فى تسجيل إذاعى للراحل الشيخ عطية صقر من كبار علماء الأزهر، أجرته معه الدكتورة هاجر سعد الدين الرئيس السابق لإذاعة القرآن الكريم، يشرح فيه مناسك الحج والعمرة فى خطوات مبسطة، حيث اكد - رحمه الله- أن رحلة الحج رحلة دينية روحانية أفاد الإنسان المخلص منها مغفرة للذنوب ومضاعفة للحسنات. وعن الاستعدادات قبل السفر إلى الحج قال: يجب على الإنسان قبل سفره إلى الأراضى المقدسة أن يكون مخلصا النية لله تعالى، وفى كل أحواله وأفعاله وان يكون ماله من حلال، كما يجب عليه ان يبادر بسداد ما عليه من ديون، او على الأقل يعزم على ادائها، فإن حقوق العباد لا يغفرها الحج كما يقول جمهور الفقهاء، بل تترك لمشيئة الله تعالى، ومما يجب أن يعلمه الحاج أن هناك أركانا للحج لا يصح الحج بدونها ولا تعوض بشىء آخر، وهناك واجبات يصح الحج بدونها ولكن يجب عنها عوض، تعرف بالفدية أو الهدى، فأركان الحج هى: النية أى الإحرام والوقوف بعرفة والطواف بالبيت، والسعى بين الصفا والمروة، وحلق الشعر أو تقصيره، كما قال الإمام الشافعى وإن كان لغيره خلاف فى بعضها. والواجبات هى الإحرام من الميقات والمبيت بمزدلفة والمبيت بمنى ورمى الجمرات، وطواف الوداع مع اختلاف بعض الأئمة فيها، أما العمرة فأركانها الإحرام والطواف والسعى بين الصفا والمروة والحلق أو التقصير كما يقول الامام الشافعى، والواجب هو الإحرام من الميقات وطواف الوداع فى بعض المذاهب، وبجانب الأركان والواجبات سنن وآداب، ومحرمات ومحظورات بعضها يبطل الحج أو العمرة، وبعضها يجبر بدم أو فدية مع صحة الحج والعمرة، وهناك أمور مباحة لا تؤثر على صحة الحج و العمرة مع مراعاة ما جاء فى القرآن والسنة من عدم الرفث والفسوق والجدال، محظورات الإحرام يحرم على المحرم لبس المخيط من الثياب المفصل على قدر العضو، كالجلباب والقميص والسروال والحذاء العادى الذى يغطى القدم كلها، وما يغطى الرأس كالعمامة أو الطاقية وهذا بالنسبة للرجال، أما النساء فلا يحرم عليهن من الملابس شىء ولكن يحرم عليهن تغطية الوجه والكفين إلا عند خوف الفتنة، ومن المحظورات التعطر بالبدن أو الثوب بما يقصد به التزين والتعطر، ويجوز استعمال الصابون ذى الرائحة ومعجون الأسنان، كما يحرم لبس الثوب المصبوغ بما له رائحة طيبة، ومن المحظورات إزالة الشعر من أى مكان فى الجسم، وتقليم الأظفار، وكذلك المعاشرة الزوجية ويحرم التعرض لصيد الحرم كالحمام وقطع الشجر وعقد الزواج لنفسه أو لغيره. وإذا فعل الحاج شيئا من هذه المحظورات، لزمه واحد من ثلاثة، إما ذبح شاة وإما إطعام ستة مساكين لكل مسكين قدح أو ثمنه، وهذان يكونان فى الحرم، وإما صيام ثلاثة أيام فى الحرم، ولا يبطل الحج بشىء من هذه الأمور، ومن تعرض للصيد فعليه جزاؤه، وكذلك قطع الشجر، وعقد الزواج يبطل، ومن فعل شيئا من هذه المحظورات ناسيا غير عامد أو جاهلا غير عالم بالحكم، فلا شىء عليه. والأمور التى يجوز فعلها فى أثناء الإحرام هى: الاغتسال، وتغيير ملابس الإحرام إذا أصابتها