود ناسه وورثناه، وربما تمت استباحته بمن حكمونا في مراحل ضعفنا وتحكموا فينا من الغرباء وأحيانا من بعض ناسنا، والأرض تصرخ فينا وتنادينا لننتبه ونفيق لنحميها منهم، ربما أسهمت صرخاتها في تخليصنا من ضراوة كوابيس تأكد لنا انها ظلت تحوم حولنا لتزهق أرواحنا، وكنا نقاومها بذكرياتنا وأمنياتنا وقدراتنا علي التواصل مع بعضنا البعض، أحدثكم عن الهموم المشتركة التي تأكد لنا أنها تتواصل وتتشابه فيها ردود أفعالنا في أغلب الأوقات فتستجيب لتنبهات أرض ظلت تحنو علينا بعد خروجنا من بطون أمهاتنا، يتبدي لنا ما كنا نستشعره من حنوها في لحظات التلاحم الأولي بين الكائن الحي ورماد الأرض وهي تحوم بنا وتدور حولنا لتحمينا، والبدايات تصل الينا ورمادها يتحسسنا برفق ورقة ونتحسسه عقب النزول فيحتوينا بديلا عن بطون أمهاتنا، وبخيالاتنا المتحفزة نسعي بدون وعي لفهم ما رأيناه من أحلام خاطفة أو هلاوس عابرة تؤرقنا وتنبهنا مضافا إليها تلك التفاصيل المؤكدة التي عشناها بلا تدابير مسبقة، وبلا ترتيبات مسبقة تتحول أرضنا الرخوة إلي حضن براح يحتوينا بحنو ونعومة في لحظات فصلنا وخلاصنا من الخلاص قبل أن يتخلصوا منه قبل أن تحتوينا أمهاتنا كي تهدهدنا وتقوم بدورها معنا، وتستمر حياتنا في أحضانهن، بينما يرتكزن علي الأرض ويتساندن عليها فتجلب لنفوسهن ولنا الراحة والارتياح اللائق، عندما يتم تدبير المربع الذي يحوي الأم ووليدها علي فراش لائق يناسبهما فوق الأرض الرقيقة الناعمة فيتنهد من جاءوا لتأدية الواجب المألوف، هل كنا نري في تلك اللحظات سراديب الأرض المعتمة؟ أو مساحات من ضوء كاشف يبدلها أمامنا فتبدو لنا تلك المسارات بصيص ضوء يقودنا لمخارجها وهي تتحسسنا كما تحسسناها، وتبدو لنا في الذاكرة أجمل من القصور المخصصة للأكابر، ربما نعيش كاليتامي في احضان امهاتنا في اشباه جحور يسكنها تعساء استلبت حقوقهم بتدابير من تولوا حيزا يحكمون ويتحكمون فيه دون عدل، لكننا بالصبر نختزن المواجع مع الامهات والآباء، فلا نطالبهم بتحقيق العدل المسلوب لأنهم عاشوا في تلك الدخانيق التحيتة وتصابروا، لكن مطامحهم محمية بأضواء ربانية سخية علي عباده الودعاء تغنيهم عن ولائم الأكابر محبوكة الصنع، تجود علي الاتباع واتباعهم بأضوائها كما تقول اعلانات المصابيح الصناعية الوافدة، وباسمائها الرنانة رغم أن اعمارها في الخدمة لا يحقق ما باحت به الاعلانات، ولأن قصر اعمارها ناتج عن عيوب في شبكات كهربائية عتيقة يلزم أن تتبدل مكوناتها ويعاود مقاول مرضيا عنه تجديدها، وتصبح حسبما يبشرنا الخبراء قادرة علي تشغيل مصانع النسيج التي أغلقوها لسنوات وطردوا عمالها قبل أن يطرحوها للبيع بأبخس الأثمان لمشاريع الأكابر، فينهبون ثرواتنا استجابة لأعوان حكامنا الذين تسلموا المصانع وغيروا انشطتها للأكثر تربحا وعلي حساب احتياجات الناس الأساسية بشراكات