رصدت روسيا حركات دءوبة لإحياء مخطط إنشاء الدولة السنية، وهو المخطط الذى يتضمن إنشاء أنابيب ضخمة لنقل الغاز والنفط من الخليج إلى أوروبا، ما يمثل ضربة قوية للغاز الروسى الذى تعتمد عليه أوروبا، الى جانب ما يمثله هذا المشروع من خطر حقيقى على قناة السويس حيث يحرمها من أهم وأكبر زبائنها، عندما يتراجع نقل الغاز والبترول من الخليج إلى أوروبا، عبر البواخر المارة فى القناة. كانت الدبلوماسية الروسية قد اعتقدت أنها اقتربت من وضع أسس حل سلمى للصراع فى سوريا، عندما أجرت مباحثات مكثفة مع جميع الأطراف، لكنها فوجئت بالتراجع عن مواصلة المباحثات، فى الوقت الذى بدأت فيه التحركات لانشاء دولة جديدة على الأراضى التى تحتلها الدولة الاسلامية فى العراق والشام داعش، بمشاركة من اهم الدول المستفيدة من مشروع نقل غاز وبترول الخليج إلى أوروبا، حيث استضافت قطر قبل أسبوعين مؤتمرا للمسلمين السنة فى العراق، بحث سبل انشاء هذه الدولة الجديدة، والدعم الذى يمكن أن تقدمه قطر ودول إقليمية ودولية أخري، وهو المؤتمر الذى احتج العراق على تنظيمه بعيدا عن موافقة أو مشاركة الحكومة العراقية، بينما كانت أمريكا تزيد عدد قواتها فى قاعدة الحبانية فى العراق، وأعلنت أنها ستتولى تدريب وتسليح العشائر السنية، بعيدا عن موافقة الحكومة العراقية. مارست أمريكا وعدد من الدول ضغوطا على العراق لتمرير قانون إنشاء قوات الحرس الوطنى ليكون الغطاء القانونى الذى يجرى بمقتضاه تشكيل جيش الدولة الجديدة، فى وقت فتحت فيه تركيا أبواب قاعدة أنجرليك أمام الطائرات الأمريكية، لتعلن أمريكا لأول مرة أنها سوف توفر الحماية لقوات المعارضة التى تولت تدريبها، والمقرر أن تحل محل تنظيم داعش، وهو ما يعنى أن أمريكا ستضرب أى قوات قد تحاول منع هذه القوات من السيطرة على الأراضى التى يحتلها داعش، وقد بدأت أمريكا بتدريب قوة صغيرة، قوامها 60 مقاتلا، حتى لا يبدو أن الخطوة خطيرة، فهو عدد ضئيل يثير السخرية، لكن مع انضمام القوات التى دربتها تركيا، والتى تضم مقاتلين تركمان من العراقوسوريا وآسيا الوسطي، فإن الأمر لن يكون هزلا. ترافقت هذه الخطوات مع إعلان كل من بريطانيا وفرنسا المشاركة الفعلية فى توجيه ضربات إلى داعش، وهو ما يعنى أن المعركة الكبرى قد اقتربت، وأن المخطط دخل حيز التنفيذ الفعلي، بتوفير جميع مقوماته، خاصة مع تفريغ جزء كبير من الساحة من سكانها، بتهجير مجموعات كبيرة من السوريين والأكراد، وفتح الطرق أمامهم إلى أوروبا، التى أبدت معظم حكوماتها، خاصة دول غرب أوروبا حماسا، بدا إنسانيا، لاستقبال المهاجرين، لكنه كان اقتصاديا بالأساس، لاستفادتهم الكبيرة من نقل الغاز الخليجي، والعمالة السورية والكردية الرخيصة، بعكس دول شرق أوروبا المتضررة من الهجرة، فيما كانت تركيا تواصل عملياتها لإزاحة الأكراد الذين يمكن أن يعرقلوا مسار المخطط، وخاصة من حزب العمال الكردستاني، عبر إزاحتهم أو تقليص دورهم على ساحة الدولة الجديدة. أدركت روسيا أن الوقت ليس فى صالحها، وان المباحثات كانت مضيعة للوقت، وأن تحركات التحالف الأمريكى باتت جاهزة لتحقيق ما تصبو إليه، ولهذا كان تحركها سريعا وقويا على عدة مسارات، الأول هو الجسر الجوى من خلال طائرات أنتونوف العملاقة لنقل أسلحة متطورة إلى سوريا، من بينها دبابات ومنظومات دفاع جوى وطائرات بدون طيار، ومدفعية ثقيلة وصواريخ كورنيت المضادة للدروع، وقال الرئيس بوتين إن روسيا ستزود سوريا بكل الأسلحة المتفق عليها، حتى لو لم تكن قادرة على سداد ثمنها، وتحركت بالفعل قطع من الأسطول الروسى لتجرى مناورات قبالة الشواطيء السورية، فى رسالة واضحة عن اعتزام روسيا الجاد للمواجهة، خاصة فى ضوء اعلانها أنها بصدد إنشاء تحالف جديد لمواجهة الجماعات الإرهابية، يعتمد على جيشى كل من سورياوالعراق، لأنهما القوتان القادرتان على المواجهة الحقيقية على الأرض للجماعات الإرهابية. من جانبها استقبلت القاهرة وفدين سوريين، فى يومين متتاليين، أحدهما برئاسة عماد الأسد، والثانى برئاسة عليى مملوك مدير الأمن القومى السوري، ولم يكتف الرئيس عبد الفتاح السيسى عقب المباحثات، بتأكيد تمسكه بوحدة الأراضى السورية، لكنه أشار إلى أهمية حماية مؤسسات الدولة السورية، فى اشارة تحمل مغزى مهما، لأن القاهرة تعتبر سوريا بوابتها الشمالية، ولها أهميتها البالغة للأمن القومى المصري، إلى جانب العلاقات التاريخية العميقة بين البلدين. لقد تداخلت حرب أنابيب النفط المحتدمة بين روسياوأمريكا مع الصراع الدولى والإقليمى حول سورياوالعراق، وإذا كانت روسيا قد نجحت فى عرقلة خط نابوكو من حقول بحر قزوين إلى أوروبا، فإنها تواجه مشروعا أكثر خطورة، جرى الاتفاق ببذخ على انجازه، لأنه يحقق مآرب أخرى للتحالف الأمريكي، أهمها عزل إيران عن سوريا وحزب الله، لتصطف جبهتان تبلورت ملامحهما، مستعدتان لمواجهة تبدو قابلة للانفجار، بينما تسعى اسرائيل لاستغلال الأزمة والصيد فى الماء العكر. لمزيد من مقالات مصطفى السعيد