لا يسع أى سورى مهما كان إلا أن يحمل على عاتقه هموم بلاده، ويحاول التكاتف مع من يستطيع لإيجاد حل سياسى ينقذ سوريا من الدمار والإرهاب. جمال سليمان هو فى المقام الأول فنان، ولكنه يحاول مثل آخرين من السوريين الوطنيين إيجاد حل للأزمة السورية المتفاقمة. ينتمى جمال سليمان للتيار الوطنى الديمقراطى وهو حاليا عضو لجنة المتابعة لمؤتمر القاهرة للمعارضة السورية. وضمن آخرين من المعارضين للنظام فى سوريا يرى أن التدخل العسكرى لم ولن يكون أبدا حلا مطروحا، ولكن الحل الوحيد هو تشكيل حكومة وطنية انتقالية تعمل على إعادة بناء ما تم تدميره مع ضرورة الحفاظ على وحدة وكيان الأراضى السورية وتخليصها من الإرهاب. وقال فى حوار ل «الأهرام» ان أى اتفاق يتم التوصل إليه لابد وأن يتم تحت إشراف دولى حيث تحولت القضية السورية من ملف قائم بذاته إلى ملف إقليمى ودولى نظرا لتورط العديد من الأطراف فيه وفقا لمصلحة كل منها. وأكد أنه بالرغم من الغموض الذى يحيط بالموقف الروسي، إلا أن الجميع يعلم بصدق نية الروس، لإيجاد حل ولكن لن يكون الحل هو الإبقاء على النظام المستبد فى سوريا مع إضافة واجهات تجميلية إليه. وأشاد سليمان بالموقف المصرى الذى تقدره جميع الأطراف، حيث أن مصر لم تكن أبدا طرفا فى النزاع ويرى الجميع أن يديها نظيفتان تماما، لذا يتم تقدير المشورة والنصح المقدم من الجانب المصرى خلافا للعديد من دول المنطقة. وفيما يلى نص الحوار: كيف ترى ما آل إليه الوضع فى سوريا الآن؟ الوضع فى سوريا الآن أصبح مأساويا وكل يوم تزداد المسألة تعقيدا، فمع الأسف أصبحت سوريا جزءا من ملف إقليمى ودولى وليست ملفا قائما بذاته، وخرج الامر عن سيطرة السوريين، نظاما ومعارضة. كل يوم يزداد الدمار والضحايا وترتفع مخاطر غياب المؤسسات والدولة.وبدأنا نسمع سيناريوهات غريبة لم تخطر على بال أحد من قبل وهى سيناريوهات خاصة بالتقسيم أى تقسيم الأراضى السورية وهناك حالة من الانقسام الاجتماعى الحاد وهناك أفكار وعقائد ليست وطنية ولا تخدم القضية الوطنية. وما وصل اليه الامر هو نتيجة عوامل كثيرة، أهمها أن النظام السورى تعامل منذ البداية بعنف مع متظاهرين سلميين لم يرفعوا حتى شعار إسقاط النظام بل رفعوا شعارا يطالب بالإصلاح السياسى والتغيير الديمقراطي، وكانت هذه الشعارات خالية تماما من أى نفس طائفى أو مطالبة بتدخل خارجى أو أى مطالب تعجيزية. ولكن استخدم النظام العنف وأعتقل المئات والآلاف من الشباب كان أغلبهم فى الثلاثينات من عمرهم وملأ النظام بهم السجون وقتل الكثيرين. وبدأت الأمور تنتقل ليد من هم أصغر سنا أى الجيل الأصغر والأصغر والأقل وعيا والأكثر حماسا المليء بمشاعر الانتقام والخوف والرعب. ومن ثم بدأت بالتدريج فكرة التسليح والتسلح فبدأت تجنح هذه الثورة السلمية نحو حمل السلاح والتسلح. وأعتقد أن النظام سهل ذلك بل فضله أيضا ليظهر أمام العالم وكأنه يتعامل مع مسلحين يعتدون على مؤسسات الدولة ويطلقون النار على رجال الأمن ويرفعون شعارات طائفية أو دينية مذهبية تكفيرية، بينما يظهر النظام بمظهر النظام العلمانى الذى يدافع عن الدولة. فالنظام بحلوله العنيفة قاد المسألة لما هى عليه الآن. ما حدث فى سوريا من تدمير وقتل هو تكلفة كبيرة جدا والتعويض عنها الوحيد هو الانتقال الديمقراطى العميق، ومن ساهموا فى وصول الامور لما هى عليه الان يجب ان يخلوا أماكنهم ويعطوا أماكنهم لسوريين قادرين ،بالتعاون مع المجتمع