وكأننى كنت أعيش وهما أو أبحث عن سراب.. أو ربما كنت فى حالة من أحلام اليقظة.. إلى أن أفقت فجأة على حقيقة مؤلمة سأحكى للقارئ الكريم عنها فورا. كنت منذ بداية الألفية الثالثة (15 سنة تقريبا) أكتب باستمرار عن أحلامى فى أن أرى الساحل الشمالى مشروعا قوميا سياحيا لمصر يعود عليها بمليارات الدولارات ويفتح أبواب الرزق وفرص العمل لابنائها الشباب تماما مثلما هو حادث فى تونس وإسبانيا وإيطاليا وكل الدول على سواحل البحر المتوسط شماله وجنوبه. وكانت مبرراتى فى هذه الأحلام أن الساحل الشمالى المصرى بكل جماله وروعة رماله وزرقة مياهه التى لا مثيل لها فى العالم يمكن أن يكون عامل جذب سياحى ومقصدا جديدا لملايين السياح مثل الغردقة وشرم الشيخ وأذكر أننى كتبت فى 31 يوليو من العام الماضى مقالا على هذه الصفحة عنوانه «لا سياحة فى الساحل الشمالى إلا إذا» طالبت فيه بتجهيز هذا الساحل بكل المقومات السياحية واليوم أضيف أنه لكى تكون هناك سياحة فى الساحل لابد أن يتحول العمل إلى مشروع قومى يستهدف بناء نحو 30 ألف غرفة فندقية أو أكثر من غير المعقول أن تكون كل الغرف المتاحة حاليا من الإسكندرية حتى مرسى مطروح نحو 7 آلاف غرفة فقط، ولحسن الحظ أن لدينا الآن مطارات جاهزة فى العلمين وبرج العرب ومرسى مطروح، وهذا العدد من الغرف والمطارات يشكل بداية قوية لصناعة مقصد سياحى جديد فى الساحل. وأضفت إلى ذلك مقالا فى 17 أغسطس من العام الماضى أكدت فيه أن مارينا يمكن أن تكون بداية السياحة فى الساحل والمركز الأول بكل ما فيها من مقومات ترفيهية ومجتمع متكامل يمكن أن يجذب السائح طوال العام، وكذلك منطقة سيدى عبدالرحمن ثم منطقة ألماظة بالقرب من مرسى مطروح. كنت دائما أقول المهم البداية ولذلك تفاءلت الصيف الماضى حين أعلنت وزارة الإسكان عن التخطيط لانشاء مركز سياحى عالمى بجوار مارينا فى الاتجاه إلى سيدى عبدالرحمن وأعلنت عن مركز آخر جنوب مارينا تعتمد فكرته على توصيل مياه البحر إلى بحيرات جنوب مارينا عند بداية طريق وادى النطرون. لكن للأسف هذا الأسبوع تبدد كل هذا التفاؤل وضاعت كل هذه الأحلام فى أن يتحول الساحل الشمالى إلى مشروع قومى لخدمة السياحة وذلك بعد زيارة قمت بها إلى الساحل فى المسافة ما بين مارينا حتى مرسى مطروح (100كم تقريبا) لأن هذه المسافة هى التى كنت أعول عليها فى أن تكون ريفيرا جديدة على البحر المتوسط، وكنت أرى أن هناك فرصة لأن تمنع الحكومة أو تحد من بناء القرى السياحية للمصريين من مارينا حتى مرسى مطروح بعد أن تحولت المسافة من العجمى إلى مارينا إلى مجرد غابات أسمنت لا يسكنها أحد إلا شهرى يوليو وأغسطس ثم تبقى مهجورة طوال العام فى أكبر عملية اهدار لمقومات وموارد مصر السياحية. وأذكر أننى كتبت مقالا تحت عنوان «العجمى سقط سهوا والساحل الشمالى يجب الا يسقط عمدا من على خريطة السياحة المصرية» وذلك منذ نحو 15 عاما ويومها قلت: إذا كانت الدولة المصرية فى النصف الثانى من القرن الماضى قد نسيت السياحة فى المائة كيلو متر الأولى لأسباب مختلفة من حروب وخلافه فإنه يجب ألا يحدث ذلك فى المائة كيلو متر المتبقية من مارينا حتى مطروح. أعود لما فوجئت به هذا الأسبوع ليكون هو الحقيقة المرة أو المؤلمة التى تحدثت عنها فى بداية هذا المقال وبسببها تحولت كل الأحلام إلى أوهام.. فقد فاجأنى