"عين الحلوة" لم تعد حلوة،فالمرارة تملأ أجواء ونفوس ساكنى مخيم اللاجئين الفلسطينيين الأشهر فى لبنان الذى يشهد توترا ومعارك مسلحة منذ شهر، وتؤكدالمعلومات الأمنية اللبنانية والفلسطينية المرتبطة بمخيم عين الحلوة أن المخيم المكتظ باللاجئين والهاربين بجوار عاصمة الجنوب صيدا أصبح بيد التنظيمات التكفيرية التى تدور فى فلك تنظيم القاعدة وداعش وجبهة النصرة وغيرها من التنظيمات التكفيرية التى تريد تفجير لبنان واستقراره مؤكدة أن الجماعات الإسلامية المتطرفة لا تزال تتلقى الأموال الضخمة من جهات إقليمية تدعم وتدير هذه الجماعات التابعة لها. وأمس الأول السبت اندلعت المعارك على خلفية قيام إسلاميين متشددين بمحاولة اغتيال مسئول من حركة فتح خلال تشييع جنازة فى المخيم، ،حيث قتل شخصان وأصيب 15 آخرون فى اشتباكات عنيفة . كان المخيم الأشهر فى لبنان قد شهد تصاعد التوتر الأمنى منذ ثلاثة أسابيع عقب اغتيال القيادى فى حركة فتح طلال البلاونة المعروف بطلال الأردنى وابن شقيقه شعبان بلاونة الذى كان يرافقه، وأصيب شخصان تصادف مرورهما بالمكان، ،حيث قام شخصان ملثمان يستقلان دراجة نارية بإطلاق النار باتجاه الأردنى ومرافقه فأصيبا بجروح خطيرة أدت إلى وفاتهما بعد دقائق من دخول المستشفي، وعقب الحادث الذى وقع مطلع الأسبوع الحالى شهد المخيم اطلاق نار وتوتر عقب شيوع الخبر،الذى أدى إلى إجتماعات أمنية مكثفة لبنانية وفلسطينية لمتابعة نتائج الحادث ومعرفة المجرمين. ومنذ أسبوع خرج الشيخ المتشدد أحمد الأسير من المخيم وتم القبض عليه فى المطار قبل سفره الى القاهرة، ومخيم عين الحلوة أكثر المخيمات اللبنانية توتر فى لبنان من بين 12 مخيما للاجئين الفلسطينيين ومساحته لاتتعدى كيلو مترا مربعا واحدا ويعيش داخله حوالى 70ألف لاجئ فلسطينى ويقع جنوب مدينة صيدا كبرى مدن الجنوباللبنانى ذات الأغلبية السنية ومعقل آل الحريرى والسنيورة ،وهو محاط بسور مرتفع وله بوابات يسيطر عليها الجيش اللبنانى بحيث لايدخل ولايخرج أحد من دون تصريح. ويعيش داخل المخيم أكثر القوى الإسلامية تشددا والمحسوبة على تنظيمات جند الشام وفتح الإسلام ،والقاعدة وجبهة النصرة والشباب المسلم التابع لداعش ،وقد أكدت التحقيقات الأولية أن الجماعات المتشددة هى المسئولة عن إغتيال أبرز خصومها فى المخيم طلال الأردنى وهو قائد كتيبة شهداء شاتيلا فى حركة فتح ، وشكلت عملية إغتيال الأردنى فى وضح النهار وفى مربعه الأمنى ضربة قاسية لحركة فتح كبرى فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، التى لم تستوعب بعد هول الصدمة وهى تقف حائرة امام الخيارات الصعبة، لأنها لن تخوض معركة وهمية تؤدى إلى اقتتال داخلى للاقتصاص من الجناة، كما أنها لن تقف مكتوفة اليدين لأن ذلك يعنى المزيد من ضعفها وانهيار قوتها العسكرية وهيبتها المعنوية أمام تمدد المجموعات الإسلامية المتشددة. وتعتبر القوى الفلسطينية أن عملية اغتيال الأردنى انتكاسة أمنية لتقوض جهودها فى تحصين الأمن والاستقرار ومحاولة لاسقاط مبادرتها الموحدة التى أطلقتها العام الماضى لحماية المخيمات والوجود الفلسطينى فى لبنان، والحفاظ على العلاقات الفلسطينية اللبنانية فى ظل الخلافات اللبنانية الداخلية واشتعال المنطقة اقليميا ومايتعرض له الفلسطينيون فى مخيم اليرموك بسوريا ،وإتهام فلسطينيين بمساعدة داعش والنصرة فى حربهما المسلحة ضد النظام السورى وكذلك إنقسام الواقع اللبنانى بين فريقين مؤيد ومعارض لنا يحدث فى سوريا. اغتيال الاردنى لم يكن مفاجأة لغالبية القوى والقيادات الفلسطينية ، لأنه محسوب على قائد الكفاح المسلح الفلسطينى السابق محمود عبد الحميد عيسى المعروف باسم اللينو بالرغم من فصله من حركة فتح وتجريده من كل صلاحياته ومسئولياته من دون