عندما بادرت دولة الإمارات مبكرا فى التصدى إلى فتنة الإخوان المسلمين فى العالم العربي، كانت تستشف ما يمكن أن تقود إليه هذه الفتنة من تداعيات كبيرة فى المنطقة. كان المسعى الإخوانى لاستغلال تطلعات التغيير الحقيقى فى توفير فرصة للمشروع السياسى الخاص بالجماعة للوصول إلى الحكم، تحت مسميات تقديم الحل اختطف الإخوان المطالب الشعبية المحقة واستبدلوها بتخريب سياسى لبناء الدولة وتهديد الأمن، وصولا إلى الحال المزرى الذى نعيشه اليوم. الإماراتيون تحركوا قبل غيرهم، إدراكا منهم أن العالم العربى عاش لحظة بناء تاريخية ابتدأت منذ الخمسينيات واستمرت إلى يومنا هذا. نقلت مرحلة البناء التاريخى هذه عالمنا من واقع متخلف هو تركة العهد العثمانى وعهد الاستعمار، وأخذت به إلى عصر التنوير والتعليم والصحة والبناء. وقدمت الأجيال منذ ذلك الحين الكثير من التضحيات لتشييد بناء اجتماعى وسياسى معقول بالمقارنة مع الكثير من دول العالم. هذه اللحظة التاريخية قد لا تتكرر وكان من الضرورى الحفاظ على المكتسبات ومنع العبث بها، وأن يكون الإصلاح المطلوب والضرورى مع كل تغيرات سياسية واجتماعية واقتصادية كبري، يكون بناء وتدريجيا ولا يمكن أن يكون مبنيا على تخريب ما تحقق من انجازات. عمق الفتنة وآثارها نلمسهما فى بلدان كثيرة فى عالمنا العربى ومصر منها. لكن ما حدث ويحدث فى اليمن، ربما هو الدليل الأكثر وضوحا على ما كانت الإمارات تحذر منه منذ فترة. خرّب الإخوان الدولة اليمنية، وأبقوا عمليا على حكم الرئيس السابق على عبدالله صالح، لغايات فى أنفسهم. لم يتركوا ركنا فى اليمن إلا وعاثوا فيه مما فتح المجال للحوثيين، ومن خلفهم إيران، إلى تنفيذ عملية هدم منظمة لكل شيء له قيمة فى اليمن. الحوثيون اليوم لا يهددون الدولة اليمنية كما نعرفها، لكن يهددون المنطقة ككل. هم الفرع الجنوبى من مشروع الكماشة الإيرانية التى بدأت فى لبنان وتعززت فى السودان والعراق، ووصلت إلى سوريا على بحر من الدماء. هذا ما أوصلنا إلى الحرب الدائرة اليوم فى اليمن. وهذا ما جعل المملكة العربية السعودية تقود التحالف لضرب الحوثيين ومن خلفهم إيران، وهذا ما يجعل الإمارات اليوم تقدم التضحيات الكبرى من بلد يعرف الناس بعضهم البعض بالأسماء بحكم العدد والترابط القبلى والأسري. المسئولية الأخلاقية والسياسية هى التى دفعت الإماراتيين دائما إلى التحرك وتقديم الدعم المادى والمعنوى للشعوب العربية. كانت الإمارات سباقة فى رصد الأموال والإمكانات لإقامة المشاريع فى مصر واليمن. فى اليمن تحديدا كان الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان من أعاد بناء سد مأرب عام 1986 ليساعد فى إطلاق ثورة زراعية جعلت اليمن شبه مستقل فى الإنتاج الزراعي. واستمرت المشاريع الاقتصادية والإنسانية الإماراتية فى اليمن، لكنها أيضا فتحت أبوابها منذ الستينيات لليمنيين لكى يقيموا ويعملوا على أرضها، ما جعلهم مصدرا دائما للتحويلات التى تسهم بشكل فعال فى إسناد الاقتصاد اليمني. وقفت الإمارات مع اليمن فى محن الحروب التى عصفت به وساعدت على التئام جروح حرب 1994 ولم تفرق بين سنى وزيدي، عندما اشتعلت حروب الحوثيين مع جيش على عبدالله صالح. كانت مخيمات المهجرين من صعدة تستقبل الجميع دون تفرقة وتوفر لهم الطعام والكساء والرعاية الصحية والمدارس. اليوم تقف الإمارات مع الشرعية وضد فتنة الإخوان - الحوثيين - صالح المركبة، وتقدم أبناءها شهداء فى معركة تحرير اليمن. هذه تضحيات كبيرة من بلد يحس بعظم المسئولية، ويتحرك بدوافع سامية لا هدف لها إلا السلام والعدل فى عالم متقلب ضاعت فيه هذه الصفات. المال والبنون هما أغلى ما لدى البشر. هذان ما تقدمهما الإمارات اليوم فى معركة الحق على الباطل. لمزيد من مقالات أحمد أبو دوح