في العام الثاني لزيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلي مقر الأممالمتحدة في نيويورك، يحمل رئيس مصر في جعبته الكثير من ملفات المنطقة واثقاً من الرؤية التي سبق أن طرحها في كلمته العام الماضي بشأن قضايا الأوضاع الحرجة في سوريا وليبيا واليمن، وواثقاً من سلامة الطرح المصري وتماسكه في مواجهة إخفاقات عديدة مٌنيت بها مشاريع أطراف عديدة رأت الحلول في العمل العسكري ودعم جماعات وميلشيات وعصابات مخربة ثم جاءت لحظة الحقيقة ليصدق هؤلاء علي الرؤية التي تمسكنا بها صلبة وواقعية. وتأتي كلمة مصر أمام الجمعية العامة هذا العام مع قرب انتهاء خريطة التحول الديمقراطي بإجراء الانتخابات البرلمانية خلال أسابيع، في ظل منافسة مفتوحة وحرة بين أحزاب وأفراد ومراقبة جهات ومنظمات محلية وخارجية للتأكد من سلامة العملية الانتخابية، وسيطلع المجتمع العالمي وقادة الدول الصديقة علي آخر تطورات الاقتصاد المحلي وفرص النمو وتشجيع الاستثمارات الخارجية في ظل إقبال كبير من المستثمرين الأجانب في عاصمة المال علي الاستماع إلي رؤية مصر في المرحلة المقبلة خاصة بعد إنجاز قناة السويس الجديدة وخطط الاستثمار في محور القناة التي تبشر بمستقبل أكثر إشراقاً بعد اكتشافات حقول الغاز الطبيعي الأخيرة في مياه البحر المتوسط. في الأسبوع الأخير من سبتمبر، ومثلما جرت العادة طوال تاريخ الأممالمتحدة، يتوافد زعماء ورؤساء الدول والحكومات علي مقر المنظمة الدولية لبحث قضايا عالمية وأوضاع إقليمية في أجندة مزدحمة من الاجتماعات الرسمية واللقاءات الثنائية، والأكثر إثارة في مدينة المال والأعمال حوارات الاجتماعات المغلقة التي تعني بالملفات الساخنة.. والعام الحالي حافل بتلك المقابلات والشرق الأوسط يتصدر قائمة الموضوعات الملحة بعد استمرار الحرب الضروس في سوريا التي تحصد البشر والحجر وتدفع بالملايين إلي أكبر موجة نزوح جماعي في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. وفي اليوم الأخير من سبتمبر سيكون موعد العرب مع مناسبة ليست بالعادية، ولا يمكن أن تمر مرور الكرام وهي رفع علم فلسطين ضمن أعلام الدول في حديقة الأممالمتحدة في اعتراف قاطع بالدولة التي يصارع المفاوضون الفلسطينيون لخروجها إلي النور وسط مناخ غير موات في الشرق الأوسط وفي ملف التفاوض مع إسرائيل. الأجواء العامة فى نيويورك قبل الجلسات الرفيعة المستوى للجمعية العامة فى دورتها ال 70 تشير إلى تصدر قضايا الشرق الأوسط، وبخاصة الأزمة السورية، للنقاشات الجانبية واللقاءات غير المعلنة بين الدبلوماسيين والسياسيين من الدول المعنية بالصراع الدائر هناك. يشارك الرئيس عبد الفتاح السيسى فى الدورة الحالية للجمعية العامة فيما تحقق السياسة المصرية تجاه الوضع فى سوريا ورؤيته للحفاظ على الدولة من الانهيار انتصارات سياسية ودبلوماسية بعد أن أعادت قوى عربية وإقليمية النظر فى اشتراط رحيل بشار الأسد عن الحكم قبل التسوية السياسية وتراجعت عواصم كبرى عن