أحد الأصدقاء المحترمين من رجال السياحة قائلا: يا عزيزى أنت تكتب منذ سنوات عن أوهام.. ثم دعانى إلى جولة من مارينا حتى مرسى مطروح ليثبت لى أن مساحات ضخمة من الساحل تتحول الآن إلى قرى سياحية جديدة للمصريين وأن عشرات الكيلو مترات من الشواطيء والأراضى تم بيعها أو وضع اليد عليها على طول الساحل الشمالى من رجال أعمال وشركات بما يكاد أن يكون الساحل الشمالى كله أو جزء كبير قد تم بيعه بالفعل لبناء قرى للمصريين أو بيعه أراضى يتم «تسقيعها» يعرضها أصحابها حاليا للبيع بعشرات أو مئات الملايين من الجنيهات. وللعلم شاهدت إعلانات تسويقية لقرى جديدة بالفعل وتأكدت من أن هناك عشرات الكيلو مترات من الأراضى يعرضها أصحابها للبيع والدولة غائبة تماما عن كل هذا.. فلا أحد يعلم من باع كل هذه المساحات هل محافظة مطروح؟ هل هيئة المجتمعات العمرانية؟ هل بوضع اليد؟ هل العرب أو البدو كما يقولون؟ هل هيئة التنمية السياحية؟ أنا بالطبع عرفت عددا من اسماء الذين اشتروا ولكنى لا أعرف الكثير من الذين «يسقعون الأرض» ويكسبون الملايين الآن ولم يدفعوا شيئا للدولة إلا «الفتات» أو القليل والدولة لا تطالبهم بأية حقوق وكأنها تتعمد تركهم ليكسبوا كما يحلو لهم. والغريب فى الأمر أن كل هؤلاء لا يفكرون فى السياحة بل يفكرون فقط فى الاستثمار العقارى السياحى الذى يحقق أرباحا طائلة! بعكس الاستثمار فى السياحة والفنادق.. لكن الأغرب أن الدولة لا تتحرك أو ربما لا تعلم شيئا عن هذا الذى يحدث فى الساحل الشمالى ولا تطالب بحقوقها المادية من الذين «يسقعون» ويتاجرون فى أراضى الدولة.. بينما الدولة أو الحكومة تلاحق الذين بنوا الفنادق وخدموا السياحة فى الغردقة وشرم الشيخ وذلك بفرض رسوم واتاوات لا مبرر لها وتؤجر لهم الشواطيء بمبالغ خيالية تماما كما تفعل وزارة الإسكان فى مارينا بينما تترك عشرات الكيلو مترات لهؤلاء الذين يسقعون الأراضى من المحظوظين ويبنون القرى السياحية فى الساحل ويبيعون بأسعار خيالية وينهون حلم السياحة فى الساحل الشمالى كمشروع قومى لصالح الأجيال القادمة. كنت أتصور أنه لو أن جهة ما فى الدولة هى التى باعت فان عليها أن تلزم من اشترى ببناء فندق بعدد غرف كبير فى القرية السياحية وبالتالى يسهل تسويق الساحل للسياحة الأجنبية وذلك بعد أن فشلنا فى تخصيص الساحل الشمالى كله للسياحة. وكنت أتصور أن يتم تخصيص مساحات لهيئة التنمية السياحية مثل ما حدث فى الغردقة وشرم الشيخ تطرحها بحوافز للمستثمرين لتحقيق طفرة سياحية فى الساحل بدلا من اهداره فى قرى للمصريين لا تحقق ولا تضيف شيئا للاقتصاد القومى! ويبقى السؤال.. من باع كل هذه الأراضى والشواطىء؟ ومن اشترى وأين الدولة؟ وأين حق الأجيال القادمة؟ نريد أن نعرف؟ وأين المزادات؟ وأين الشفافية فيه؟ ومن هم أصحاب الحظ الذين اشتروا أو تم تخصيص عشرات الكيلو مترات لهم من شواطىء مصر فى سابقة لم تحدث فى أى دولة فى العالم؟ إن هذه دعوة لأن تتحرك الحكومة والدولة فى هذه القضية فربما تكون هناك «بواقي» فى الساحل الشمالى من الأراضى التى تصلح للمشروعات السياحية ويمكن أن تنقذها الدولة من هؤلاء الذى يدمرون أحلامنا فى غد أفضل.. فمازلنا نتمسك بالأمل فى إنقاذ ما يمكن إنقاذه.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.. لمزيد من مقالات مصطفى النجار