تحتية سخية تفلح في تزويد حيز الامتلاك غير المبرر الذي انكشف كل ما كان مستورا فيه من عمولات التربح للوسطاء ومن سلطت عليهم الأضواء المبهرة في الامسيات والاحتفاليات ببدء التشغيل المغاير لأنشطتها، ولأن هدف تزويد الثروات بمليارات لم نسمع بها علي هذا النحو او بتلك الكثافة والتضخم صار معلنا لنا بتبريرات تستخف بالموروث من وعينا وذاكرتنا، ولأنهم بدلا من خدمة البسطاء باعوها بتبجح رغم ما صار يشاع عن تبديد ثروة الوطن لسماسرة واتباع لهم اتباع واتباع للأتباع لم يكن لنا خلاص منهم بغير بذل المزيد من السعي، ولتأكيد وجودنا ورؤيتنا لكل ما يكدر الصفو عمدا في بعض الأحيان، وتجاهلا وخطفا مكشوفا مفضوحا بغير مبررات غير تلك النظرة المقصورة غير الواعية بالنتائج التي أضافتها مصابيح طيعة ومألوفة، ولكنها قادرة علي إزاحة العتمة وتحقيق التواصل بين قلوب سكنت أركانها وساد السلام بين الناس، ولأن المتاهات الناتجة عن الوعود الزائفة والتوقعات الوهمية المضللة تتعارض مع احلام ناسنا في الحياة بكرامة دون مراوغات، واصلوا مشاويرهم مع أعوانهم خطفا ونهبا مكشوفا ومحسوسا بكل الحسابات، وبرغم اعتراضاتنا علي أحوال مدينتنا عاصمة هذا الوطن، فقد عايشناها وتعايشنا فيها بحلوها ومرها لكنها استهلكت أعمارنا التي كنا رغم انشغالاتنا نحصيها ونتأسي علي ضياع كل عام او عقد منها دون أن نشهد خطوة للأمام، والمسارات المعكوسة تتواصل وتتابع لتفقدنا كل ما كنا نأمل في تحقيقه، وعندما تأكد لنا أن أخصب سنوات أعمارنا قد انخطفت ومرت وقد عشناها دون أن يتحقق لنا حلم سعينا اليه وتمنيناه للصعود الممكن، طلوعا من دوائر العوز المعلن والتربح المخفي المتوقع والمحسوس وقد تأكد وصار معلنا، ولأننا انشغلنا بتاريخ المدينة ونسينا أن نحسب اعمارنا وتأكد لنا أنها حسبة خاسرة ومخيبة لآمالنا ونياتنا الحسنة ربما لأننا رفضنا وتأبينا علي تبعية مأجورة أو لملمة العطايا بالسكوت عن الصفقات مثلما فعل كل من قاموا بأدوار شهود الزور لتمرير التهريبات التي كنا نراها ونري من يباركونها قبل أن نلتقي بهم، فيتباهو علينا ويتعالون وكأنهم لم يخونوا تراب هذا الوطن، ونلوذ بالصمت ونحدث أنفسنا أنه كان اختيارا بالإرادة أو تعففا مشروعا يمثل عقبة قد تعترض طريقهم، لكن طريقنا المألوف لم ينفتح لأنه يلزم أن يدفع من اختار الطريق الصعب ثمنه أسي ومرارا ومواجع، ولأن المحاسبات عن الكلمات المنطوقة أو المسطورة بشهادات اتباع الاتباع الكثار تداهمنا لكي تسكتنا، والذين سكنوا أبراج الامتلاك بوسط المدينة تحولوا فيها لمسوخ يطلون عليك من صفحات المجلات والصحف ويتألقون اكثر بنشر كتاباتهم التي عفا علي محتوياتها الدهر لكنها باقية وثابتة ومحجوز لها مساحات بأسماء من سطروها مشاركة بأوامر عليا، ويتأكد لنا أن الضوء الصناعي الخافت سيتألق ويزدهر ربما اكثر من الضوء الطبيعي في بعض الأحيان بتلك التدابير التي تباعدنا عنها بعدما حسبناها وكشفناها للمرة الألف، هل تاهت سنوات أعمارنا التي عشناها وكابدنا فيها كرعايا شرفاء بلا راع وكابدنا ما لم يكابده سوانا بالمجان؟ ربما لأننا حرصنا علي الصدق ورضعناه من أمهاتنا وصار من الصعب أن نتباهي بما هو حق لنا لكنه تائه او مخطوف، ربما سألنا بعضنا البعض في الخفاء والعلن إن كانت المدينة التي وهبناها طاقاتنا وقطرات دمائنا وتوهمنا أننا إمتلكناها وأودعناها أسرارنا وأمنياتنا بحسن نوايانا خسرتنا مثلما خسرناها؟ فأودعنا كل شيء باسمها ببنكها الوطني في أشد الأوقات عوزا للدعم والرعاية وقد تهالكت قدراتنا وعجزنا عن تدبير أثمان الأدوية، حتي الحصول علي الحق المشروع لمن يعاني بوثائق معتمدة تؤكد إصابته بالمرض المزمن كانوا يتغافلون عنه، والنقابات التي شاركنا في تأسيسها ترعي من ترعاهم ونحميهم وهي تعرف الحكايات وتلوذ بالصمت، لأن قوائم الخارجين علي قوانين التواطؤ في متناول اياديهم، يستحضرونها ويطلون عليها ويستبعدون من لايروق لهم بقوانين منسوجة للعالم الثالث تسمح لهم بالتباهي في جلسات صفائهم وهم يستعيدون ملاعيبهم المتدنية.
هل كان جالس القرفصاء العارف بكل مفردات لغتنا الهيروغليفية يوافق علي ماكنا نراه لو كان موجودا بيننا أو يسكت قبل أن يتشكي مما رآه من بعض أعوان الفرعون؟ وهو الفلاح الطالع من بطن الأرض الذي واصل مشواره بعناد ليسمعها لفرعونه بنفسه، وكيف كان يبدو له أن أعوان الفرعون يتغافلون عن فلاح متفاصح لم يسكت ولم يكن من الممكن أن يتجاهلوا شكاياته كما قرأناها في حكاياته التي تندروا بها. لكن نهاية الشكايات بحسابات من قرأوا تختلف بعد أن التقي الفرعون وسمع كلماته أكثر من مرة قبل أن يجلسه القرفصاء في قاعة العرش، محتويا تلك اللوحة وحبرها وأوراق البردي ليتولي لأول مرة وظيفة الكاتب. ولم يتخل الفرعون في زمنه عن فلاح قام بتأدية واجبه وباح له بما رآه فسادا يلزم الخلاص منه. فلم يبخل عليه برعايته أو بخيره الوفير لأنه كان فلاحا فصيحا، وقد صار يكتب له بصدق كل ما شافه ورآه فاستحق الرعاية بأوامر الفرعون الذي كان يمتلك القدرة علي رعاية رعاياه في أي وقت، مسنودا علي رغبته في العدل مع كل الرعايا، ولم يكن يمانع في أن يتحول فلاح بسيط من رعاياه الي كاتب في قاعة الحكم بقصره، هل تداخلت حكاية الفلاح الفصيح المسطورة بحروف خطها بريشته جالسا القرفصاء إلي حد التوحد مع من جاء يتشكي ويعرض مظلمته؟ وكلاهما نبت هذه الأرض ممن يملكون القدرة علي تعريف الناس بما يدور حولهم بالكلمة أو الشكاية المنطوقة المعترضة ومن يسطرونها لتبقي في الذاكرة، منطوقة بلسان فلاح او مسطورة بكلمات جالس القرفصاء الشاهد علي زمنه«.
