بعد تخرجى فى كليتى بشهور تعرفت على شاب عن طريق والدته، لدى قريبة لنا، وقالت لى والدته إنها تريدنى زوجة لابنها، وبالفعل التقيت به فى حضور أسرتينا، وتبادلنا الزيارات معهم, وأعلنا الخطبة، ويوم بعد يوم لاحظت أن زوجى ليس سيد قراره, وإنما والدته هى الآمر الناهى فى كل ما يخصه, حيث يمتثل لكل ما تطلبه, وقد حللت هذه العلاقة بأنها قائمة على الاحترام، ولا شيء فى ذلك, فمن الطبيعى أن يستشير الابن أمه فيما يخصه، لكنى أعترف بأننى أخطأت التفسير لقلة خبرتي، وتماديت فى موقفى المساند له، ولم ألق بالا لتحذير أبى لى بعد لقائه به عدة مرات, فلقد قال لى إنه «ابن أمه», بل إننى قلت له إنه مثلما يحترم والدته فسوف يحترمنى ويأخذ رأيى فى كل شيء, فصمت برهة ثم قال: لك الاختيار. وعرضت والدة خطيبى علىّ أن نقيم معها أو فى شقة مجاورة لها, فرفضت وأصررت على أن يكون لنا سكننا الخاص بعيدا عن أسرتينا, فلم تمانع, بل إنها دعمتني، ولم تناقشنى فى الشقة التى اخترتها، لكنها تدخلت فى الأثاث وكل شىء بعد ذلك، وما هى إلا أيام حتى بدأت الصورة الضبابية تتضح شيئا فشيئا, فحماتى هى التى تقود كل صغيرة وكبيرة فى حياتنا, ولا رأى لزوجى على الإطلاق, بل إنه لا يتحرك خطوة واحدة قبل أن تعطيه الأمر بأن يخطوها, وفى نهاية اليوم لابد أن يقدم لها تقريرا وافيا عما فعله, وما ينوى القيام به فى اليوم التالي. وحتى فى الفسح لا نخرج إلا بصحبتها أو الذهاب إلى المكان الذى تمليه علينا، ونبلغها بمواعيد ذهابنا وانصرافنا! وحاولت أن أعالج زوجى من الالتصاق المرضى بوالدته, فإذا به يخبرها بكل ما قلته له, فثارت فى وجهى وهددتنى بأنها سوف تطلقنى منه, وأننى لن أستطيع أن أستأثر به وحدي، ولم أجد أمامى سوى بيت أسرتي, فذهبت إلى والدتى ورويت لها ما حدث, فأخذت تبكى على حالي, ونصحتنى بالصبر والتريث, فعملت بما طلبته مني, وتحملت كل ما بدر من والدته, لكن النتيجة كانت أسوأ مما توقعت, فلقد أخبرنى زوجي, بأنه سوف يسافر فى مأمورية عمل، وبأن أمامى خيارين لا ثالث لهما, إما أن أقيم مع حماتي, أو تنتقل هى للإقامة معي, فرفضت كلا الاختيارين, وأقنعته بهدوء بأن الأفضل لاستمرار حالة الوفاق المؤقت مع والدته أن أقيم بمفردى أو أذهب إلى أسرتى للإقامة مع والدتي, فأشار علىّ بالحل الثاني, فذهبت إلى منزلنا. وقبل أن أطرق الباب جاءنى هاتف من حماتى وإذا بها تقول لي: إذا بت ليلتك عندك فلن تعودى إلى زوجك مرة أخرى وأغلقت الهاتف فى وجهي, فتضايقت وعشت ليلة سوداء, وحاولت والدتى تهدئتي, ولم تمر ساعة واحدة حتى اتصل بى زوجى وبكل استهتار قال لي: أنت طالق, فأصابتنى حالة هستيريا وانهرت تماما, ونقلونى إلى المستشفى وقال الأطباء إننى أصبت بحالة عصبية حادة. وحاول زوجى ووالدتى إعادة المياه إلى مجاريها بعد أن علموا بما حدث لي، لكنى رفضت بشدة ومضيت فى إجراءات الطلاق, ولم أتوقف كثيرا عند حقوقى فتنازلت عنها. والآن أنا مطلقة أجر أذيال الخيبة على زيجة فاشلة، وما أحذر البنات منه هو ألا يتزوجن إلا بعد فترة خطبة مناسبة يتعرف فيها الطرفان على بعضهما بصورة صحيحة، والحمد لله على كل حال. ولكاتبة هذه الرسالة أقول: هناك أمران تثيرينهما ينبغى التوقف أمامهما طويلا، وتأمل الدروس المستفادة منهما: الأمر الأول يتعلق بالتدليل الزائد عن الحد للأبناء خصوصا اذا كان الابن وحيدا حيث تسيطر الأم عليه وتتخذ القرارات المصيرية فى حياته نيابة عنه لدرجة انها تقتله بحبها الزائد.. وهذا ما حدث بالفعل مع مطلقك الذى لم يشعر يوما أنه صاحب قرار، ولم تلتفت والدته إلى ما حدث له وخراب بيته بعد شهرين من الزواج.. هى لم تع ذلك وكل همها انها نفذت رأيها, وعاد أبنها اليها.. ومادام قد خضع هذا الخضوع الغريب لإرادتها فلن ينعم يوما بالراحة ولن يستطيع ان يواصل حياته كأى شاب يعرف كيف يحسم أموره ويفرق بين طاعة الوالدين والانقياد الأعمى لما يمليانه عليه خاصة والدته. واما الأمر الثانى فيدور حول تمرد البنت على نصائح ابويها خصوصا فيما يتعلق بمسألة الزواج فلا يوجد أب وأم لا يريدان لإبنتهما الراحة والأمان والطمأنينة مع زوج يحتويها ويبنيان معا عشا هادئا، ولكن فى مثل هذه الظروف يجب ان تعمل البنت ألف حساب لتصرفات الابن الوحيد لأمه.. ولابد من وضع النقاط فوق الحروف وعدم اتمام الزواج إلا بعد ملاحظة علاقة الأم بابنها فترة طويلة. هنا فقط يمكن النظر فى مسألة تزويج ابن أمه من عدمه، مع التأكيد على ان تكون العلاقة بين الطرفين واضحة لا لبس فيها، وعلى الزوج ان يهتم بزوجته، ولا يفشيان أسرارهما لأحد.. ومن هنا يمكن ان تسير الحياة بصورة طبيعية إلى بر الأمان.