أن يتخلى اللينو عن انتمائه لفتح ويعتبر اللينو رأس حربة فى مواجهة العناصر الإسلامية المتشددة وكذلك الأردنى ،وقد نجا اللينو عدة مرات من الإغتيال على أيدى القوى الإسلامية المتشددة ،ويعد اغتيال الأردنى رسالة مباشرة الى اللينو الذى يسعى لتجميع القوى المناهضة للمتشددين. وإذا كانت حركة فتح غير قادرة على حماية مسئوليها وكوادرها فى عين الحلوة فان اللينو وعناصره المسلحة لن يسكت على جريمة اغتيال الأردنى الذى كان يشكل العصب الرئيسى لحركته الاصلاحية ولذلك يخشى الجميع فلسطينيين ولبنانيين من انفجار عين الحلوة مما يؤدى لعواقب مدمرة على سكان المخيم والمناطق المحيطة به. ومن الملاحظ أن المجموعات والتنظيمات الإرهابية التى تتعاطف مع تنظيمى داعش وجبهة النصرة، وتتخذ من بعض أحياء المخيم، مربعات أمنية تفرض فيها سيطرتها بقوة السلاح ، باتت فى موقع المبادر بالتفجير ، الذى يخدم مصالحها وينفذ الأجندات الخارجية، وعلى مايبدو كما تقول تقارير دبلوماسية أن مايجرى فى عين الحلوة هو حراك مشبوه وخطير للمجموعات الإسلامية المتطرفة ما ينذر بأن الHنفجار المقبل فى لبنان سيكون من قبل المجموعات التكفيرية التى لطالما توعدت شعب لبنان وجيشه ومقاومته بمزيد من العمليات الإرهابية والإجرامية. واللافت للنظر أن اغلب انصار الشيخ الأسير هربوا بعد مواجهة الجيش لهم فى عبرا شرق صيدا فى 2013 إلى داخل المخيم ،كما نزح إليه بعض اللاجئين الهاربين من الجحيم السورى ،بالإضافة إلى نازحين سوريين متعاطفين مع المعارضة المسلحة داخل سوريا خاصة النصرة وداعش ،وهو الأمر الذى يشكل بيئة حاضنة وقوية بالسلاح والمقاتلين لإحداث Hنفجار داخل لبنان من عين الحلوة سرعان ماستطاير شرارته إلى بقية المخيمات التى تضم بين جنباتها أكثر من 400ألف فلسطينى ناقمين على الأوضاع المعيشية داخل لبنان ومحرمون من أبسط حقوق الحياة بعد تقليل إعاناتهم المادية والغذائية التى توزعها عليهم منظمة غوث اللاجئين الفلسطينيين فى لبنان"الأونروا". القوى الفلسطينية المسئولة أمام الحكومة اللبنانية عن تأمين وحماية واستقرار المخيم بالتعاون مع الأجهزة الأمنية اللبنانية لم تعد قادرة على احتواء الأوضاع المتفاقمة داخل المخيم ،خاصة أن بعض القوى السياسية المحلية والخارجية عملت على توظيف حالة التسيب السياسى والأمنى داخل المخيم ليصبح ورقة سياسية وأمنية قابلة للاستغلال لصالح أجندات داخلية وخارجية. وكأن لبنان لم يكفه مايعانيه من فراغ رئاسى للعام التالى وتمديد لمجلس النواب،وحكومة تكاد تكون معطلة بسبب إختلاف وجهات النظر بين الفرقاء السياسيين ،وحدود ملتهبة على الجبهتين الشرقية والشمالية مع داعش والنصرة،واشتعال الجار السورى للعام الخامس،واستقبال أكثر من مليونى نازح سورى داخل للبنان أدوا إلى زيادة البطالة وإرتفاع قيمة إيجار المساكن وارتفاع اسعار الغذاء والدواء ،وأخيرا مشكلة القمامة المكدسة فى الطرقات والميادين بسبب السمسرة والمغالاة فى قيمة جمعها من قبل الشركة المسئولة والتى تخص أحد كبار الساسة فى لبنان ،كل هذه المشاكل مع تصعيد مستمر داخل عين الحلوة يوشك أن يفجره ويجر معه لبنان إلى المجهول ،فهل تنجح حكومة تمام سلام التى يشل حركتها خصومه السياسيون فى فرملة المسلحين فى عين الحلوة كما سيطرت من قبل عليهم فى عرسال وطرابلس العام الماضى ،أم أن السلاح المتكدس داخل عين الحلوة سيحول دون السيطرة،وكذلك الإنقسام الفلسطينى داخل المخيمات بين العديد من المنظمات والفصائل الفلسطينية وأشهرها فتح وحماس، ليظل الحال متسارعا من سيىء إلى أسوأ ليجر لبنان إلى الهاوية بسبب الإنفلات الأمنى الفلسطينى مثلما حدث فى 1975 وأدى لإشتعال الحرب الأهلية اللبنانية التى استمرت 15 عاما وحصدت 250 ألف قتيل ومثلهم من الجرحى والمعاقين؟