«قانون مكافحة الإرهاب الذي صدر خلال الأيام الماضية رأي فيه البعض طوق النجاة وضرورة حتمية لمواجهة المد الارهابي في المنطقة والذي يستلزم مواجهته بآليات حازمة ، وآخرون وجهوا له انتقادات حادة واعتبروه تكريسا لحالة الطوارئ ويهدف لانتهاك الحقوق والحريات للمواطنين ويرسخ للدولة الاستبدادية القمعية ، ولذا أجرينا هذا الحوار مع اللواء الدكتور أحمد جاد منصور مساعد وزير الداخلية ورئيس أكاديمية الشرطة السابق ورئيس قسم حقوق الإنسان بالاكاديمية ، بوصفة أحد الخبراء في القانون ومجال حقوق الإنسان والذي أكد خلال حواره مع الأهرام أن قانون مكافحة الإرهاب ليس بدعة مصرية فمعظم دول العالم لديها قوانين مماثلة تهدف لحماية الأمن القومي ، كما أوضح أن وضع القانون كان ضرورة حتمية ولم يكن يكفي مجرد إجراء تعديلات علي قانون العقوبات كما حدث في عام 1992 نظرا لتغير أسلوب وحجم الإرهاب عن الماضي وتشارك فيه دول وتنظيمات دولية بالإضافة إلي تفاصيل أخري بالحوار
ما الداعي لإصدار قانون للإرهاب خاصة أن قانون العقوبات تناول الجرائم الإرهابية في بعض مواده؟ حقا لدينا قانون العقوبات والذي يجرم كل الأفعال المخالفة للقانون ، ولدينا قانون الإجراءات الجنائية ويتضمن جميع الإجراءات الواجب إتباعها من رجال إنفاذ القانون ومأموري الضبط القضائي ورجال الشرطة والتي تضمن سلامة الإجراءات التي يتخذونها حتي لا يتعرضوا للمساءلة ويلتزموا بضوابطها ، وهذان القانونان هما اللذان يحكمان الأوضاع في الظروف العادية ، ومع ذلك لا يوجد ما يمنع إطلاقا في أي دولة من دول العالم عندما توجد لديها ظاهرة أن يوضع لها قانون خاص بها ويعتبر قانونا عاديا وليس استثنائيا ،فعلي سبيل المثال وبسبب تفاقم ظاهرة المخدرات وضع قانون لمكافحة المخدرات وهو قانون خاص وعادي وله الأولوية في التطبيق علي قانون العقوبات،وكذلك عندما تفشي الفساد في البلد وضع قانون لمكافحة الفساد ، فأي ظاهرة من الممكن أن يوضع لها قانون خاص ولا يعني ذلك انه قانون استثنائي أو طوارئ ، كما أن القانون العادي الخاص تكون له دائما الأولوية في التطبيق ، لأنه يشمل ضمن نصوصه كل القواعد القانونية الخاصة بالظاهرة وإذا لم يوجد به نص يعالج واقعة نواجهها نعود للقانون العام بالنسبة لهذه الجرائم وهو قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجنائية . وفي ظل الأجواء التي نعيشها في السنوات الأخيرة فوضع قانون للإرهاب أمر حتمي وضروري خاصة مع تزايد معدلات الإرهاب بدرجة كبيرة، ودخول عدد كبير من الإرهابيين من المنطقة الشرقية والغربية وتمركزهم في سيناء، بالإضافة للمخطط الصهيوني لإعلان الدولة الإسلامية في شمال سيناء وواكب ذلك دخول آلاف الأسلحة شديدة الخطورة ، ولهذا قامت الدولة علي قدم وساق من خلال رجال الشرطة والقوات المسلحة لمكافحة الإرهاب في سيناء وفي عدد من المحافظات الأخري التي توجد بها خلايا إرهابية ، وهو الأمر الذي يتطلب ضرورة اصدار قانون خاص لمكافحة الإرهاب والذي تدور محاكمته في دوائر تخصص لهذه الجرائم بالمحاكم العادية ولم يتم استحداث محاكم خاصة به حتي لا يتقول البعض أننا أنشأنا محاكم استثنائية . يري البعض أنه كان الأفضل إعلان حالة الطوارئ في بعض المحافظات تطبيقا لقانون الطوارئ دون الحاجة لقانون مكافحة الإرهاب، فما ردكم علي ذلك ؟ يجب أن نتذكر في هذا الصدد معلومة مهمة جدا ، أنه سبق الطعن علي قانون الطوارئ أمام المحكمة الدستورية العليا وصدر حكم منها في فبراير 2013، يقضي بعدم دستورية المادة الثالثة فقرة «1» والتي كانت مسار لغط وجدل بين الكثيرين لأنها كانت تعطي صلاحيات لرجال الشرطة في الاعتقال والتحفظ علي الأشخاص والتفتيش بدرجة أوسع مما نص عليه قانون الإجراءات الجنائية ، وقد حكم بعدم دستورية هذه المادة وبالتالي أصبح قانون الطوارئ بدون صلاحيات يمكن لرجال الضبط القضائي الاستعانة بها . قانون العقوبات في عام 1992 حدث فيه تعديل تشريعي بالإضافة برقم 97 وتم النص فيه بالمادة رقم 86 و87 و88 ومكرراتها بما يقرب من 12 مادة ونص فيها علي كل الأعمال الإرهابية والعقوبات التي توقع عليها، فلماذا لم يلجأ المشرع لنفس التعديل بالإضافة دون الحاجة لقانون جديد؟ هذه التعديلات أجريت منذ مدة طويلة، والإرهاب الذي كنا نواجه في عام 1992 مختلف شكلا وموضوعا وخطورة وجسامة عن الذي نواجه في السنوات القليلة الماضية ، وكان إرهاب تلك الحقبة ترتكبه مجرد خلايا عنقودية وتنظيمات بسيطة ومواجهتها كانت تتم بالطرق التقليدية ، أما الآن فنحن نحارب الإرهاب بالنيابة عن العالم كله ونحارب إرهاب دول ومنظمات دولية والذين يحاربوننا بأسلحة غير تقليدية لتنفيذ مخططاتهم لهدم الدولة المصرية ،وخلال الحرب الدائرة ضد الإرهاب نواجه جرائم وأفعالا لم يشملها التجريم والعقاب في التعديلات التي طرأت علي قانون العقوبات ، ومن هنا كانت حتمية إصدار قانون مكافحة الإرهاب والذي تأخر كثيرا وكان يتعين إصداره في أوقات سابقة ، خاصة انه ليس قانونا استثنائيا أو غير عادي أو قانون طوارئ ولكنه قانون عادي شأنه شأن قانون مكافحة المخدرات أو الفساد فهل نادي أحد بإلغائهما ؟!فوضع قانون لمكافحة الإرهاب ليس بدعة، فلدينا علي مستوي المجتمع الدولي 213 دولة منها 193 دولة أعضاء في منظمة الأممالمتحدة من بينها 173 دولة لدي كل منها قانون لمكافحة الإرهاب. وهل بصدور قانون مكافحة الإرهاب سيتم إلغاء العمل بالتعديلات السالف ذكرها في قانون العقوبات عام 1992 ؟ القانون الجديد مكون من 52 مادة حصر من خلالها كل الأفعال الإرهابية ، وعلي الرغم من هذا لم يلغ التعديلات التي تمت في عام 1992 بقانون العقوبات وهي باقية وقائمة وهناك تكامل بين العقوبات نظرا لجسامة جريمة الإرهاب ، حيث يمكن ارتكااب فعل لا يوجد نص به في قانون مكافحة الإرهاب وحتي لا يفلت الجاني من العقاب ، يمكننا العودة لقانون العقوبات لتجريم مثل تلك الأفعال . ما ابرز ملامح قانون مكافحة الإرهاب؟ أهم ملامح القانون نص علي أن كافة الأعمال الإرهابية جميعها جرائم جنايات وهذا القانون تدارك جميع ملاحظات المجلس الأعلي للقضاء وتم رفع كل المواد التي اعترض عليها من مشروع القانون والتي كانت تخص مدة النقض واعتبار الحكم غيابيا رغم حضور المحامي وعدم استحداث محاكم للإرهاب ونص علي عدم انقضاء الجرائم والعقوبات الخاصة بجرائم الإرهاب بالتقادم بحيث تظل في رقبة الجاني علي مدي عمره، كما يعاقب علي الشروع بالجريمة بذات العقوبة المقررة للجريمة الكاملة ، ويطبق القانون داخل مصر وخارجها بحيث يخضع لتطبيق هذا القانون المواطن المصري الموجود داخل البلاد ويقوم بارتكاب عمليات إرهابية ، وكذلك نظيره الموجود بالخارج ويخطط ويمول مثل هذه العمليات الإرهابية ويتم القبض عليه بالطرق الرسمية فيما بين الدول وإحضاره لمصر لاخضاعة لهذه المحاكمة ،فوجود هؤلاء الإرهابيين بالخارج لن يكون مبررا لعدم خضوعهم للمساءلة في ارتكاب الجريمة الإرهابية سواء بالتخطيط أو التمويل ، كما شدد القانون عقوبة التعدي علي رجال إنفاذ القانون. من أهم الانتقادات التي وجهت للقانون أنه حصن رجال الشرطة ، مما أثار التخوف الشديد من عودة الشرطة لنهجها القمعي، فما ردكم علي تلك الانتقادات والمخاوف؟ القول بأن القانون حصن رجل الشرطة فهم خاطئ للمادة الثامنة ، فقد نص علي أن رجل الشرطة المنوط بها انفاذ هذا القانون إذا تعرض لخطر جسيم يهدد النفس والمال له ولغيره فإنه يحق له استخدام القدر المناسب من القوة التي تمكنه من الدفاع عن نفسه ويخضع للرقابة القضائية حال تجاوزه ، وهذا النص ليس معناه تحصينا لرجل الشرطة ولا إعفاء من المسئولية ، ولكن تلك الصياغة جاءت وفق النظرية القانونية التي تقول» الضرورة « والتي تعني أن يكون الخطر جسيما يهدد النفس أو المال وفي ذات الوقت الإجراء الذي يتخذه رجل الشرطة متناسبا مع جسامة هذا الخطر ، وكافة تلك الأمور تخضع للرقابة القضائية ، وإذا تبين للقاضي أن رجل الأمن لم يتجاوز هذه المادة يعفيه من العقاب ، أما إذا تبين تجاوزه فإنه يخضع للمسئولية بقدر هذا التجاوز. وما رأيك في التخوف من السلطات الموسعة التي منحها القانون لرجال الشرطة والنيابة العامة وهو الأمر الذي سيسهل معه تلفيق التهم الإرهابية لأي شخص؟ الذي أتعجب له أن البعض يتحدثون عن رجال الشرطة علي أنهم ليسوا مصريين، مع أنهم أبناؤنا وأشقاؤنا أو أبناء عمومتنا أو أخوالنا ،فالقانون منح الحق لرجل الشرطة في التحفظ علي المشتبه به للقيام بعملية إرهابية أو التخطيط لها مدة 24 ساعة فقط وخلال تلك المدة ، يرفع الأمر للنيابة العامة والتي يعود لها أمر التحفظ لمدة 7 أيام وهذه النقطة مثار الاعتراض ، ويتساءلون كيف يكون للنيابة العامة وفق القانون العام حق التحفظ 4 أيام وتصل ل7 في قانون مكافحة الإرهاب ،رغم أن المدة في القانون العادي لها شأن مختلف وتتم بعد التحقيق مع المتهم والذي يحبس 4 أيام احتياطيا، أما ال7 أيام في القانون الجديد ليست حبسا وإنما تحفظا علي المشتبه به ولابد أن يكون القانون واقعيا حين القبض علي عدد من الأشخاص يستلزم مناقشتهم والتحدث معهم للحصول علي المعلومات التي تمكن من الكشف عن الخلايا الإرهابية والتي تعمل من خلال خلايا عنقودية وتتواطأ مع منظمات إقليمية ودولية ودول خارجية، وهذه الإجراءات اتخذت للصالح العام وعلي من يعترضون أن يفكروا بوطنية ، ويعلموا أن مدة التحفظ هذه مطلوبة لزيادة المعلومات والكشف عن المخططات الإرهابية وهي ليست حبسا احتياطيا ومجرد تحفظ بهدف استباق للإرهاب وعدم وقوع جرائم إرهابية قدر الإمكان . إذا كان القانون منح لرجال الشرطة هذه الصلاحيات والسلطات للتعامل مع الجرائم الإرهابية.. فما الضمانات لعدم استخدامها في غير موضعها وظلم أشخاص لا ذنب لهم ؟ إذا كان البعض يتصور أنه لا يوجد ضوابط وقواعد يلتزم بها رجل الشرطة إثناء إنفاذ قانون مكافحة الإرهاب فهو مخطيء ، لان القواعد والضوابط موجودة في قانون الإرهاب وقانون الإجراءات الجنائية وهي ملزمة لرجل الأمن ، وفي حال تجاوز أحد منهم يخضع للمساءلة أمام ثلاث جهات منها النيابة العامة إذا تمخض عن تجاوزه جريمة من جرائم قانون العقوبات ويحاكم وينفذ العقوبة داخل السجون ، أما إذا سبب هذا التجاوز ضررا لأحد الأشخاص تقع عليه المساءلة المدنية ويحكم عليه بالتعويض الذي يراه القاضي مناسبا، كما أن بالداخلية إدارة مسئولة عن الرقابة الذاتية ومراقبة الضباط في أداء عملهم، ومن الممكن أن يوقع علي الفاعل نفسه مسئولية ثالثة وهي المسئولية التأديبية، فمن يعتقد أن قرارات وإجراءات وتصرفات رجال الشرطة وفق هذا القانون محصنة فهو لا يعلم شيئا عن القانون ولا يعرف القواعد العامة للقوانين التي تنظم عمل رجال الشرطة. بعض المنظمات الحقوقية تعترض علي هذا القانون وذكرت في تقرير لها أن مواده تؤدي لاختلال مبادئ العدالة وتقليص الحقوق والحريات ؟ يمكن القول بصفة عامة أن حقوق الإنسان وان كانت مطلقة من حيث المبدأ إلا إنها نسبية من حيث التطبيق والتنفيذ ، بحيث إنه لا يمكن أن تكون هناك حريات مطلقة ، فالحرية المطلقة فوضي مطلقة ، وبالتالي جميع الحريات دون استثناء وعلي مستوي العالم لابد من تنظيمها وينبغي أن تقف ممارسة أي إنسان لحريته عند التعدي علي حقوق وحريات الآخرين ، والأداة التي تنظم هذه الحقوق في أي دولة من الدول بالمجتمع الدولي هي القانون ولا توجد أي أداة أخري علي المستوي الوطني ،ويتم وضع القوانين في ظل ما ينص عليه دستور الدولة، ووقت وضع قانون الإرهاب كان نصب عين المشرع الموازنة بين أمرين أساسيين هما الحفاظ علي حقوق الإنسان والحقوق والحريات الأساسية للمواطنين من جانب ، والجانب الثاني هو حماية الأمن القومي للبلاد. ونحن علي ثقة أن كل مواطن مصري شريف قرأ هذا القانون واطلع عليه سوف يجد بسهولة أنه يوازن تماما بين حماية الحقوق والحريات وبين حماية الأمن القومي المصري ، أما من يذكر أن القانون به ملاحظات فنؤكد أن هذا يعود لأمرين أما لعدم علمه أو قراءة غير متأنية للقانون أو أن يكون متعمدا لمحاولة إظهار أن القانون يغلب مصلحة النظام السياسي علي حساب الحريات ومثل هؤلاء معروفين للكافة ومن أصحاب الأجندات الذين يعملون لصالح أجندات محلية أو لمصلحة الصهيونية والمخططات الاستعمارية والتي تستهدف دوما لزعزعة الأمن والاستقرار داخل البلاد لإعاقة حركة التنمية وإشاعة أجواء الاضطراب بين المواطنين. يقول البعض أن القانون يعد صفعة جديدة للدستور ويهدم دولة القانون..فما رأيكم؟ الدستور هو القانون الأسمي في كل الدول بالمجتمع الدولي ، وحينما يتم وضع القوانين لابد أن تكون متفقة مع المبادئ الدستورية الواردة في دستور الدولة وإلا سيطعن عليها بعدم الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا ، والمشرع الذي وضع قانون الإرهاب يعي تماما أن عليه الالتزام بكل مواد الدستور ، ويعلم علم اليقين أنه في حال مخالفته مادة من مواد الدستور سيطعن علي القانون بعدم الدستورية، كما أن الهدف من هذا القانون هو حماية المواطنين والدولة المصرية وهذا هدف الدستور نفسه مما يؤكد عدم وجود تعارض بين الدستور والقانون ، ولذا فكل ما ورد في القانون من مواد ليس به أي مخالفة لمواد الدستور . وما قولك في قول البعض بأن القانون توسع في دائرة التجريم واستخدم تعريفات غير دقيقة وأفعالا غير محددة ، مما سيؤدي لإلصاق تهم إرهابية لأي شخص ؟ هذه الأقوال والعبارات موجودة في كل قوانين العالم ، وللتدليل علي ذلك نذكر أن الرئيس اوباما حينما خرج عقب إدانة أمريكا من قبل لجنة مناهضة التعذيب منذ عدة شهور لارتكابها انتهاكات شديدة في حقوق الإنسان بمعسكرات ابوغريب وجوانتاناموا ، وثبت وقوع هذه التجاوزات ، خرج اوباما يقول بملء فيه أنه رغم وجود هذه التجاوزات إلا أن رجال السي أي إيه ورجال الأمن الأمريكيين قد عرضوا أنفسهم لخطر جسيم في المأموريات التي قبضوا فيها علي هؤلاء الارهابيين داخل أمريكا وخارجها وكادوا يفقدون حياتهم وهم يعملون بهدف امن المواطنين الأمن القومي الامريكي ، ونتساءل هنا لماذا يعترض علينا هؤلاء عندما نعمل جاهدين من أجل حماية الأمن القومي المصري من خلال قانون مكافحة الإرهاب وهو قانون عادل جدا تأخرنا كثيرا في إصداره للقضاء علي الإرهاب والتوجه للتنمية؟