نجاسة أو قذارة، وتغطية الوجه لاتقاء الغبار ونحوه مع المحافظة على كشف الرأس، وكذلك تباح الحجامة والفصد مع المحافظة على عدم وقوع الشعر، ومن المباحات لبس الحزام الطبى وحافظ الأوراق والنقود وكذلك المظلة الواقية من المطر أو حر الشمس. وملابس الإحرام للرجال هى الإزار يستر نصفه الأسفل ورداء يستر نصفه الأعلى، وإزالة الشعر وقص الأظفار والتطيب ثم صلاة ركعتين سنة الإحرام، والمرأة إذا كانت فى عادتها الشهرية تعمل كل هذا ولكنها لا تصلى، وملابسها هى ملابسها العادية مع كشف الوجه والكفين. أنواع الحج وقبل النية، على الحاج أن يعلم ماذا ينوى سواء بالحج أو العمرة، فإذا كان فى وقت العمرة مثل عمرة رمضان كانت النية للعمرة فقط، وإذا كانت فى زمن الحج، فهناك حالات ثلاث، هى الإفراد والتمتع والقران، فالتمتع أن يحرم الإنسان بالعمرة فقط، والإفراد بالحج فقط، والقران أن يحرم بهما معا، ونظرا لوجود اختلاف فى أفضليتها لذا فهو متروك لظروف الانسان، كتحديد مواعيد السفر والحالة الجوية، حيث يختلف فيها سفر فوج عن فوج، فالمتمتع يحرم بالعمرة فقط من الميقات أو قبله لأنه لو فاته وجب عليه دم، فإن لم يستطع وجب صيام عشرة أيام ثلاثة منها فى أيام الحج وسبعة حين يرجع الى وطنه، حتى إذا انتهى الانسان من العمرة فى مكة وهى الطواف والسعى والحلق أو التقصير، حل من إحرامه وتمتع بكل ما كان محرما عليه، وعند التوجه إلى عرفة لأداء الحج يكون إحرامه بالحج من الموضع الذى هو مقيم فيه بمكة أو خارجها فى حدود الحرم وقبل المواقيت المكانية المعروفة لكل الجهات، مع عمل كل ما من شأنه فعله قبل الإحرام. وإذا انتهى من أعمال الحج كلها وأراد أن يعمل عمرة، فليخرج إلى مكان يسمى التنعيم، حيث يوجد مسجد عائشة، فليحرم منه بعمرة، أما إذا كان قارنا فليحرم عند سفره من ميقاته أو قبله بالحج و العمرة معا فيكفى طواف بالبيت سبع مرات وسعى بين الصفا والمروة سبع مرات، للحج والعمرة وعليه هدى أوصيام كالمتمتع، وإذا أحرمت المرأة وبها عذرها الشرعى تدخل مكة وتنتظر بالمكان الذى وصلت إليه حتى تطهر، ثم تطوف وتسعى وتقص الشعر إذا كانت متمتعة، ولا تقصه إذا كانت مفردة أو قارنة، وإذا استمر عذرها وتحتم سفرها اغتسلت وطافت وسعت وقصت شعرها وعليها فى مقابل ذلك هدى وهو بدنة أو شاة على بعض المذاهب، وقال ابن تيمية ليس عليها شىء لأنها مضطرة، أما إذا كانت محرمة بالحج وحده أى مفردة، أو بالحج والعمرة معا أى قارنة وعذرها لا يزال موجودا فلا بأس بوقوفها فى عرفات وأداء المناسك الاخرى ما عدا الطواف والسعى، فإذا تحتم سفرها مع وجود العذر الشرعى اغتسلت وطافت و سعت وتحللت وقصت شعرها وعليها الهدى المذكور، هذا ويجوز للمرأة أن تأخذ شيئا يمنع نزول الدم وقت الإحرام، كما روى عن ابن عمر رضى الله عنهما. وإذا كان التوجه إلى مكة عليك بالإحرام من الميقات أو قبله، ثم تبدأ بالتلبية بصيغتها المعروفة “لبيك اللهم لبيك. لبيك لا شريك لك لبيك. إن الحمد والنعمة لك والملك. لا