في عصر العولمة وشبكات التواصل الاجتماعي والموبايل والسايبر والواتس أب وألعاب الفيديو .. حرمت لبني محمود عبد الباسط من كل هذا وذاك، في قريتها النائية بصعيد مصر. ولم تعرف من تكنولوجيا العصر ووسائل الترفيه التي تسيطر على عقول شباب وبنات اليوم إلا الراديو المثبت على إذاعة القرآن الكريم صباح مساء، كما اعتاد أبواها اللذان لم ينالا حظا من التعليم، مما حفزهما على تعليم أبنائهما. نشأت في قرية "الطليحات" التابعة لمركز جهينة بمحافظة سوهاج، نشأة مغايرة لأقرانها، واجتذبها القرآن الكريم فدعاها الى الاستماع اليه وحفظه، فلبت النداء وحفظت القرآن خلال اربع سنوات من الاستماع الى نجوم التلاوة في اذاعة القرآن الكريم، حتى أتمت حفظه في التاسعة من عمرها. ولبني التي يسميها اهالى قريتها ب « الملاك» مثال ونموذج حي على ان حفظ القرآن الكريم منة ومنحة من الله تبارك وتعالى يختص بها من يشاء من عباده ليحفظه في قلبه كما حفظه في اللوح المنشور ، قال تعالى : " وكذلك يجتبيك ربك ليعلمك من تأويل الأحاديث" . وها هي لبني محمود عبد الباسط تردد القرآن على أسماع الكبار قبل الصغار من أهل قريتها حفظا ودراية وتعليما وهي في سن الطفولة لتصبح بذلك أصغر معلمة للقرآن الكريم في صعيد مصر. وفازت بالمركز الأول فى حفظ القرآن الكريم كاملا. مع"الملاك البرىء" كما يلقبها أهل قريتها، كان لنا هذا الحوار. متى كانت البداية في مشوار القرآن الكريم؟ حينما بلغت الخامسة من عمري كنت أستمع إلى إذاعة القرآن الكريم فأشعر بالطمأنينة والسكينة وأردد الآيات وراء شيوخ القراءة حتى حفظت جل القرآن عن طريق الاستماع إلى كبار القراء. وما الخطوة التي تلتها؟ طلبت من والديَّ أن يذهبا بي إلى الكتاب حتى أتم ما بدأته من متابعة إذاعة القرآن الكريم، وفى الكتاب تعلمت على يد معلمي وشيخي محمود عوض أبو الحسن الذي كان دائم التشجيع والتحفيز لي، وأكد لوالدي وشقيقتي أن لدى ملكة حفظ جيدة، وتنبأ لي أن أكون داعية إسلامية، وكان لهذا الكلام وقع السحر على والدي فكثف لي مسألة الحفظ. وما الطريقة التي اتبعتها فى الحفظ؟ كنت أحفظ صفحة يوميا من المصحف، لكنى استطعت أن أحقق قفزات سريعة حتى نجحت في حفظ أكثر من صفحة يوميا، ومنذ تلك اللحظة التي يسر لي الله فيها أمر الحفظ طمحت إلى أن أختم المصحف مع مراعاة أحكام التجويد حتى أكرمني الله بحفظ القرآن في أربع سنوات، وكنت ساعتها في التاسعة من عمري. وهل شاركت في مسابقات القرآن الكريم؟ كان معلمي حريصا على إشراكي في كل المسابقات سواء على مستوى القرية أو المدينة أو المحافظة، واشتركت في رمضان الماضي في أكثر من مسابقة على مستوى المحافظة وحصلت على المركز الأول فيها جميعا. وأخيرا اشتركت هذا العام في مسابقة وزارة الأوقاف في حفظ القرآن الكريم كاملا، وحصلت على المركز الثالث بنسبة92% . وما البرنامج الذي تعتمدينه في مراجعة القرآن؟ القرآن الحكيم سريع التفلت من بعد الحفظ فإن لم تراجعه بشكل دائم تفلت منك كما ينفلت الماء من اليد، ولذا أراجع القرآن باستمرار حتى إنني أختمه كل ثلاثة أيام، ولكن المراجعة وحدها لا تكفى لتثبيت حفظ كتاب الله وإنما ينبغي لمن يريد أن يحفظ الكتاب أن يعمل بمحكم التنزيل، فيكون الكتاب هو الحافظ له بدلا من أن يكون المرء هو الحافظ، فمن يحفظ الكتاب يحفظه الكتاب. بصفتك أصغر معلمة للقرآن هل تجدين صعوبة في تعليمه لمن هو أكبر منك؟ بالعكس فلا أجد أي صعوبة في تعليم الكبار أو الصغار على الإطلاق، فكل الذين يرغبون في حفظ كتاب الله عز وجل حريصون كل الحرص على التعاون معي، وكلهم متفاهمون جدا ولا أخفى أن هناك إقبالا كبيرا من أهل القرية سواء من أولياء الأمور أو من الأطفال على التسابق في حفظ كتاب الله. وهل يؤثر حفظك المبكر للقرآن على مسيرتك الدراسية؟ يقول الله سبحانه وتعالى (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) فهل تعتقد أن الله عز وجل يحفظ كتابه ولا يحفظ من يحفظ الكتاب، بل إنني على يقين أن حفظ الكتاب إنما يكون بحفظ الحافظين له العاملين بما فيه من أحكام، وإن عملي في تعليم القرآن ليساعدني على التفوق في دراستي، حيث إنني بفضل من الله تعالى من الأوائل في المدرسة، وقد اجتزت الصف الأول الإعدادي.