الولايات المتحدة والأكراد يتحدثون منذ شهر يونيو الماضى عن إستخدام تنظيم "داعش" لمواد كيميائية فى هجماته. وقد تركت تلك التسريبات الكثير من علامات الإستفهام حول قدرات "داعش" ومستقبل الصراع ضد التنظيم فى سورياوالعراق فى ظل وجود سلاح كيميائى. وذهب البعض إلى وجود توظيف سياسى يقف وراء المعلومات المتعلقة بحيازة "داعش" لسلاح كيميائى. فى شهر سبتمبر خرج الأمريكيون عن صمتهم. وخرج مسئول أمريكى متحدثا لل "بي بي سي" البريطانية (وطلب المسئول الأمريكى عدم ذكر اسمه بحجة أنه غير مصرح له بالحديث عن هذا الأمر علنا!) وقال ان هناك اعتقادا متناميا لدى الحكومة الأمريكية بأن تنظيم "داعش" يصنع ويستخدم أسلحة كيماوية فى العراقوسوريا. وأن الولاياتالمتحدة رصدت أربع مناسبات على الأقل استخدم فيها التنظيم عناصر تحتوى على "الخردل" على جانبى الحدود العراقية السورية مضيفا أن المواد الكيماوية المستخدمة تتخذ شكل مسحوق. وتعتقد الولاياتالمتحدة بأن تنظيم "داعش" لديه خلية مكلفة بمهمة تصنيع هذه الأسلحة الكيماوية. وقال المسئول الأمريكى "إنهم (داعش) يستخدمون الخردل، ونحن نعلم أنهم يفعلون ذلك." وأضاف إن عنصر "الخردل" ربما يستخدم فى صورة مسحوق يوضع فى متفجرات تقليدية مثل قذائف الهاون. وعندما تنفجر هذه المتفجرات، فإن التراب الملئ بالخردل يؤذى الأشخاص الذين يتعرضون له. وكانت وحدات حماية الشعب الكردية (البيشمركة) ومنظمات حقوقية، قد كشفت فى منتصف شهر يوليو الماضى لوسائل إعلام روسية أن "داعش" استخدم قذائف كيميائية فى يونيو 2015، خلال هجمات شنها التنظيم على منطقة تسيطر عليها القوات الكردية فى مدينة الحسكة، وعلى مواقع أخرى جنوب بلدة "تل براك" الواقعة شمال شرق المدينة السورية. وأدى هجوم داعش الكيميائى إلى إصابة 12 من المقاتلين الأكراد، وأشارت الوحدات في بيان لها إلى أنها لم تتمكن من تحديد نوع المادة الكيميائية التي تم استخدامها. ولكنها إستولت على أقنعة واقية من الغاز خلال شهرى يونيو ويوليو من مقاتلى "داعش"، وهو أمر يدل وفق إستنتاجات الأكراد على امتلاك التنظيم أسلحة كيميائية واستعداده لاستخدامها فى هجماته. وأشارت منظمتا "كونفليكت ارمامينت ريسيرش" و"ساهان ريسيرش"، البريطانيتان اللتان تحققان فى الهجمات الأخيرة، فى بيان لهما إلى أن "داعش" استخدم أيضا قذائف كيميائية في هجوم شنه على نقطة تفتيش لقوات "البيشمركة" قرب سد الموصل فى العراق. ومما زاد من إحتمالات دخول السلاح الكيميائى فى حرب "داعش" كانت تأكدت وزارة الدفاع الأمريكية فى يوم 13 أغسطس بأن تنظيم "داعش" استعمل الأسلحة الكيميائية شمال العراق ضد قوات البيشمركة الكردية. وقال ممثل البنتاجون فى مقابلة مع قناة "سي بي آس" بوجود ما يؤكد صحة الأنباء عن قيام التنظيم "بشن هجوم مباشر (على القوات الكردية) باستخدام الأسلحة الكيميائية". وسارعت مجلة "بيلد" الألمانية بتسريب معلومات استنادا إلى تقرير سرى للجيش الألمانى تقول بأن "داعش" استخدم سلاحا كيميائيا ضد قوات البيشمركة، خلال معارك حول مدينة مخمور، مما أدى إلى إصابة 60 مقاتلا كرديا. وأعلن مجلس أمن إقليم كردستان فى بيان له أنه يحقق فى عدة هجمات شنها "داعش" على مواقع لقوات البيشمركة الكردية ومنها موقع فى مدينة مخمور جنوب غربى