دعم وتسليح جماعات المعارضة التى تعاملت معها قوى كبرى على أنها نموذج للاعتدال ثم أدركت تلك القوى بعد مراجعة مواقفها أن الاعتدال ما هو إلا «أكذوبة» صنعت فى أروقة السياسة الغربية لتمرير مشاريع بعينها وما أشبه الليلة بالبارحة فقد كان أسامة بن لادن فى نهاية عقد السبعينيات من القرن الماضى نموذجا للاعتدال المزعوم عندهم ثم انقلب عليهم أو انقلبوا ضده عندما تباينت الطرق فى مرحلة البحث عن أعداء جدد. تدرك مصر من اللحظة الفارقة التى خرج فيها ملايين المصريين فى ثورة 30 يونيو أن مغريات الغرب بتقديم قوى الإسلام السياسى على أنها «القوى المعتدلة» لا تنطلى على شعبنا ولا يغرى الأغلبية أن تضع فى خانة الاعتدال والوسطية متطرفين يأكلون الأخضر واليابس فى مجتمعنا وهو الفخ اللعين الذى سقطت فيه شعوب أخرى فى المنطقة حيث تم التسويق لخديعة خلع أنظمة على أنها تمثل «الخلاص» بينما كانت المؤامرة الكبرى تحاك وتدبر بكل دقة وبثبات ودون ان تطرف أعين الممولين والقتلة الذين دمروا شعوبا حية وحضارية مثلما حدث مع الأشقاء فى سوريا الذين يمثلون لمصر اليوم جرحاً غائراً وللأمن القومى العربى مصيبة هائلة. وفى تلك المصائب المتراكمة، كانت مصر حاضرة برؤيتها الصائبة التى ترى سقوط دمشق يعنى نهاية الدولة السورية وتحقيق المخطط الشرير لأهدافه اللعينة وهو سيناريو لن يتوقف عند حدود سوريا وحدها بل سيمتد إلى كل الدول العربية فى الجوار القريب ولن يكون للكارثة حدود. يعقد الرئيس السيسى مشاوراته مع الكثير من الزعماء والقادة من الشرق الأوسط وخارجه وهو يعى تماما أن توصيل الرؤية المصرية ورسالة المصريين إلى العالم بعد ثورتهم العظيمة يمثل «واجبا»وطنيا حيث لا مهادنة مع الإرهاب بكل صوره ولا مواءمة مع جماعات متطرفة توظفها بعض الدول لخدمة مصالحها. فى قمة مكافحة الإرهاب المقررة فى نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة التى تأتى بعد أعمال إرهابية شهدتها مصر ودول المنطقة لتؤكد لقادة العالم مجددا أن الجذور الفكرية للجماعة الإرهابية منذ نشأتها عام 1928 هى جذور إرهابية ؤزن استمرار الجرائم التى ترتكبها يوميا ضد عامة الشعب يؤكد سلامة موقف الدولة المصرية التى تريد أن تضع الجماعة على اللائحة الدولية للمنظمات الإرهابية ومحاصرة تمويلها فى إطار تصور دولى شامل للمواجهة.... أيضاً، ترى مصر فى عملية الاستخدام السياسى للجماعات المتطرفة فى سائر العالم العربى من جانب دول غربية لا يجب ان يستمر، فلا يمكن قبول تبنى حكومات فى دول مسيحية لجماعات دموية توفر غطاءً لعملياتها وتعمق الانقسام والتناحر رغم انها تعلم فكر تلك الجماعات وممارساتها تجاه الآخر. ونقول لهم ببساطة، لو رأيتم الحوادث الطائفية التى جرت فى مصر قبل ثورة 30 يونيو بقليل وأهمها الطريقة الداعشية فى قتل شخصيات شيعية فى منطقة «أبو النمرس» التى كان يمكن أن تشكل بداية المد الدموى فى البلاد لولا وعى ويقظة وفطنة الشعب ودعم الجيش لكانت بحور الدم تغطى أراضى