شريك لك لبيك”، والتلبية سنة عند بعض الفقهاء وواجب عند البعض الآخر، ويغنى عنها أى تسبيح أو ذكر عند بعضهم، وأكثر منها حتى تدخل مكة رافعا صوتك، أما المرأة فلا ترفع صوتها، ثم ادخل المسجد وأسرع للطواف ان كنت متطهرا. ويكون الطواف حول البيت سبعة أشواط تبدأ من الحجر الأسود، واجعل البيت عن يسارك دائما، ولا تدخل حجر إسماعيل عند الطواف وان استطعت تقبيل الحجر بدون زحام فافعل وإلا فاستلمه بيدك وقبله أو أشر إليه بيدك وقبله، وفى الطواف يسن “الرمل” للرجال دون النساء و”الرمل” هو الإسراع فى المشى مع تقارب الخطى فى الأشواط الثلاثة الأولى، وأكثر من الذكر و الدعاء بما تشاء ولا مانع من قراءة القرآن، وأفضل ما يقال بين الركن اليمانى والحجر الأسود “ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار”، وإذا تعب الطائف ولم يجد وسيلة يطوف بها يمكن له أن يستريح بين الأشواط، ولو أحدث وانتقض الوضوء، وهو يطوف يمكنه الخروج للتطهر ثم يكمل على ما فات، والمرأة لا تطوف حتى تتطهر مادامت هناك فسحة، وإذا لم تجد فسحة فعليها أن تغتسل وتطوف وعليها فدية من الابل او الغنم، وبعد الطواف يسن عند الجمهور صلاة ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام ان تيسر، وإلا ففى أى مكان بالمسجد أو خارج المسجد، كما يسن الشرب من ماء زمزم والدعاء بما يريد بالخير ويسن الوقوف والدعاء عند “الملتزم” وهى المسافة بين الكعبة والحجر الأسود، السعى بين الصفا والمروة بعد الانتهاء من الطواف وتوابعه، يتوجه الحاج إلى السعى بين الصفا والمروة وهو ركن فى العمرة، وكذلك للمتمتع، ويجوز للمفرد والقارن بعد طواف القدوم، الذى هو سنة عند الجمهور، أن يسعى بين الصفا والمروة دون الحاجة إليه ثانيا بعد الوقوف بعرفة وطواف الإفاضة. والسعى سبعة أشواط، يبدأ الأول بالصفا وينتهى بالمروة ويبدأ الثانى من المروة وينتهى بالصفا، والشوط السابع ينتهى عند المروة، ولا يشترط للسعى طهارة ولا موالاة بين الأشواط، حيث تمكن الاستراحة بينهما وأيضا صلاة الجماعة، ويستحب الإكثار من الدعاء والذكر وقراءة القرآن، ولا مانع من السعى فى الدور العلوى، واستعمال العربات والوسائل الأخرى. وبعد الانتهاء من السعى يكون حلق الشعر أو تقصيره للتحلل من العمرة، ولا يجوز الحلق للمفرد والقارن بعد هذا السعى الذى قاما به بعد طواف القدوم، ويجوز للمتمتع أن يذبح الهدى الواجب عليه بعد الفراغ من العمرة وقبل أن يحرم بالحج، ويجوز للمرأة الحائض أن تسعى بين الصفا والمروة، ويجوز لها أن تفعل كل أعمال الحج ما عدا الطواف، لانه كالصلاة، إلا إذا كان وقتها محدودا فى مكة، فانها تطوف وعليها ذبح شاة أو بدنة أو تأخذ برأى ابن تيمية القائل ليس عليها شىء. الوقوف بعرفة وإذا جاء وقت عرفة يجب على المتمتع الإحرام من المكان المقيم فيه بمكة، بعد عمل إجراءات الإحرام، أما المفرد والقارن فلا حاجة لهما إلى إحرام جديد فهما محرمان من بلدهما، وقبل الذهاب إلى عرفة يسن المبيت بمنى يوم التروية