الأنبا إيلاريون يشارك في احتفالات نهضة العذراء بوادي النطرون    الاستجابة ل2923 شكوى وطلبًا للمواطنين بالشرقية خلال يوليو 2025    سعر اليورو اليوم الجمعة 15 أغسطس 2025 أمام الجنيه في البنوك المصرية    رئيس "البحوث الزراعية" يستقبل مدير مركز البحوث البستانية بالسودان لبحث التعاون    مخطط E1 الاستيطاني.. خطوات إسرائيل لفصل القدس الشرقية وتهديد حل الدولتين    ترامب: أريد رؤية الصحفيين يحصلون على حق الوصول إلى غزة    نعيم قاسم: فلسطين ستبقى البوصلة والعدوان الإسرائيلي لن يثنى الشعب عن المقاومة    أصاب 4 أشخاص وأتلف 3 سيارات.. تفاصيل محاولة هروب قائد سيارة حادث أكتوبر    تشييع جثامين ضحايا حريق مخزن بلاستيك في القناطر الخيرية    خبير أثرى: افتتاح المتحف الكبير سيجذب أكثر من 20 مليون سائح حول العالم    إعلام إسرائيلي: الجيش شكل وحدة خاصة مهمتها اغتيال الصحفيين في غزة    راحة يوم واحد ل"المصري" بعد الفوز على طلائع الجيش استعدادًا لمواجهة بيراميدز    أبرز مباريات اليوم.. الأهلي ضد فاركو.. وصلاح يقص شريط البريميرليج    هشام حنفي يقدم نصيحة خاصة ل ريبيرو قبل مواجهة فاركو    أسعار الأسماك بأسواق كفر الشيخ اليوم الجمعة    انتهاء مهلة إصدار محفظة الكاش مجانا في بنك القاهرة اليوم    تفاصيل الطقس والظواهر الجوية المرتقبة.. شديد الحرارة رطب نهارا حار ليلا    إصابة 3 أشخاص إثر انهيار منزل مكون من طابقين بقنا    في ظروف غامضة.. وفاة ربة منزل بطهطا في سوهاج    محافظ أسيوط يتفقد محطة مياه البورة ويوجه بتحليل عينات لمتابعة الجودة    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 15- 8- 2025 والقنوات الناقلة    لاعب الأهلي السابق يوضح سبب تراجع بيراميدز في بداية الدوري    عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الجمعة 15-8-2025 بالصاغة (آخر تحديث رسمي)    إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم سيارتين بشمال سيناء    قرارات من النيابة في حادث مطاردة "فتيات أكتوبر" على طريق الواحات    موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 للموظفين.. «إجازه مولد النبي كام يوم؟»    أشرف زكي يفرض الصمت الإعلامي حول أزمة بدرية طلبة لحين انتهاء التحقيق"    علاء زينهم: عادل إمام كان يفتخر بكفاحي وعملي سائق تاكسي قبل المسرح    أجمل رسائل تهنئة المولد النبوي الشريف مكتوبة    أمل جديد للنساء، فحص دم مبكر يرصد سرطان المبيض بدقة في مراحله المبكرة    حكام مالي العسكريون يعتقلون جنرالين وآخرين في مؤامرة انقلاب مزعومة    اليوم، الإدارية العليا تبدأ في نظر طعون نتيجة انتخابات مجلس الشيوخ 2025    محمد عباس يدير مباراة الزمالك والمقاولون بالدوري    مفتي الجمهورية يستنكر التصريحات المتهورة حول أكذوبة «إسرائيل الكبرى»    هشام عباس يحيي حفلًا كبيرًا في مهرجان القلعة الدولي للموسيقى والغناء 18 أغسطس    ليلة رعب بالقليوبية.. معركة بالأسلحة البيضاء تنتهي بسقوط المتهمين بالخصوص    كم فوائد 100 ألف جنيه في البنك شهريًا 2025؟ أعلى عائد شهادات في البنوك اليوم    لا تتجاهل هذه العلامات.. 4 إشارات مبكرة للنوبة القلبية تستحق الانتباه    أول ظهور للفنانة ليلى علوي بعد تعرضها لحادث سير بالساحل الشمالي (فيديو)    لافروف ودارتشييف يصلان إلى ألاسكا حيث ستعقد القمة الروسية الأمريكية    نفحات يوم الجمعة.. الأفضل الأدعية المستحبة في يوم الجمعة لمغفرة الذنوب    د.