، تحمله إليهم نسمات الطاعة الخالصة، ونفحات الإيمان القوى الصادق، ودعوات المسلمين فى شتى البقاع، فهم يقفون بعرفات فى أعظم مشهد للإخلاص والطهر والاتحاد والتعاون والإخاء، وفى يوم أغر مجيد ليس هناك عند الله أفضل منه يعلن أن وجوههم نور، وهم على نور، فقد تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم، ولا أموال يتعاطونها، جمعت بينهم قوة العقيدة، وسمو الأعمال، وجلال التوحيد، والخشوع والخضوع، ليستمتعوا بحلاوة الإيمان، وينابيع السكينة والصفاء والأمن، إنهم فى أزكى أحوالهم، وأسمى مواقفهم، بعيدا عن الوطن والأهل والصحاب والاولاد، زهرة الحياة وزينة الدنيا، أما نفوسهم فهى مزدانة بالتقوى والود والخير والصلاح، وأما هتافهم، فهو أعظم هتاف وأحسن دعاء، فهل رأيت أروع وأكرم من قولهم: «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك»؟! ولا معنى لتلك التلبية الطاهرة إلا التأكيد أن الله وحده هو الذى يستحق العبادة والطاعة والتوحيد، ولا يجوز التوجه بخوف أو رجاء أو دعاء إلا إليه، ولا خشية إلا منه، ولا اعتماد إلا عليه، ولا انقياد إلا لحكمه، وهو نعم المولى ونعم النصير، وسعت رحمته كل شىء، وليس بغريب أن يكون الله معهم يكلؤهم بعينه التى لا تنام، ويحرسهم فى كنفه الذى لا يرام، ويمدهم بنعمه التى لا تحصى، ويمنحهم السعادة فى الأولى والفوز والفلاح فى الآخرة، إنهم يقفون بعرفات، وهم وفد رب العالمين، وضيوف أكرم الاكرمين، الذى يعطى بغير حساب، ويثيب فيجزل الثواب، ويعطيهم رضوانه، ويخرجهم من ذنوبهم كيوم ولدتهم أمهاتهم.. إن حشدا ضخما يشاركهم فى الوقوف العظيم، ومعهم أجناس المسلمين، فى ظل تجمع إسلامى رائع يحظى بالجو الطهور، وعواطف الود المصفى، ومشاعر الإخلاص العميق والوحدة الباهرة، حيث يؤكدون أن ائتلاف القلوب والمشاعر، واتحاد الغايات والمناهج من أوضح تعاليم الإسلام، وألزم صفات المسلمين المخلصين، إن من أسمى الدروس التى يشير إليها وقوفهم بعرفة أن توحيد الصفوف واجتماع الكلمة واستقامة النهج هو الدعامة الوطيدة التى تحقق الصمود، وتحمى الصفوف، وتضمن الأمن والسلامة، وتبغض العنف والإرهاب، والتمزق والنزاع والفساد، إن وحدة المسلمين فريضة، والنأى عن عوامل الشقاق والانقسام والإرهاب واجب، أما الفرقة فهى طريق الضياع وسبيل الضعف والهوان، وليت المسلمون فى هذه الأيام يدركون ما فى دروس التجمع الإسلامى الرائع فى عرفات من حث على الوحدة والإخاء الصحيح والسماحة الكريمة التى تعتصم بالحكمة والموعظة الحسنة، والمساواة الكاملة التى لا تعرف الافتخار الباطل، والاستكبار المهلك، والجهالة الشائنة، إن وحدة المسلمين فى عرفات تنبذ التفرق والاختلاف والضياع، وتؤمن كل الإيمان بأن عواقب التنازع وخيمة، وأضرار الفرقة والانقسام خطيرة، يقول رب العزة: «ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم» ويقول: «وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم» أما رسولنا الكريم فقد اهتم فى يوم عرفة بكل ما يقود إلى الوحدة والتراحم والتعاون، ويصون الدماء والأموال والأعراض، ودعا إلى التماسك والأمن والأمان والأخوة والأمانة، فقال فى حجة الوادع: «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليك إلى أن تلقوا ربكم، كحرمة يومكم هذا فى بلدكم هذا فى شهركم هذا، ومن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى الذى ائتمنه عليها أيها الناس: اسمعوا قولى واعقلوه، تعلموا أن كل مسلم أخ للمسلم، ولا لامرئ من أخيه، إلا ما أعطاه عن طيب نفس منه، فلا ترجعوا بعدى كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، «إن كل ما قاله يحارب العنف والإرهاب، ويحفظ الأمن والسلام، وسلام عليه، وسلام على الحجاج فى عرفات، هؤلاء الناجين المعتوقين من النار. لمزيد من مقالات د. حامد شعبان