كانت موازين من صاروا يحكمون مصابة بالخلل، وربما تعفف البعض عن البوح فصار الصمت موازيا للتواطؤ وإخفاء الحقائق عن أهل المدينة، فتتواري بعض المخازي التي فعلها من باعوا وتربحوا علي حساب مستقبل تمناه الناس وحلموا به لكنه لم يتحقق بقوانين فترات تدنت فيها الطباع والعادات عشناها ورصدنا كل ماكان يستحق الرصد والبوح به مكتوبا كنوع من الوفاء لتاريخ وطن صار يتهالك ويتراجع، لكن عيالنا فاجأونا وفاجأوا الدنيا بخروجهم غير المتوقع في توقيت غير متوقع استحكمت فيه الأزمة بحساباتنا وحساباتهم، فعملوها وتجمعوا في اكبر الميادين وأعلنوا رفضهم للكل، عبروا بعزمهم وعزيمتهم لإزاحة من طالت سنواتهم فوق المقاعد، يدورون بها ويتهزهزون بزهو ويفقدوننا صبرنا وصبر عيالنا عليهم أملا في تأدية الواجب نحونا، لكنهم كانوا يتجاهلون ويقلبون الموازين ويواصلون الاعتماد علي تقارير يكتبها مرتزقة يبرعون في امتداحهم وتوصيف احوالنا بأنها مرتاحة ومستتبة وراضية، وأن من يعترضون يمكن شراؤهم بكل يسر، لكن من خرجوا بلا ترتيبات مسبقة ولا زعامة معلنة دون مخاوف وبغير تراجع لصفوفهم أمام الرصاص وقنابل الدخان ومدرعات أمن مستحدثة تعترض المسارات وتدوس الشباب وكبار السن والسيدات والبنات وصغار السن، وبغير سلاح يحمى أبداننا غير عيالنا وبناتنا، كنا نشارك بلا ترتيبات مسبقة ونتأمل علامات ما يمكن أن يكون دخولا فى ساحة عنف متبادل لم نعبر ساحاته حتى فى سنوات الصبا والشباب، أيامها كان الاستعمار مستتبا راسخا فنهتف «يسقط الاستعمار» فيطاردنا عساكرهم بخيولهم، نفر ونعود لأن العنف بحساباتنا كان اقل رغم انه كان ضد غرباء، وربما تهيأ لنا أيامها أنها معركة محسومة لصالحهم ولن تطول أبدا لأن الكبار سوف يخلصوننا بالمفاوضات والحوارات ووفود لها قيادات، لكنه كان زمنا مغايرا أو صراعا محكوما عليه بأن ينتهى لحسابنا فى نهاية المطاف لأن الغرباء غرباء ونحن اصحاب الأرض ويحق لنا أن نتحرر بحسابات الدنيا بأسرها كما علمونا فى المدارس.
لكن الأمر فى معركتنا الأخيرة كانت مع أهالينا وناسنا وشركاء لنا فى بيوتنا، كانت ثورة حسبما كان الخصوم يعرفون ونعرف ما نسعى لتحقيقه أملا فى صعود مستحق، وعيالنا وزوجاتنا وبناتنا وأصدقاء أعمارنا يوضحون للدنيا التى ترصد تحركاتهم وتجمعاتهم أحقيتهم فى إبعاد من كانوا يحكمون ويتحكمون فى مصائرنا، ينتشرون فى الميادين وفى القرى والمدن ويرفعون رايات التحرر، وأبواب السجون التى انفتحت بأوامر نسبوها لقيادات حراسها ليفر من تم حبسهم فى قضايا بعينها مثل العنف الاجتماعى والمئات من المسجلين بكشوف الإجرام ومن مارسوا القتل العمد وشكلوا عصابات صنفها من اخرجوهم بخطورتها على النظام فى زمن الأمن والأمان، لأنهم كانوا يزرعون الخوف ويفتعلون المعارك ويمارسون التهريب لكن خطرهم بحسابات من حبسوهم لم يكن قد زال أو أن الأمن والأمان تحققا، لكنهم خرجوا وتاهوا فى اركان المدينة قبل أن نراهم مرة أخرى وهم يواجهوننا ويواجهون عيالنا