أصبحت الذكرى 45 لوفاة الزعيم جمال عبد الناصر فى 28 سبتمبر 1970 ، ذكرى لثورة 23 يوليو والتى صارت نموذجا لثورة 30 يونيو والتى حرسها جيش مصر بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى والذى جعل انطلاق مصر من قلب القارة الإفريقية والتى كانت المحور الثانى بعد المحور العربى ضمن النشاط االمصرى الذى وضعه جمال عبد الناصر ،وكان دور مصر الحيوى الداعم لحركات التحرر والاستقلال لشعوب القارة التى تعدت 200 مليون نسمة ، وقسمتها دول فرنسا وانجلترا وبلجيكا ، للاستيلاء على خيراتها ،بينما نجحت جهود الدول الاستعمارية فى محاصرة نشاط مصر وتقليصه عن القارة السمراء حتى أنه لم يحسب نشاط لها يذكر فى مرحلتى حكم السادات ومبارك ،ليستعيد السيسى أحلام القارة السمراء لتكون بعدا آخر استراتيجيا . بداية يؤكد السيد محمد فايق مستشار ومهندس الشئون الافريقية فى عهد الرئيس جمال عبد الناصر ،أن هناك عوامل كثيرة احاطت بثورة يوليو بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر وكانت معظم الدول الإفريقية محتلة وهناك نشاط واسع للإستعمار والبعثات التبشيرية التى تعتمد على توفيرالغذاء والعلاج وسيلة لاستمرار الإحتلال ،فى الوقت الذى بدأت فيه حركات التحرير ، فكانت مصر الثورة قاعدة للحركات الأساسية بل خصصت لها مقرا بمنطقة الزمالك، وكشف عبد الناصر عن وجه مصر الإفريقى إطارا ضمن إطارات النشاط الوطنى وهى الدوائر العربية والإفريقية والاسلامية ،لأن مصر هى القلب جغرافيا وثوريا ، فهى الرائدة فى ثقافات متعددة لذلك كان الحرص على وحدة إفريقيا التى قسمها الاستعمار إلى إفريقيا البيضاء العربية فى الشمال والأخرى الجنوبية السمراء ليعلن عبد الناصر أن الصحراء التى تفصلهما هى جسر التواصل بينهما على مر العصور ،لذلك فإن مصر ساهمت فى رفع الوعى لدى المواطن الإفريقى حتى إن المواطنين فى مجاهل إفريقيا كان يرفعون صورة ناصر رمز الحرية والثورة ،فى الوقت الذى حرص فيه الاستعمار خاصة الانجليزى على توظيف هذه الدول لتوفير الخامات الزراعية والصناعية التى تمتلكها القارة البكر ، وتنبهت مصر إلى ذلك فأقامت شركة للنشاط الأفريقى للتصدير والاستيراد ظلت مدة طويلة حتى بعد وفاة عبد الناصر ، كما وجهت مصر نشاطاتها الإقتصادية والتجارية عالميا بمعدل الثلث لأوربا ووزعت نشاطها الآخر بين دول العالم الثالث بما فيها دول القارة الإفريقية ،وفى نفس الوقت حرص عبد الناصر على تخصيص إذاعة اسمها (صوت إفريقيا ) ترسل برامجها ب 25 لغة إفريقية محلية واللغات الانجليزية والبرتغالية والأسبانية إضافة للغة العربية ،وكان نصيرا مباشرا للاستقلال خاصة لدولة السودان الشقيق فى يناير 1955 متوازية مع جلاءالانجليز عن مصر فى عام 1954 ، وترك لهم أسلحة الجيش الثقيلة ، وساعد الدول المحتلة بالسلاح والتدريب العسكرى لحركات التحرير التى بلغت 22 حركة ، وعندما كسرت مصر احتكار الغرب للسلاح واستحضرت صفقة السلاح التشيكية ، تبرعت بالأسلحة الأوربية للحركات التحررية الأفريقية . وأشار السيد محمد فايق إلى أن دور مصر الثورى فى إفريقيا لم يتوقف طوال فترة عبد الناصر حتى بعد انتكاسة 5 يونيو ، لأنه كان يعتبر القارة بعدا استراتيجيا لمصر ، وأن قوتها إضافة مهمة للقضاء على الحصار الذى سعت له دول الغرب واسرائيل ، فأسهم فى عام 1963 فى إقامة مجلس الوحدة الإفريقية الذى كان تأثيره لا يقل عن المنظمات الدولية ،ومع كل هذا الجهد الذى بذله عبد الناصر تقلص دور مصر إفريقيا بعد