حماد عبدالله يكتب: الضرب فى الميت حرام !!    ما هو حكم سماع سورة الكهف من الهاتف يوم الجمعة.. وهل له نفس أجر قراءتها؟ أمين الفتوى يجيب    بدرية طلبة تتصدر تريند جوجل بعد اعتذار علني وتحويلها للتحقيق من قِبل نقابة المهن التمثيلية    تامر حسني: أردت أن يكون «لينا معاد» عملا متكاملا.. والألبوم تطلب مجهودا خرافيا لجمع الأذواق    طريقة عمل سلطة التبولة بمذاق مميز ولا يقاوم    رسميًا ..مد سن الخدمة بعد المعاش للمعلمين بتعديلات قانون التعليم 2025    خالد الغندور: عبد الله السعيد يُبعد ناصر ماهر عن "مركز 10" في الزمالك    بيراميدز يخوض ودية جديدة استعدادا للمواجهات المقبلة في الدوري    رسميًا الآن.. رابط نتيجة تنسيق رياض أطفال 2025 محافظة القاهرة (استعلم)    «اللهم ارزقنا لذة النظر إلى وجهك الكريم».. دعاء يوم الجمعة ردده الآن لطلب الرحمة والمغفرة    محافظ نابلس: الاحتلال يشن حرب استنزاف ومصر تقود الموقف العربى ضد التهجير    #رابعة يتصدر في يوم الذكرى ال12 .. ومراقبون: مش ناسيين حق الشهداء والمصابين    «كنت مستنياه على الغدا».. ريهام عبدالغفور تتحدث عن معاناتها نفسيا بعد مصرع والدها    هترجع جديدة.. أفضل الحيل ل إزالة بقع الملابس البيضاء والحفاظ عليها    تناولها يوميًا.. 5 أطعمة تمنح قلبك دفعة صحية    تعرف على عقوبة تداول بيانات شخصية دون موافقة صاحبها    وزير البترول يكلف عبير الشربيني بمهام المتحدث الرسمي للوزارة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القراَن فى مصر

كنت أظن فى نعومة أظفارى أن والدى الذى ينتهى من قراءة القرآن تلاوةً وحفظَا كل ثلاثة أيام، أنه الحافظ الوحيد لكتاب الله فى مصر. لكن مع دخولى فترة الشباب وازدياد معارفى وكثرة انتقالى بين المدن والمحافظات المصرية تراجعت هذه النظرة عن أبى، وأدركت أن مصر تعج بالآلاف مثل أبى وأكثر، بل ويفوقون ويبزونه.. فكلما يقودك الحظ للصلاة فى أكبر عدد من المساجد وتسمع للقراء والمصلين فيها، يزداد يقينك بأن هذا البلد هو البلد الوحيد فى العالم الذى خلق من أجل القرآن.. ففيها من القراء والحفاظ ما لا حصر لهم ولا عد.. وفيها من المتغنين بكتاب الله ممن يجعلون قلبك ينفطر من شدة التدبر، ومن عذوبة القراءة.. لتشكر المولى - سبحانه وتعالى - على هذا النعيم المترامى داخل مساجدنا وفى قلوب المصريين العامرة بالإيمان وحب القرآن.
وإذا كانت العادة قد جرت عند التباهى بفضائل مصرنا الحبيبة بالإشارة إلى عدد ورود ذكرها فى القرآن، وأنه يتجاوز الأربعة وعشرين مرة؛ خمسة منها بصريح اللفظ، وتسعة عشر توضحه المعانى والقرائن، غير أنه لا يوجد فخر ومباهاة بحال القرآن فى مصر.. فمصرنا الحبيبة هى البلد الوحيد الذى يتجاوز عدد حفاظه 7 ملايين حافظ فى أقل تقدير.. لهذا تعد معهدًا حيًا ومفتوحًا لقراءة القرآن وحفظه وتعليمه.. ولعل عدد المساجد الذى تجاوز77674 مسجدًا، وضعفها من الزوايا، وكتاتيب تجاوزت الثلاثين ألفًا، وعوائد ل 2978 وقفية لدى هيئة الأوقاف المصرية للإنفاق على الكتاتيب ومكاتب التحفيظ فى القرى والنجوع، ناهيك عن آلاف المعاهد والمدارس الأزهرية والأهلية والخيرية والخاصة، فضلاً عن الجهود الفردية والجمعيات والمؤسسات القائمة على التعليم والتحفيظ، هو الذى أوجد هذه الفاعلية لمصر مع القرآن، ويسر لأهلها تلك المكانة المتميزة بين مسلمى العالم.