الدولى والإقليمي، على تحويل مسار هذه السفينة تجاه شاطيء الامان. فمع حجم الدمار الكبير، لا يمكن لأحد أن يتخيل وجود تغيير كبير ملحوظ يحدث بين ليلة وضحاها، فالأمر ليس تدمير طرقات وأبنية بل هو تشريد الآلاف وخروج نحو أربعة ملايين طفل من التعليم على مدى الثلاث أو الاربع سنوات الماضية، وهناك جروح عميقة فى الاجساد والنفوس. ويجب النظر للشأن السورى بموضوعية شديدة دون تحيز وبلا ضغينة أو تصورات مسبقة بل يجب النظر لهذا الشأن بضمير وحس أخلاقي. هل كان خيار التدخل العسكرى الدولى مطروحا فى أى من الاوقات من قبل المعارضة السورية؟ لا.. هذا الحل لم يكن مطروحا أبدا حتى منذ البداية، والنظام السورى والرئيس بشار الأسد كانا يعرفان جيدا أنه لا يمكن حدوث تدخل عسكرى مثلما حدث فى ليبيا. هناك من دعوا للتدخل العسكرى الدولي، ولكننا رفضنا ذلك لان كل حالات التدخل العسكرى سواء فى ليبيا أو العراق أو غيرهما لم تمر أبدا عن نتائج إيجابية طيبة. حتى لو كان تدخلا عربيا مثلما حدث فى اليمن خاصة مع فكرة إنشاء قوة عربية مشتركة؟ لا، فالأفضل دائما هو التدخل والضغط السياسى وليس العسكري، فالتدخل العسكرى نتائجه كارثية ولا أعتقد أنه مع طبيعة الصراع الموجود فى سوريا الآن يمكن لطرف أن يقف متفرجا على تدخل طرف أخر عسكريا، وأى تدخل عسكرى سيحول سوريا لرقعة لمزيد من الحروب. ذكرت ضرورة تسليم زمام الأمور لسوريين قادرين على تحويل مسار السفينة للأمان ، فهل هؤلاء القادرون موجودون بالفعل؟ إذا لم يكونوا موجودين فلا داعى لوجود بلد مثل سوريا. فهل كان بشار الأسد قادرا على الإبحار بهذه السفينة؟!!! بالطبع هؤلاء موجودون فسوريا بلد عظيم وهى ومصر رائدتا النهضة العربية الحديثة، فكثير من الأدب والفكر السياسى نتاج سورى أحد أهم مراجع وكتب العلم السياسى الحديث هو « طبائع الاستبداد» لعبدالرحمن الكواكبي. والسوريون رواد فى الحركات السياسية وكانوا شركاء فى كتابة ميثاق الأممالمتحدة وعاشوا فترة ديمقراطية عظيمة جدا، فحتما ستكون الكلمة الاخيرة لأصحاب الاوطان الحقيقيين. هل يبقى بشار الأسد جزءا من حل الأزمة السورية ولو مؤقتا؟ هذا هو السؤال الذى يطرح فى كل مكان وفى كل المحافل الدولية وهو سؤال صعب جدا. بالطبع سيرفض بشار الأسد التنازل ولكن هل من المقبول بقاؤه حاكما لسوريا؟! وهل سيقبل هو بكلمة مؤقتا؟! فى حالة الوصول لحل سياسى يجب أن تتوافر فيه ثلاثة محاور: أولا، إنجاز التغيير الديمقراطى, ثانيا، معركة محاربة الإرهاب ثالثا، معركة البناء، ولا أعنى بذلك الأعمدة والشوارع والأبنية، ولكن إعادة بناء العلاقات الاجتماعية والعلاقات الوطنية بين المكونات الأساسية للمجتمع السورى التى تباعدت بشكل كبير. وهل يمكن قبول بشار الأسد التنازل عن الحكم مقابل ضمانات بعدم تعرضه للمحاكمة أو القتل؟ لا أستطيع أبدا تحديد ذلك ولكن كمواطن سورى رأيى هو أنه بكل حوار سياسى وبكل تسوية سياسية لابد على كل الأطراف تقديم تنازلات وأحيانا نضطر لدفع الشر الأكبر بالشر الأصغر،. كيف ترى موقف المجتمع الدولى منذ اندلاع الأزمة السورية حتى الآن؟ لا أحد يرعى جمعية خيرية، فكل الدول تبحث عن مصالحها، والمصالح متغيرة والظروف تتغير فتتغير المصالح. يجب أن نرى خارطة التوزيع السياسى الدولى وطبيعة تيارات التأثير فى القضية السورية. واليوم أكثر من اى وقت مضى نحن نقع تحت رحمة المشهد السياسى الدولى والتأثيرات الخارجية، وبالتالى كسوريين وطنيين يجب أن نسعى للمجتمع الدولى عبر الإعلام وعبر المحافل السياسية والدولية والبرلمانات لنحاول أن نجعل القرار الدولى أقرب ما يكون للمصلحة السورية . وأكرر أن أى اتفاق، كما جاء فى إعلان القاهرة، أى أن أى حل سياسى لابد أن يكون له ضمانات دولية لأن النظام السورى جعل الأمور تخرج خارج القدرة السورية. وما المطلوب حاليا من المجتمع الدولي؟ لابد من إيجاد تفاهم أمريكى أوروبى روسى على المستوى الدولي، وعلى المستوى الإقليمى فهناك دول مؤثرة فى القضية السورية مثل قطر وتركيا وهناك دور فعال ومهم لمصر. إذا فلابد على كل هذه الدول إجبار جميع الأطراف على البدء فى التفاوض وفقا لمبادئ جنيف التى تطالب بوجود حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات للتحضير للانتخابات وأمور أخري. وقد طالبنا بعقد مؤتمر وطنى تحت رعاية الأممالمتحدة يضم جميع الأطياف السورية بما فيها المسلحة غير المصنفة إرهابيا من أجل العمل على تحقيق التغيير السياسى . وكيف يمكن مواجهة هذا الكم من الإرهاب داخل سوريا؟ أولا لابد أن نعلم أن هؤلاء الأطفال الذين اضطروا للخروج من المنظومة التعليمية على مدى السنوات الأربع الماضية بسبب الظروف فى سوريا، يسهل جدا ضمهم لاى تنظيم إرهابى مثل داعش. وبالفعل يتم استقطاب هؤلاء الأطفال للقيام بعمليات انتحارية. ولا يمكن أن يكون المجتمع الدولى عاجزا عن مواجهة تنظيم داعش فلو كان ذلك صحيحا فلنجعل داعش تحكم الكرة الأرضية. المجتمع الدولى قادر على القضاء على هذا التنظيم الإرهابى وقتما شاء. والحقيقة أننا لن نعرف أبدا حقيقة هذا التنظيم الإرهابى ولو بعد عشرين عاما، لن نعرف من وكيف ولماذا وداعش صناعة من وهل هذا التنظيم كيان واحد أم عدة كيانات. فتنظيم داعش ليس صناعة طرف واحد بعينه ولا يخدم طرفا واحدا فقط. وعندما تنتفى الأسباب من هذا التنظيم سيموت، فهو تنظيم لا يملك مصانع للأسلحة ولا مطابع للدولارات ولا تناسب داعش هوى الشعب السورى أو الشعوب العربية فهى لا تمثل الإسلام الحقيقي، فأنا كفنان ارتدت أفخم وأفقر الأماكن فى سوريا ولا يمثل تنظيم داعش أيا منها. فمهما يكن مستوى الفرد السورى فهو لا يطالب بحرق أو ذبح أو عنف. ماذا عن الموقف المصري؟ نحن نقدر بشدة الموقف المصرى ونحن فى حوار دائم وإيجابى مع الجانب المصري، ونرى فى المصريين دائما إخوة وأصدقاء يتفهمون ما نقول ويقدمون المشورة والنصيحة، خلافا لكثير من الدول، فنحن فى حالة تفاعل طيب وإيجابى مع مصر. وقد استضافت القاهرة مؤتمرى القاهرة الأول والثانى للمعارضة السورية فى محاولة لوضع حلول وإحداث تقدم بالنسبة للأزمة السورية. وتتميز مصر بأنها الدولة الكبيرة فى المنطقة التى لم تتورط فى الصراع السورى وأيديها نظيفة، هكذا تراها كل الاطراف، لذا فدورها مقبول من جميع الجوانب المعنية بالقضية. بعد زيارتك الأخيرة موسكو، ولقاء وزير الخارجية سيرجى لافروف ونائبه ميخائيل بوجدانوف، بماذا تشعر تجاه الموقف الروسي؟ خلال لقاؤنا بوزير الخارجية الروسى ونائبه اتفقنا على عدة أشياء، فنحن ننظر إلى روسيا على أنها دولة صديقة نطلب منها المساعدة لإيجاد حل سياسى لاننا نعلم أن روسيا صادقة فى رغبتها فى إيجاد حل ونحن نسعى للحفاظ على وحدة الأرض السورية والشعب السورى والحفاظ على مؤسسات الدولة وإنقاذ سوريا من يد التنظيمات الإرهابية المرتزقة وإحكام السيطرة على البلاد. ونشعر فى كثير من الأحيان بوجود تطابق مع الجانب الروسى فى الأفكار والرؤي.