هل تراجع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز عن زيارة القاهرة؟.. وهل كانت الزيارة مقررة أصلا؟.. وإذا كان فهل ألغيت أم أجلت؟ ولماذا؟ و.. و... طوفان من الأسئلة حول الزيارة المرتقبة للعاهل السعودى كشف عن خصوصية العلاقات الاستراتيجية المصرية-السعودية، وأهمية الزيارة.. وبالقدر نفسه فإن غزارة الأسئلة تثير الشكوك وتبث الظنون، مع أنه لامصدر رسميا - مصريا أو سعوديا - حدد (موعدا نهائيا) للزيارة، كل ما أعلن هو أن الدعوة قائمة وتمت الموافقة عليها، لحين اختيار التوقيت الملائم لإنفاذها.. هذا اللغط يبدو محاولة مقصودة للقفز على الثوابت الراسخة بين الدولتين، وزعزعتها إن أمكن، أطراف بالمنطقة وخارجها تعتبر هذا هدفا أصيلا، تحشد له وسائل الإعلام، وكتائب المحللين والكتاب وناشرى الشائعات فى الفضاء الإلكترونى، غالبيتهم من الإخوان أو المتأخونين، لاهم لهم سوى الحديث عن «توترات مكتومة» بين القاهرة والرياض، يسندون مزاعمهم بتحليلات عن خلافات متصاعدة، حول الموقف من جماعة الإخوان الإرهابية وخطوات المملكة السريعة باتجاه قطر وتركيا، ويروجون لافتراءات حول وقائع، مثل تأجيل التوقيع على إنشاء القوة العربية المشتركة، أوالدعوات المصرية لمخرج سياسى يحفظ وحدة سوريا ومؤسساتها، بينما تصر السعودية على إزاحة الرئيس الأسد أولا، وعن اليمن وليبيا، وكذلك إيران وروسيا، قبل أن يخلصوا إلى أن العلاقات بين العاصمتين تتراجع، عما كانت عليه فى الماضى القريب. لاشك فى أن هذه المحاولات تبغى إثارة الغبار وتعكير الأجواء بين الطرفين، فى وقت يحتاج كل منهما أشد الاحتياج للآخر، محاولات تندرج فى إطار ما سماه الرئيس السيسى قبل أيام «حرب المعلومات أو الحرب النفسية»، فى حين تحرق براكين النار عواصم المنطقة، وتظللها غيوم كثيفة من الغموض والارباك، جروح جديدة وأخرى لاتريد أن تندمل، مخططات سوداء وصراعات والجماعات التكفيرية تمرح فوق جثث العباد وأشلاء الأوطان.. أوضاع جيواستراتيجية تجعلنا جميعا، لانمتلك ترف الشقاق، ويبقى السؤال الأهم: هل ينجح دعاة الفتنة فى الوقيعة بين القاهرة والرياض؟ قبل الإمساك بمفاتيح الإجابة، لابد من الإشارة إلى أن ما يجرى ليس شرا خالصا، رب ضارة نافعة، والتصدى لإغواء «الشيطان» دليل على قوة الإيمان، لذا يظل لهذا المسلك أثر فى دفع مسئولى البلدين إلى تأكيد ثوابت العلاقات قولا وفعلا، والتى شهدت ذروتها خلال الوقفة السعودية الشهيرة مع الشعب المصرى فى 30 يونيو، سياسيا واقتصاديا، وعقب تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي، ورفعه شعار «مسافة السكة»، زادت قوة ومتانة فى كل المجالات، وتكثفت زيارات المسئولين بعد تولى الملك سلمان الحكم، وتعزيز التعاون الثنائى: المشاركة بمؤتمر شرم الشيخ، أو ضخ استثمارات، وأخيرا بنود «إعلان القاهرة»، فى ختام زيارة ولى ولى العهد الأمير محمد بن سلمان ولقائه الرئيس السيسى، وتأكيد عمق الشراكة الاستراتيجية. ولعل أفضل ما وصفت به علاقات البلدين، قول أحمد قطان السفير السعودى بالقاهرة إنها «النموذج المثالى للعلاقة بين الدول»، و«إن الاتفاق فى الرؤى وفى أساليب العمل، والتنسيق فى جميع الأمور السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية، ركائز أساسية فى العلاقة بين البلدين ومثال يحتذى به فى العلاقات بين دول العالم». وبعيدا «نوستالجيا» الحنين إلى صفحات الماضى، فقد ظلت مصر منذ مطلع التاريخ البلد الأغنى والأكثر تحضرا بالمنطقة، إلى منتصف القرن الماضى، حيث بدأ الثقل الاقتصادى ينتقل إلى الخليج، بقيت مصر القوة الفاعلة سياسيا وعسكريا.. تعددت الأقطاب فى عالمنا العربى، التنافس ليس خيارا، ولابديل عن التكامل، والتوظيف الخلاق لقدرات جميع اللاعبين. قد يقول قائل إن كلا من القاهرة والرياض، ترى فى نفسها القوة الأهم واللاعب الرئيسى الذى يقود دفة العالم العربي، لامتلاكهما مقومات وإمكانات حقيقية للزعامة، يولد حساسية بينهما أحيانا.. نقول نعم قد تحدث تباينات طفيفة، المهم هو رعاية المصالح الاستراتيجية الثابتة للأمة، ولا مانع من اختلافات تكتيكية، وسط هذا الشبق الجنونى لتمزيق دول المنطقة، وفقا لسيناريو «الفوضى الخلاقة» الأمريكى المشئوم. وإذ تتسارع معاول الهدم تبدو مصر الحصن الأخير للأمة والكتلة الوازنة، بشعبها وقوة جيشها الأكبر فى المنطقة، ومن ثم فإن الأموال التى توجهها دول الخليج للاستثمار بمصر هى استثمار فى بقاء هذه الدول نفسها- حتى لو غاب هذا المعنى عن بعضهم- ولوقف الانهيار الشامل وضبط إيقاع الأحداث، بعيدا عن الحروب المذهبية. إن إيجاد مخرج للأزمات يتطلب جهدا وصبرا وشجاعة، وتكوين محور عربى نواته مصر والسعودية، ولايستغنى عن الإمارات والأردن والجزائر والمغرب، ويكون مفتوح الأبواب أمام الآخرين، لأنه بحكم الشواهد تجرى جراحة كبرى فى قلب الشرق الأوسط، عميقة بحكم التشخيص، لإعادة تشكيل ملامحها بالدم والنار، وهناك إرهاصات تلوح فى الأفق أن الاتفاق النووى الإيرانى، سيجعل المنطقة برمتها بين سندان ومطرقة مربع قوة، أطرافه إيران وتركيا وإسرائيل وإثيوبيا.. إنه طوفان لايأمن أكثر المتفائلين نتائجه، ولايجدى أمام خطره خضوع الضعيف أو انصياع الخائف، ومن ثم لابديل عن تفويت الفرصة على المغرضين ودعاة الفتنة، لتظل مصر والسعودية النواة الصلبة للدفاع عن الوجود العربى، ومن لايفعل ذلك يكون مفرطا فى حق مصريته وسعوديته وعروبته وإسلاميته، وحتى إنسانيته..!! [email protected] لمزيد من مقالات د. محمد حسين أبوالحسن