فالقراّن فى مصر هو منهج للحياة، ونظام للحكم، ومصدر للإلهام والتميز، قامت به حضارتها فى السابق، ونهضت عليه مكانتها وتفوقها فى اللاحق.. لذا فإنه الدرس الأول الذى يتربى عليه أبناؤها منذ الصغر هو وجوب قراءة القرآن تلاوة وتدبرًا وحفظًا.. ولهذا ترى فيهم من يوظفه طول حياته فى عسره ويسره، وسفره وإقامته، وحربه وسلمه.. ومنهم من يبدأ يومه بالقرآن ويختمه بالقرآن.. بل درج المصريون على إقامة حفل لأبنائهم بمناسبة ختمهم له.. ولعل الجهود التى بذلت فى إقامة مدارس ومعاهد خاصة بتحفيظ القرآن الكريم، فضلاً عن الكليات الأزهرية والأقسام المتخصصة فى بعض الجامعات المصرية، وعشرات الآلاف من الكتاتيب، هى التى رسخت تفوق المصريين فى حفظهم للقرآن الكريم عبر الأجيال المتوالية.. وهى التى حافظت على اللغة واللسان العربى المستقيم وعلى تراث الأمة عبر الزمن.
ولعل الدور الذى لعبه المشايخ والكتاتيب فى حفظ الهوية العربية والإسلامية فى العصر الاستعمارى، يدلل على أن تمسك المصريين بكتاب الله، هو الذى حفظهم بحفظه من تغيير ألسنتهم لأى لغة أوروبية كما حدث لغيرهم.. لذا، فإنه حينما حدث تراجع فى مستوى الأداء القرآنى فى مصر فى الفترات الأخيرة قبل الثورة، عبر قلة الإنجازات المصرية فى المسابقات الدينية الدولية، هاجم البعض هذا التراجع ولفظوه.. فمع أن مصر هى بلد الحفظة والحاملين لكتاب الله فى العالم الإسلامى، فى كل ألوان واتجاهات المسابقات العالمية، غير أن ترك دعمها للكتاتيب والمحفظين قد هدد بزوال دولة التلاوة المصرية.. تلك الدولة التى ظلت على مر السنين معقلاً لتلاوة القرآن الكريم فى العالم الإسلامى.. ولعل الدور الذى لعبته الجمعيات المصرية والشرعية فى ممارسة نشاطها المتعلق بالقرآن الكريم وعلومه، والدور الذى لعبته إذاعة القران الكريم منذ إنشائها فى 29 مارس 1964 واهتمامها بإذاعته مرتلاً ومجودًا بصوت مشاهير القراء، ثم تقديم البرامج الخاصة بتفسير آيات القرآن الكريم وتوضيح معانيه وقيمه، وتغطيتها للمسابقات الدولية لحفظ القرآن الكريم وتجويده وتفسيره، هو الذى أوجد تلك المكانة المتميزة لمصر فى العالم العربى والإسلامى.
ففى أى مكان على ظهر البسيطة يوجد هذا الذى لا يعرف القراء المصريين أمثال، الشيخ الحصرى، والشعشاعى، والبنا، ومحمد رفعت، والمنشاوى، ومصطفى إسماعيل، وعبد الباسط عبد الصمد؟!
بل إن مصر هى الدولة الوحيدة التى دشنت بدعة القراءة بالمقامات الموسيقية.. بل تمتع قراؤها بحب المسلمين جميعًا، فأصبحوا هم سدنة القرآن على مدى المائتين سنة الأخيرة.. فمنهم من كان قارئ الخلافة العثمانية، ومنهم من كان، ولا يزال، قارئًا للملوك والأمراء والرؤساء فى العالم العربى والإسلامى.. ولعل الدور الذى لعبته مصر فى كتابة وطبع المصاحف يخلد مكانتها فى الحفاظ على القرآن الكريم.. كذلك فإن الدور الذى لعبته اللجنة العليا لمشيخة الأزهر منذ إنشائها سنة 1923م، مستعينة بكبار العلماء فى ضبط المصحف ورسمه وشكله، هو الذى مكنها من كتابة القرآن موافقًا للرسم العثمانى، وعلى قراءة عاصم بن أبى النجود الكوفى، وبرواية حفص بن سليمان الكوفى.. وجعلها تتمكن من طباعته طبعة أنيقة تلقاها العالم الإسلامى حينها بالغبطة، فكانت الأساس لانتشار طبعات القرآن الأخرى.. بل لو تابعت عناوين المكاتب والمعاهد والمساجد والجمعيات التى تقوم بتحفيظ القرآن الكريم فى مصر لتعبت من العد وما وصلت لحصر.. بل إن متابعة تلك المراكز عبر القاهرة والإسكندرية فقط يجهدك غاية الجهد والتعب. لهذا فإن مصر هى بلد القرآن بلا منازع، من بزها فيه بزته، ومن نازعها فيه كشفت له مكنون الجواهر، وأخرجت له نفائس الذهب من الحفاظ والمقرئين.. فاللهم أدمها نعمةً عليها وعلى أبنائها، وبفضل حفظها للقرآن احفظها واحفظنا بحفظك، وإنقذها من عثراتها وعثراتنا يا كريم.
د. أحمد عبد الدايم محمد حسين- أستاذ مساعد التاريخ الحديث والمعاصر- جامعة القاهرة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.