احترام سيادة الدول ..ودعم استقرار الأمم لتحقيق الديمقراطية التى تحلم بها الشعوب ..هى المباديء الأساسية التى تشكل العلاقات المصرية - اليابانية. ففى مواجهة ضغوط الغرب لفرض رؤيته للديمقراطية على مصر، جاء الصوت اليابانى ليعترف باستقلالية وتفرد الطبيعة المصرية، مطالبا بضرورة منح الدولة الفرصة المناسبة لاستيعاب فكرة الديمقراطية بما يتلاءم مع طبيعة شعبها وأوضاعها السياسية والاقتصادية بما يحفظ الأمن والاستقرار فى البلاد. ففى وسط بحر الدماء..والآلام ..والأحزان ..والشتات ..والضحايا، التى يموج بها الشرق الأوسط فى العصر الحالي، بعد أن سقط ضحية لربيع سرعان ما تحول لشتاء قارس، يرى الجانب اليابانى أن دعم المنطقة ومساندتها لاستعادة استقرارها السياسى والاقتصادى له الأولوية القصوى فى الوقت الراهن بدلا من الإملاءات السياسية غير المنطقية التى يسعى الغرب من وقت لآخر لفرضها على المنطقة. ربما تكون اليابان من أهم الدول التى اعتبرت أن دعم اللاجئين والضحايا والدور الإنسانى هو الأهم فى هذه المرحلة من تاريخ الشرق الأوسط، خاصة فى ظل التطورات المؤسفة التى تعانى منها المنطقة منذ اندلاع موجات الربيع العربي، بداية من العراق وحتى تقديم الدعم المادى للدول التى تواجه أزمة تدفق اللاجئين. أما الدعم الأخير فيذهب إلى الدول التى تعانى من اضطرابات من تبعات الربيع العربي، وهذا هو تحديدا الوضع بالنسبة لمصر. فالشرق الأوسط هو المصدر الرئيسى للطاقة بالنسبة لليابان ومصر من أهم وأكبر دول المنطقة، واستقرارها يعنى بطبيعة الحال استقرار المنطقة بأكملها - وخاصة دول الخليج - وأى اضطرابات ستحمل مؤشرات مظلمة لمستقبل الإقليم والعالم العربي، وبالتالى ستؤثر بشكل مباشر على مصدر الطاقة الأول بالنسبة لليابان. وربما يكون شينزو آبى رئيس الوزراء اليابانى الحالى من أكثر القادة اليابانيين الذين ركزوا اهتمامهم على الشرق الأوسط، سواء لتدارك تبعات الربيع العربى أو للتصدى بشكل غير مباشر ومختلف لإرهاب تنظيم "داعش" الذى نجح فى التمدد بشكل مريب فى المنطقة بأكملها. ففى يناير 2015 ألقى آبى خطابا فى القاهرة، أكد خلاله على فلسفته فى التعاون مع الشرق الأوسط، كما أعلن عن تخصيص 200 مليون دولار إضافية لمواجهة داعش، ليس كدعم للتحالف العسكري، ولكن لدعم اللاجئين ودعم المنظمات الإنسانية، وعلى الرغم من إعدام اثنين من المواطنين اليابانيين فى غضون أيام قليلة من هذا الخطاب، فإن طوكيو حرصت على التأكيد أن سياساتها فى مواجهة الإرهاب لن تتغير، وأنها ستلتزم النهج السلمى بغض النظر عن الواقعة التى أدمت قلوب اليابانيين. ويؤكد الجانب اليابانى أنه ينظر لمصر باعتبارها من أهم دول الشرق الأوسط بالنسبة له، ولذلك فقد حرصت طوكيو على مدار العقود على مساندتها اقتصاديا. وفى تأكيد على مبدأ اليابان فى احترام سيادة الدول على أراضيها، أكدت وزارة الخارجية اليابانية أنها يمكنها المساعدة فى إعادة بناء الدولة لكن لا يمكنها التدخل لتغيير نظام الحكم فى أى دولة فهذا شأن داخلي. وتؤكد طوكيو أن مصر تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى دولة ذات سيادة لابد من احترامها، وأن ما يرد من تقارير حول حقوق الإنسان شأن داخلى لا يمكن التدخل فيه. كما تعرب اليابان عن تقديرها لجهود الحكومة الحالية لدعم الاستقرار وإصلاح الأوضاع فى مصر، وهو ما ستواصل دعمه اقتصاديا، لأنه سيعود بالفائدة على مستقبل المنطقة ككل، مؤكدة أن الاستقرار له الأولوية قبل تحقيق الديمقراطية. فانعدام الاستقرار جعل العديد من المجتمعات فريسة سهلة للفكر الداعشى الإرهابي، كما أن الصعوبات الاقتصادية كان لها دور كبير لا يستهان به. إلا أن هذا كله لا ينفى أن الاضطرابات التى تشهدها مصر من وقت لآخر تثير قلق الحكومة اليابانية التى تخشى على أمن وسلامة الشركات اليابانية العاملة فى مصر. وحول الرؤية اليابانية للديمقراطية، أكدت طوكيو أنه لا يمكن لأى دولة أن تفرض رؤيتها على دولة أخرى، ولكن كل دولة عليها أن تستوعب الديمقراطية بما يتناسب مع طبيعتها. وترفض اليابان النظرة الأوروبية - الأمريكية الخاطئة لحقيقة الربيع العربي، مشيرة إلى أن الاستقرار هو الحل الحقيقى لأزمات الشرق الأوسط والسبيل لتحقيق الأمن وخلق الاستثمارات التى تهرب عادة من مناطق الصراعات. وعلى صعيد التجربة اليابانية فى تطبيق الديمقراطية، فإن التاريخ يؤكد أن اليابان استغرقت أكثر من 100 عام لتقبل الديمقراطية وتعديلها لتتناسب مع الفكر الياباني، وليس لعام أو عامين، فالأمر استغرق عقودا طويلة ولكن بشكل سلمي، وهو ما لابد وأن ينطبق على دول الشرق الأوسط الساعية نحو الديمقراطية أيضا، دون أن يملى أحد على أى دولة رؤيته الخاصة للديمقراطية. فالديمقراطية مهمة، ولكنها تستغرق وقتا ولابد أن تدرك الشعوب أهميتها لتتقبلها، ولذلك فإن اليابان تسعى لدعم هذه الدول حتى تتمكن من تفهم ما يحدث. وعلى صعيد الحرب على الإرهاب، تبدو اليابان متمسكة بسياستها السلمية فى مواجهة إرهاب تنظيم "داعش" التكفيري، فمعظم اليابانيين لا يدعمون فكرة التورط فى الحرب بشكل مباشر فى الشرق الأوسط، ولكن إعدام المواطنين اليابانيين فى بداية العام الحالي، دفع الكثيرين للاعتقاد بضرورة المشاركة بشكل ما فى مواجهة إرهاب داعش، ولكن عن طريق التعاون الاقتصادى وليس العسكرى مع الدول التى تواجه تهديدا مباشرا من التكفيريين. أما بالنسبة للدول الأخرى مثل ليبيا وما شابه، فما زالت اليابان تدرس تقديم دعما مباشرا لهذه الدول فى المستقبل. إن الحرب الراهنة على الإرهاب، والأزمات التى أعقبت موجات الربيع العربي، لعبت دورا كبيرا فى تأكيد عمق العلاقات المصرية - اليابانية. ففى وقت تختلف فيه الطوائف السياسية والاجتماعية حول الخطأ والصواب، تأتى اليابان لتؤكد أن مصر تسير على الطريق الصحيح نحو مستقبل مستقر سياسيا واقتصاديا.