أربيل عاصمة الإقليم، مرجحا أن يكون "غاز الكلور" قد تم استخدامه. وأشار المجلس إلى أن "التقارير الأولية تشير إلى إطلاق مواد كيماوية في صورة قذائف ربما قذائف مورتر"، مضيفا أنه تمت معالجة "عدة ضباط من البيشمركة أصيبوا بدوار وقيء وضعف عام بينما يتلقى البعض العلاج من حروق". ووفق الطرف الأمريكى فإن هناك ثلاثة تفسيرات محتملة لكيفية حصول تنظيم "داعش" على هذا العنصر الكيميائى القاتل. وأشار المسئول الأمريكى الغامض "نحن نظن أن لديهم خلية بحثية صغيرة نشيطة مختصة بالأسلحة الكيميائية ويسعون (قادة التنظيم) لتحديد أفضل سبل الاستفادة منها". أما النظريات البديلة الأخرى فهى أن مسلحى التنظيم عثروا على مخابئ للأسلحة الكيميائية فى العراق أو سوريا. ومضى المسئول الأمريكي يقول إنه من غير المحتمل أن يكون المسلحون عثروا على العنصر الكيميائى فى العراق لأن الجيش الأمريكى كان سيكتشفها غالبا خلال تواجده العسكرى فى العراق قبل حوالى عشر سنوات. وقال إن مسلحي تنظيم "داعش" من غير المحتمل أن يكونوا قد حصلوا على العنصر الكيميائى من النظام السورى قبل إجباره على تسليم مخزونه من تلك المواد الكيميائية فى ظل التهديد بضربات جوية أمريكية عام 2013. وأشار المسئول الأمريكى إلى أن النظرية الأكثر احتمالا هى أن هذا العنصر يتم تصنيعه باستخدام المعلومات العلمية المتاحة على نطاق واسع، مشيرا إلى ان عنصر الخردل ليس صعب التصنيع!! صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، لم تكتف بما تردد من تسريبات وأحاديث عن إحتمال ظهور السلاح الكيميائى فى يد "داعش". ووصلت الصحيفة إلى نقطة مهمة وخطيرة لتشير إلى أن "قوات كردية وسورية معتدلة موجودة فى جبهة القتال تقول إنها لا تحصل على دعم أمريكى كاف حاليا لمواجهة القدرات غير التقليدية لتنظيم داعش". مما يعطى انطباعا بأن تلك القوات تطلب ليس فقط زيادة الدعم، بل زيادة التدخل الأمريكى، بحجة تطور قدرات "داعش" ووصول الأمر إلى هجمات كيميائية!! وهكذا بدا أن هناك من يحاول إستغلال حالات تلويح "داعش" بعناصر كيميائية فى عملياتها كمبرر لتدخل أمريكى دائم وواسع النطاق فى الأراضى السورية. وفى بيان للأمم المتحدة صدر خلال شهر سبتمبر2015 رحب بان كى مون أمين عام الأممالمتحدة باعتماد مجلس الأمن التوصيات بإنشاء وتشغيل آلية مشتركة للتحقيق فى استخدام الأسلحة الكيميائية فى سوريا بمشاركة الأممالمتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية. وأكد قرار مجلس الأمن أهمية التصدى لاستخدام المواد الكيميائية السامة كأسلحة، وضرورة محاسبة الجناة مؤكدا أن الهدف هو تحديد الأفراد أو الكيانات أو الجماعات أو الحكومات التى تقف وراء استخدام مواد كيميائية كأسلحة بما فيها غاز الكلور أو أى مواد سامة أخرى. وهكذا تحولت "داعش" رويدا رويدا من تنظيم مهلهل إلى تنظيم مسلح فقط، ثم إلى تنظيم منظم ومسلح تسليحا متطورا قادر على التوسع ومواجهة تحالف دولى ضخم بقيادة أكبر قوة عسكرية فى العالم! واليوم ظهر من يلوح بامتلاك التنظيم سلاح كيميائى معقد فى إنتاجه وإستخدامه. وتطرح تلك التطورات المزيد من التساؤلات حول "القوى الحقيقية" التى تقف وراء "داعش" وإلى المدى الذى يمكن أن يذهب إليه دعم تلك القوى للتنظيم فى المستقبل!!