وبناتنا ويتجاسرون ويواجهون من باتوا فى الميادين طلبا للتحرر، كان الأمر مدبرا ممن حبسوهم عندما كانوا يحكمون ويتحكمون ثم أمروهم كأعوان بتدبير معركة تتخطى قدرات الجموع، فتجمعوا وشكلوا عصابة لخطف الأرواح وهم يركبون الخيل والبغال والجمال ويحملون الكرابيج والسيوف والخناجر وطلقات الرصاص الحى، لتفريق التجمعات تمهيدا لدخول الأتباع والمأجورين لميادين تحريرنا ليطلقوا الرصاص ويرفعوا الكرابيج والسيوف ليتفوقوا فى معركة غير متكافئة بلا خجل ولا حياء، فأصبح من ثاروا بين نارين أحلاهما مر: مواجهة الموت: أو الفرار، لكنهم رفضوا الفرار وصارت المواجهة بين القتلة المأجورين أتباع من كانوا يحكمون ويحبسون وقد انفتحت لهم أبواب السجون وأطلقوهم مع من احترفوا الغدر لينفض تضامن الناس، لكن ما كانوا يرتبونه صار وصمة عار رصدتها وسائل إعلام الدنيا بأسرها وسجلتها الأجهزة مع سقطات الضحايا وهى تكرر هتافات من هتفوا بسقوط النظام، وفرسان معركة الجمل يقتحمون أروقة المساجد ليضربوا ويقتلوا بلا تمييز فينزف دم الأبرياء ولا يتوقف، وضحايا من الجنسين ومن كل الأعمار يتساقطون ومن بقى منهم يواصلون ويعلنون بإصرار أن الموت اكرم من الحياة بينما يحكمهم من غدروا بكل الشرفاء من عشاق الوطن، وكان الرجل العجوز الملقى أمام متحف الفراعين يتأوه من أثر إصابته، ولم يتمكن من احاطوا به من أن يحملوه بعيدا عمن دبروها ونفذوها ليحاولوا تضميد جراحه، لكنه رفض باصرار قبول المساعدة وأزاح أياديهم بيديه ليبقى فى نفس مكانه، وبدأ يتحسس سطح الأرض براحتيه ويتوجه بهما مفرودتين لوجهه وبدنه تباعا، يتحسسها ويمسح ترابها بالوجه والبدن وكأنه يتطهر بهذا الرماد وبصوته المودع للحياة ينادى «ترابك يا مصر ترابك يا مصر» وفى خلفيته وجه الفرعون الجالس ليرصد ما يراه ويرويه لناسه، والصقر المحلق يطل من أعلى البوابة وكتابات باقية على كتلة حجرية لم يمحها الزمن الدوار تطل لترصد وتضيف توصيفا لتلك المشاهد، ولعل جالس القرفصاء المتودد لروحه كان يفرد صفحات البردى ليسجل عليها كل ما سمعه ورآه من الرجل وسباب المدينة الذين نزفوا الدم ودافعوا بجسارة، ولم ترهبهم الكرابيج ولا السيوف ولا البنادق أو الخناجر، والصراع بين الأمنيات المشروعة والتحكم الغصب يسفر عن انزياح هذا الكابوس الدموى الذى رأينا ملامحه بأعيننا ونزيف دم الشهداء وهم يتساقطون بالمئات والآلاف يطهر تلك الأرض ويبشر بفجر جديد تتحقق فيه أمنياتهم وأمنياتنا، بعد أن دفعوا ضريبة الدم نزيفا يتقاطر بشكل متواصل على مهل، فنالوا تعاطف الدنيا مع صورهم المنقولة لكل اطرافها بتوقير الغرباء، لكن ما تخبئه الأيام لكم ولنا ما زال مخبوءا فواصلوا معنا وتابعوا ما سوف نراه معا من كوابيس بشرية تتشابه معنا وتتوالد فى عتمة الليل لتكبس على الأنفاس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.