بعد هذا المشهد المقلق والمزعجول مجلس الدولة بخصوص الجنسية الأمريكية لوالدة الشيخ حازم لاندري كيف سيحكم القاضي أحمد رفعت في قضية الرئيس السابق حسني مبارك, تري هل سيصدر حكمه بناء علي رغبة الجماهير التي يمكن أن تحتشد حول المحكمة لأسبوع كامل. تتعطل فيه الحياة في القاهرة وقد تتعرض خلالها حياة القاضي الشخصية لأخطار داهمة لو حكم بما لا يرضي هذه الحشود؟! (1) هذا التساؤل مشروع فمن كان سيحمي قضاة مجلس الدولة لو أن محكمة القضاء الإداري قضت بثبوت الجنسية الأمريكية لوالدة الشيخ حازم؟ الراجح أن القضاة الأفاضل أعضاء المحكمة التي أصدرت رأيها تمثلوا تماما المصير الحزين الذي آل إليه شيخ قضاة هذا المجلس العتيد عام1954 الدكتور عبد الرزاق السنهوري, ففي ذلك الوقت إقتحم حفنة من المأجورين من عمال هيئة النقل العام المجلس وإعتدوا بالضرب علي القاضي الفاضل, لأنه أصدر فتويتخالف رغبة البكباشي جمال عبد الناصر في البقاء في السلطة. عجيب أن يحتشد هؤلاء الآلاف ثلاثة أيام في شارع رئيسي وحيوي في الجيزة ويحاصرون المجلس وينتشرون داخل أروقته وقاعاته وهم يرددون حازمون حازمون ويتوعدون من يصدر حكما لا يروق لهم بالجهاد والويل وقد أضطر القضاة الأجلاء إلي تأجيل المداولات المرة بعد المرة طوال هذه الأيام الثلاثة, لعل هذا الزحام وتلك الحشود أن تنفك دون فائدة, وفي النهاية أصدروا حكما عجيبا بإلزام وزارة الداخلية بإعطاء الشيخ حازم بيانا بأن والدته لاتحمل سوي الجنسية المصرية. صحيح أن نصوص القانون تقضي بأن حصول المصري علي الجنسية الأجنبية تستدعي إجراءات روتينية مثل مطالبة وزير الداخلية بالإذن لصاحب الطلب بأن يحصل علي جنسية الدولة الأجنبية التي يريدها, وكذلك مطالبة مجلس الوزراء بأن يعقد جلسة لبحث هذا الموضوع وإسقاط الجنسية المصرية عن صاحب الطلب. كل هذا صحيح لكن من قال أنه بدون هذه الإجراءات لا تثبت الجنسية الأجنبية للشخص, أليس العرف السائد وكما هو معلوم للكافة أن المصري يحصل علي الجنسية الأجنبية دون أن يبلغ أي جهة في الدولة. (2) يقول الشيخ حازم أنه يتعرض لمؤامرة أمريكية وإسرائيلية يهودية لمنعه من الترشح للرئاسة المصرية ولا ندري علي أي أساس يقيم فضيلته هذه الحجة, ثم ما هي مصلحة الدولة المصرية في الإشتراك في التآمر عليه. الثابت أن النص الخاص بشرط ثبوت الجنسية المصرية الخالصة لوالدي أي مرشح لرئاسة الجمهورية أو لزوجته,هو من إصطناع الأستاذ طارق البشري القاضي الفاضل وصاحب الميول الإسلامية الظاهرة, وليس معقولا أن البشري سيتآمر علي أحد. وعندما حرص البشري علي إضافة هذا الشرط لم يكن يعلم بكل يقين أن الشيخ حازم سيترشح للرئاسة, ولم يكن لديه أي معلومات عن أم فضيلته, وهل هي مصرية أم أمريكية, والأكثر إثارة للدهشة إنه عندما تمت هذه الإضافات علي نصوص المواد الدستورية المعدلة في إستفتاء مارس2011 لم يثبت عن الشيخ حازم إنتقاده لهامثل كثير من المصريين الذين إعتبروها لا تناسب الزمن المعاصر, والغالب ان لجنة تعديل الدستور عند صياغتها لهذه المادة بهذه الطريقة المريبة كان في ذهنها حرمان أشخاص من نوع الدكتور أحمد زويل والبرادعي, أما أن تصيب هذه الشروط برصاصها الفتاك الشيخ حازم وحده دون سواه من تيار الإسلام السياسي فهذه صدفة من تصاريف القدر لم تدر بذهن أحد. كذلك من قال إن الحصول علي الجنسية الأمريكية مؤامرة يهودية صهيونية أمريكية؟ فالثابت أن الشيخ حازم وشقيقته وزوجها ووالدته سعوا إلي الدراسة والعمل والإقامة في الولاياتالمتحدةالأمريكية. (3) الحصار الجماهيري الذي أحاط بمجلس الدولة أياما متتالية دليل إضافي علي أن الدولة في مصر لاتزال غائبة, فمن يقول ان شخصا مهما أوتي من وفرة المال وقوة العصبية وسطوة البيان وكثرة الأنصار, وحتي لو أصبح إمام المتقين بين المسلمين يستطيع أن يتحدي الدولة هكذا عيانا بيانا في عز النهار, فطوال تلك الأيام الثلاثة كان المجلس بكل قضاته وضباطه تحت رحمة الشيخ حازم وأنصاره, وكان سكان القاهرة البؤساء ينتشرون الساعات الطوال في الشوارع في زحام مروري لا نظير له بسبب أم الشيخ حازم, وكان يكفي أن يشير بيده الطاهرة ولحيته الناصعة البياض وفمه الذي ينطق كلاما معسولا لكي تزحف هذه الحشود علي المجلس أو يحدث أي خطأ في الفهم من جانب أنصاره لكي تصير مقتلة لا يعلم مداها إلا الله. ماذا سيحدث في قضية مبارك يوم2 يونيو, قلبي مع شيخ القضاة أحمد رفعت, فهذا الرجل شاء قدره أن تكون هذه القضية هي آخر عهده بالقضاء, ولا شك أنه يريد أن يختتم خدمته في هذه المهنة الشريفة بما يرضي ضميره. تصور فقط لو أن الجماهير زحفت علي القاهرةالجديدة حيث يوجد مقر محاكمة الرئيس السابق من كل حدب وصوب وحاصرت مبني المحكمة الذي سيصدر القاضي حكمه فيها, ماذا سيفعل الرجل؟ أعتقد وبصدق ان ماحدث في مجلس الدولة في قضيةأم الشيخ حازم نذير لايجعلني أشعر لا بالراحة ولا بالإطمئنان. [email protected] المزيد من مقالات حازم عبدالرحمن