وهو يوم الثامن من ذى الحجة ان أمكن ذلك، وعند الوصول إلى عرفة، وهو يوم التاسع من ذى الحجة، يبدأ وقت الوقوف الشرعى بزوال الشمس وهو وقت الظهر وينتهى بطلوع فجر يوم العيد، وعرفة كله موقف، ولا داعى للزحام عند جبل الرحمة، ويصلى الظهر والعصر قصرا وجمعا، مع الإكثار من الذكر والدعاء ليباهى الله الملائكة بالواقفين شعثا غبرا ضاحين وليشهدهم أنه قد غفر لهم، والحائض تقف على عرفة، ولكن لا تصلى، ولها ان تدعو وتذكر دون ان تقرأ القرآن، وإذا كانت الإفاضة من عرفات إلى مزدلفة جائزة فى أى وقت، فيسن أن تكون الإفاضة بعد غروب الشمس. وفى المزدلفة يجب المبيت بها، وهو يتحقق بوجود الشخص فيها بعد منتصف الليل ولو زمنا قليلا، ويصلى فيه المغرب والعشاء جمع تأخير مع قصر العشاء ركعتين، ويمكن التقاط الحصى من المزدلفة لكثرته فيها بحجم صغير متوسط، ويمكن الإفاضة من مزدلفة إلى منى قبل طلوع الفجر وبخاصة للنساء والمرضى والعجزة، يوم العيد وأيام التشريق فى منى يوم العيد يكون رمى جمرة العقبة الكبرى بسبع حصيات، ويكون حلق الشعر أو تقصيره، وبهذين الأمرين يتحقق التحلل الأول ويسمى التحلل”الأصغر”، والذى يباح به ما كان محرما ما عدا المعاشرة الزوجية، وفى هذا اليوم قد تكون صلاة العيد فى جماعة صعبة فلا حرج فى التخلف عنها. وبعد رمى الجمرة والحلق يمكن التوجه فى اليوم نفسه الى مكة لطواف الإفاضة والسعى، إن لم يكن الحاج قد سعى بعد طواف القدوم، وهنا يباح له كل ما كان محظورا عليه حتى المعاشرة الزوجية، وفى منى يجب المبيت بها ليلة الحادى عشر والثانى عشر من ذى الحجة، وفى هذين اليومين يجب رمى الجمرات الثلاث، كل منها بسبع حصيات مع الترتيب بأن يبدأ بالجمرة الصغرى ثم الوسطى ثم الكبرى، وهى جمرة العقبة، ويسن التكبير عند الرمى الذى يدخل وقته بزوال الشمس، وعند وجود عذر يمكن الإنابة فى الرمى، كما يمكن الرمى قبل الزوال اتقاء للزحام والظروف الجوية، كما ذهب الى ذلك بعض التابعين، وكذلك فى اليوم الثالث من أيام التشريق، والمبيت بمنى يتحقق ولو بحضور جزء من الليل. وفى منى يكون ذبح الهدى والأضاحي، كما يمكن أن يكون فى اى موضع آخر من الحرم كله، ويمكن توكيل هيئة او مؤسسة للقيام بالذبح و التوزيع، ولابد من المبيت فى منى يومين من أيام التشريق الثلاثة التى بعد يوم العيد، او ثلاثة ايام ان لم ينفر الحاج قبل غروب شمس اليوم الثانى، ورمى الجمرات والمبيت بمنى من الواجبات التى لو تركت صح الحج ووجبت الفدية بالذبح، وعند العجز عن الذبح يجب صيام عشرة ايام، ثلاثة فى الحج وسبعة عند الرجوع الى الوطن، ولو وجد عذر لعدم المبيت بمنى فلا تجب فدية، والمبيت عند بعض الأئمة سنة لا تلزم فيه فدية ان تركه الحاج، وعند العزم على مغادرة مكة يكون توديعها بالطواف حول البيت مع الدعاء بألا يكون هذا آخر العهد به. وطواف الوداع قال بعض العلماء بوجوبه أى لو ترك يجبر بدم، وقال البعض الآخر باستحبابه أى لو ترك فلا دم عليه، وتعفى منه المرأة فى عذرها الشرعى.