الحكايات والحواديت فى مصر المحروسة لا تنتهى ، فنحن شعب يعشق الروايات والقصص وحكايات الناس فى كل العصور . والوثائق والأوراق القديمة الصفراء هى خير شاهد على تلك الحكايات ، وكل ورقة أو وثيقة قديمة تحمل رائحة زمان مضى وحكايات عن أهل ذلك الزمان وكيف عاشوا ؟ وما هى احلامهم وطموحاتهم ؟ وكيف ومتى رحلوا ؟ ومدى علاقتهم أو قربهم وبعدهم من السُلطة ؟ ورغم أن أغلب الوثائق التى أعرضها تكون رسمية الا إنها دائماً تحمل طابعا إنسانيا أو اجتماعيا يجعل الغوص فيها ممتعاً ومليئاً بالأسرار ، وهذا هو الحال فى الوثيقة التى أعرضها هذا الأسبوع ، فبالرغم من كونها وثيقة أمنية رسمية تخص مدينة الإسكندرية ، إلا أنها تتعرض لشخصية من أكثر الشخصيات إثارة فى تاريخ مصر الحديثة هو الأمير مصطفى فاضل شقيق الخديو إسماعيل والذى كان يمتلك قصراً ضخماً فى منطقة الرمل بالإسكندرية حتى أن الحى الذى كان يضم قصره أطلق عليه حى «مصطفى باشا» وتم تحويره بعد ذلك ليصبح حى «مصطفى كامل» . والوثيقة صادرة من المكتب الرئيسى لوزارة الداخلية بتاريخ 19 نوفمبر 1891 وموجهة الى نائب وزير المالية باللغة الإنجليزية - وهى اللغة التى كانت سائدة فى التعاملات الرسمية والحكومية فى ذلك الوقت بعد وقوع مصر تحت الإحتلال الإنجليزى - وتقول : سيدى .. فى إطار تحويل بعض الغرف التابعة للثكنات العسكرية بالإسكندرية الى إسطبلات لخيول الشرطة، فهل يمكن أن يتم تزويد القيادة العامة لبوليس الاسكندرية بالكمية اللازمة من حجارة الرصف والأكشاك من الاسطبلات الحكومية التابعة لقصر مصطفى باشا بمنطقة الرمل ، والتى فهمنا ونما الى علمنا أنها على وشك البيع . والإمضاء فى النهاية «خادمكم المخلص المفتش العام للبوليس» .
ومن هذه الوثيقة نتبين أن مرسلها هو المفتش العام لشرطة الاسكندرية أو قومندان المدينة - كما كان يُطلق عليه - وهو غالباً إنجليزى الجنسية قد علم أن بعض الغرف التابعة للثكنات العسكرية التى أقامها الجيش البريطانى والحكومة المصرية فى منطقة مصطفى باشا على البحر بعد الاحتلال الانجليزى عام 1882 سوف يتم إستقطاعها وتحويل بعضها الى إسطبلات لخيول الشرطة فى إطار اهتمام نظارة الداخلية بقسم خيالة الشرطة وتوفير أماكن مناسبة لإعاشة الخيل وتدريبهم، فأرسل فى هذه المناسبة يطلب تزويد القيادة العامة لبوليس الاسكندرية بكمية من حجارة الرصف والأكشاك لزوم تطوير المكان خاصة أنه قد علم أنه سوف يتم بيع قصر الامير مصطفى فاضل التابع للحكومة واسطبلاته وملحقاته فأراد أن يستفيد منه قبل بيعه . وبهذا يتضح أن منطقة مصطفى باشا كانت من أهم وارقى المناطق فى المدينة وكانت تضم قصر الامير مصطفى فاضل الذى أصبح ملكا للخديو اسماعيل فيما بعد، بالاضافة الى ثكنات القوات الانجليزية العسكرية قبل أن يتم هدمها فى أواخر القرن العشرين لتتحول الى مبان سكنية ومستشفى يحمل اسم مستشفى مصطفى كامل . الجدير بالذكر أن الأمير مصطفى فاضل صاحب القصر الضخم موضوع الوثيقة والذى كان يقف شامخاً على بحر الاسكندرية هو ابن ابراهيم باشا ابن محمد على وهو شقيق الخديو اسماعيل ، ولد فى القاهرة فى 22 فبراير 1830 و توفى فى 11 نوفمبر 1875. درس فى مدرسة البعثة المصرية فى باريس وعين وزيرا للمعارف 1862، ثم للمالية 1864 ثم للعدل 1871. وفى 18 يناير 1863 أصبح صاحب الحق فى وراثة العرش بعد أخيه إسماعيل باشا ولكن نشبت خلافات بينهما صدر على إثرها فرمان 1866 من إسماعيل بشراء كل أملاكه و ترحيله إلى الاستانة لكى لا ينازعه أبناؤه فى وراثة العرش و حصرها فى أبناء الخديوى إسماعيل فقط وليس أكبر أبناء أسرة محمد على باشا سناً خلافا لفرمان 1841م. والله على مصر وحكاياتها وأمرائها زمان .