بدأت أمس في اسطنبول مباحثات الملف النووي الإيراني في محاولة لنزع فتيل الأزمة التي تهدد بتدخل عسكري في إيران. وقد عاد الملف الإيراني الي واجهة الأحداث من جديد. فبعد محاولات عدة من الشد والجذب بين إيران وإسرائيل وإعلان إسرائيل المتكرر عن نيتها مهاجمة المفاعلات النووية الإيرانية التي تزعم إسرائيل أن إيران تستخدمها بهدف إنتاج سلاح نووي وتأكيد إيران أن برنامجها النووي يهدف الي الحصول علي الطاقة النووية السلمية. مفسرة ذلك بأنها تحاول الحصول علي مصادر طاقة بديلة. وبعدما صدر مؤخرا تقرير من احد مراكز الأبحاث في الولاياتالمتحدةالأمريكية يؤكد أن الضربة التي ستوجها إسرائيل للمفاعلات الإيرانية قد تعطل البرنامج النووي الايراني لمدة6 اشهر فقط. ونظرا للتطورات المتلاحقة والمتسارعة التي يشهدها هذا الملف علي الصعيد الدولي والعالمي. علاوة علي انهيار المباحثات الدولية السلمية من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية والقوي العظمي الخمس وفشلها في إيقاف طموحات إيران النووية بات الخيار العسكري هو الخيار الاوشك والأقرب عمليا. وتسعي إسرائيل جاهدة للحصول علي تأييد من القوي العظمي لا سيما الولاياتالمتحدةالأمريكية حيث تري إسرائيل في البرنامج النووي الايراني كسرا لاحتكارهم القوي النووية في المنطقة. بينما الأمريكيون لديهم رؤية استراتيجية أوسع وأبعد مدي من المخاطر العسكرية المباشرة تشير إلي تغيير المعادلة الاستراتيجية المهيمنة علي الخليج ومنطقة الشرق الاوسط تهدد بسحب البساط من تحت العملاق الامريكي المسدل ستاره علي المنطقة منذ سبعة عقود. وتلعب روسيا والعملاق الاسيوي الصين دورا هاما في تشجيع ايران علي استهلاك الوقت لحين اكمال برنامجها النووي وتفاجيء به دول المنطقة بالاخص اسرائيل وذلك في ظل تصريحات الصين التي تصعد من الضغوط للحيلولة دون نشوب الحرب علي ايران. رغم نداءات المجتمع الدولي لإثناء اسرائيل عن نواياها العسكرية تجاه إيران فإن ذلك لم ولن يجدي مع الاسرائيليين بشيء ففي الوقت الذي كثرت فيه التصريحات والمؤتمرات لحل الازمة سلميا يبدو ان اسرائيل قد اعدت عدتها وهيأت اجهزتها العسكرية لشن هجوما علي منشآت ايران النووية وشل قوتها معتمدة في ذلك علي الغطاء الذي يوفره الوجود الامريكي في العراق حيث لا تجد القوات الامريكية مانعا من تزويد السلاح الجوي الاسرائيلي بالوقود أثناء غاراتها علي منشات ايران المقدرة بتسعة عشر منشأة في مختلف انحاء البلاد علاوة علي انه لا حرج لدي الامريكيين في أن تتخذ اسرائيل من العراق مركزا للإقلاع والهبوط لغاراتها علي ايران وبذلك تكسر عائق البعد بين أجهزة اسرائيل العسكرية ومنشآت ايران النووية والذي يقدر بأكثر من1500 كيلومتر. ولكن هناك سؤال يطرح نفسه وهو كيف سيكون رد الفعل الايراني علي هجوم اسرائيل عليها؟ وهل سيقف حزب الله الذي تموله ايران موقف المتفرج وهل ستغلق ايران مضيق هرمز الذي يمر به ربع انتاج النفط العالمي وكيف سيؤثر ذلك علي الاقتصاد العالمي؟ يمكننا الجزم ان ردود الفعل الايرانية ستكون غير متوقعة و غير محسوية. واعتقد ان هذا هو مايمنع اسرائيل الي الان من مهاجمة المفاعلات النووية الايرانية. وعلي الرغم من قيام اسرائيل بتطوير الدروع الصاروخية بمساعدة الولاياتالمتحدة الا ان اسرائيل تخشي من الصورايخ الايرانية وصواريخ حزب الله الموجهة الي قلب العمق الا سرائيلي فلا يستطيع احد ان يقدر حجم الخسائر البشرية والمادية في حالة سقوط تلك الصواريخ علي اسرائيل. ان قدرة الولاياتالمتحدةالامريكيةوايران علي شن حرب علي ايران يعتمد علي محورين اساسيين: الأول إلي أي مدي ستنجح الدروع الصاروخية التي انشاتها اسرائيل بالتعاون مع الولاياتالمتحدة في التصدي لصواريخ ايران وحزب الله وحماس في حالة اندلاع حرب. والثاني الي مدي ستنجح اسرائيل في اقناع الولاياتالمتحدةالامريكية بشن الحرب علي ايران و كيف سيكون رد الفعل الامريكي حيال الملف النووي الايراني وهل الولاياتالمتحدةالامريكية مستعدة الان لشن حرب علي ايران في الوقت التي عانت فيه من خسائر مادية وبشرية في حرب افغانستان والعراق؟, اضافة الي الضعف الذي اصاب الاقتصاد الامريكي عقب الازمة الاقتصادية الاخيرة. مجمل القول إن اسرائيل هي المستفيد الوحيد سواء تم شن حرب علي ايران ام لا فهي في حالة اندلاع حرب ستساندها فيها القوي الاولي في العالم وتقف الي جوارها لمهاجمة دولة لايفوت قادتها السياسين اي مناسبة دون الاعلان عن رغبتهم القضاء علي دولة اسرائيل ومحوها من علي الخريطة, واذا لم يتم شن حرب فان امريكا ستزيد من المساعدات العسكرية لاسرائيل. وستقوم بدورها الولاياتالمتحدة والاتحاد الاوروبي بفرض المزيد من العقوبات علي ايران وهو ما يزيد من تضييق الخناق علي ايران ويصب في مصلحة اسرائيل. ويبقي السؤال الحرج, هل ستتخلي إيران عن طموحاتها النووية وتنزل عند رغبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية؟ أم ستستمر في استهلاك الوقت والمماطلة وتنجح بالذكاء الدبلوماسي في تضليل كل من الولاياتالمتحدة وإسرائيل وتفاجئهم كقوي نووية منافسة في المنطقة وتغير المعادلة الاستراتيجية التي خيمت علي دول الخليج والشرق عقودا طويلة؟.ت [email protected]