المحروسة. أمام مصر مهمة دبلوماسية جديدة فى حلبة مجلس الأمن الدولى بعد أن ترشحت على أحد المقاعد غير الدائمة عن القارة الإفريقية حيث من المنتظر فى ظل الأداء الدبلوماسى الرفيع للدولة ووزارة الخارجية فى العامين الماضيين أن يكون المقعد مصريا بعد أن أكدت المجموعات الإقليمية المختلفة دعمها لترشيح مصر فى عملية التصويت المقررة بعد أسابيع فى مقر المنظمة الدولية. مصرفى جعبتها ما يضمن المقعد بسهولة لمصلحتنا ولكن هناك مؤشرات على تأييد دولى واسع يمنح الدبلوماسية المصرية زخماً كبيراً حيث يتوقع أن يصل عدد الدول الداعمة لمصر إلى رقم مرتفع يمثل استفتاء على السياسة الراقية المتميزة سواء على المستوى الإقليمى أو الدولى وهى السياسة المعنية فى المقام الأول بعدم الاعتداء أو التدخل فى شئون الدول الأخرى وتتحرك لوقف ما يشكل تهديداً مباشرا للأمن القومى المصرى وتصون الأمن والسلام الدوليين وتسعى لوقف انتشار أسلحة الدمار الشامل فى الشرق الأوسط والعالم وتقف ضد انتشار الصورة المغلوطة عن الثقافة العربية والإسلامية التى تكرس الخصومة والعداء على الساحة الدولية وتفرخ أجيالاً من الإرهابيين أكثر شراسة من أقرانهم فى الماضي. فى الساعة الثالثة من بعد ظهر الثلاثين من سبتمبر (العاشرة مساءً بتوقيت القاهرة)، يشهد العالم حدثا طال انتظاره لأكثر من 67 عاماً ويمنح دفعة لنضال الشعب الفلسطينى وجهود المجتمع الدولى للتوصل إلى تسوية شاملة لقضية العرب الأولي .. فى الثالثة من بعد ظهر يوم الأربعاء المقبل يقف الرئيس الفلسطينى محمود عباس وبان كى مون الأمين العام للأمم المتحدة وزعماء كبار ليرفع علم بلاده للمرة الأولى على سارية الأعلام المصطفة أمام مبنى الأممالمتحدة فى ظل متابعة إعلامية تمثل نجاحا كبيرا لخيار السلطة الفلسطينية بالتوجه إلى المنظمة العالمية والحصول على وضع دولة مراقب. أثبتت السلطة الفلسطينية حنكة سياسية عالية، بدعم مصرى منقطع النظير، فى اللجوء إلى الدبلوماسية العالمية والكفاح السلمى لكسب جولات فى معركة طويلة تقود إلى ظهور دولة قابلة للحياة.... لقد تعرض محمود عباس لهجوم دبلوماسى رهيب فى الفترة التى سبقت توجهه إلى الأممالمتحدة للحصول على عضويتها وسعت دول كبرى ومنظمات مرتبطة بدعم إسرائيل إلى إحباط مسعى الفلسطينيين لكن القيادة الفلسطينية لم تنكسر أمام موجات شرسة من الرافضين للاعتراف العالمى بالدولة وحققت السلطة نجاحات مهمة على صعيد المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة وبرهنت على أن الكفاح المسلح الذى ينتهجه البعض هو كفاح مزيف يضعف من مسيرة نضال شعب ويقتنص من رصيد خالد وعظيم ويسهم فى رسم صورة رديئة لا يحتملها الواقع الفلسطينى أو العربى اليوم. إن حضور مصر فى هذه اللحظة يؤكد أننا أكثر عملا من أجل استرداد حقوق الشعب الفلسطينى ولا يمكن أن يكون هناك عٌرس أو احتفال عالمى يضع لبنة فى مسيرة دولة مستحقة لشعب عظيم ولا تكون مصر هناك. لمزيد من مقالات محمد عبد الهادى علام