وفاته ، حيث توجه الرئيس السادات لحل المشكلات الإقليمية مع اسرائيل مما دفع الدول الإفريقية لإقامة علاقات معها . ويرى الدكتور عاصم الدسوقى أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر أن من أهم ما تنبه له جمال عبد الناصر أن الاستعمار فى افريقيا ركز على البعثات التبشيرية للسيطرة على الشعوب البسيطة واستغلال مواردها ، والتى نتج عنها بعد ذلك انفصال جنوب السودان عن شماله فيما بعد لتفتيت وحدة المنطقة ،لذلك اتخذ ناصرقرارا بتفعيل دور الأزهر الشريف ولتكون فى تخصصاته العلوم والدراسات العلمية والثقافية ،وإيفاد خريجيه لدول إفريقيا ليكون الهدف مزدوج وهو الدعوة للدين الإسلامى ، وتقديم الخدمة الطبية والهندسية والعلمية مرتبطة بشرح وفهم الدين من خريجى ومبعوثى الأزهر لهذه الدل بهدف لدعم الموارد البشرية والدينية لدى الدول الإفريقية ،فى الوقت مما اعتبره البعض ليس تطويرا وأنه هدم لدور الأزهر الدينى ،فكانت الدعوة الاسلامية تذهب إلى البلاد الإفريقية بالإقناع والخدمة الطبية والهندسية فى مشروعاتهم ،فى الوقت الذى وجه عبد الناصر الانظار لتدويل قضايا استقلال افريقيا والانتصار للحركات الثورية ،ومن خلال محافل دولية مثل مؤتمر باندونج وتكتلات الحياد الإيجابى ،حتى استقلت معظم الدول الإفريقية التى بلغت 53 دولة بحلول عام 1960 ، وحشدها لإقامة منظمة الوحدة الإفريقية فى عام 1963 ،وأقر حقوق السودان فى اختيار الاستقلال أو الاتحاد مع مصر عندما قال: كيف أطالب باستقلال الدول واحرم هذا الشعب السودانى منه ، فى الوقت الذى وضعت فيه حكومة النحاس باشا دستورا خاصا بالسودان قبل ثورة يوليو بعام ،أى أنه اعتراف من الدولة المصرية باستقلال هذا البلد مسبقا ،وعقد استفتاء واختار السودانيون الاستقلال عن مصر فى عام1953 ، واحترمت مصر إرادتهم وساعدتهم بكل الإمكانات العسكرية والمادية فور إعلان الاستقلال فى يناير 1956 . وأضاف أستاذ التاريخ المعاصر أن عبد الناصر تنبه لجهود ومؤامرات الغرب واسرائيل لفك دوائر النشاط المصرى العربية والإفريقية والإسلامية الثلاث ،لذلك بادر بمساعدة دولة مالى بكل الوسائل وعلى رأسها المجال العسكرى ،بعد أن أجبرها الغرب الاستعمارى بالإستعانة باسرائيل لحصار النشاط المصرى بالمنطقة ،وساعد كل الحركات التحررية وزعمائها مثل الزعيم الكينى جومو كنياتا ، والزعيم نكروما الذى تزوج فتاة مصرية من حى الزيتون ، وباتريس لومومبا الذى أصبح أول رئيس للكونغو واعدمه جنود الاحتلال البلجيكى ،وساعدت المخابرات المصرية أسرته فى الهرب ،كما أن ناصر ركز على الوحدة الاقتصادية الإفريقية للإفادة من الخامات والثروات المعدنية والزراعية ،إلا أن هذا الدور المصرى المحورى تقلص فى عهد الرئيس أنور السادات الذى اتجه بقوته إلى الغرب حين قال : إن 99٪ من مشكلة الشرق الأوسط فى يد أمريكا ، وبادر بالإنفتاح والاقتصاد الحر حسب مطلب أمريكا التى جعلتنا الآن نستورد كل شئ ،ونتج عن ذلك خروج مصر عمليا عن دورها الإفريقى المهم ،وتدخل إسرائيل صراحة وعلانية فى الشئون الافريقية ،ومحاولة السيطرة على منابع النيل لضرب مصر فى مقتل وقطع وريد الحياة عنها ، فاضطرت بعض الدول الإفريقية للتعاون مع اسرائيل ،وحتى تضمن مساعدات أمريكا والدول الأوربية ، واتجه السادات للعلاقات مع اسرائيل ضمن معاهدة السلام ،وبدأت مقاطعات العرب ، ونقل مقر جامعة الجامعة العربية إلى تونس ،وتركت مصر فى عهد الرئيس مبارك مكانها ومكانتها تماما فى القارة الإفريقية.