الحكايات فى مصر تبدأ ولا تنتهى وهى مليئة بالأسرار والأخبار وتحكى فصولها جزءا كبيرا من تاريخ البلاد والعباد وهى غالباً مثيرة وخاصة حينما تتعلق بالعصور الإسلامية وحكايات المماليك والقصور والقاهرة القديمة ببواباتها وشوارعها وحكايات الناس خلف مشربياتها وحواريها وحوانيتها ومساجدها التى تقف متحدية الزمن تحكى وترسم صورة قديمة عن حكايات مدينة الألف مئذنة ، وحكاية هذا الأسبوع من هذا النوع ، فالوثيقة التى أعرضها تتحدث عن واحد من أشهر جوامع مصر القديمة هو جامع برقوق الذى يقع فى منطقة الجمالية بالقاهرة القديمة وهى موجهها من نظارة الاشغال العامة الى محافظ مصر بتاريخ 15 يناير 1899 أى فى فترة حكم الخديو عباس حلمى الثانى وتقول : « محافظ مصر سعادتلو إفندم ... طلب ديوان الأوقاف من النظارة نزع ملكية خمسة دكاكين كائنة أسفل جامع برقوق وهى نمرة 4 ونمرة 11 وقف الشعراوي وتُمنت الأولى بمعرفة قومسيون التتمين ( التثمين ) بمبلغ 187 جنيها والثانية 115 جنيها ونمرة 15 و 16 و 17 وقف برقوق نظارة ديوان الأوقاف وتُمنت الأولى بمبلغ 106 جنيها و216 مليم والتانية بمبلغ 96 جنيها و492 مليم والتالتة بمبلغ 96 جنيهاو492 مليما ولما طلبنامن الديوان المذكور إرسال ثمن تلك الدكاكين لإجل توقيع صيغة الاستبدال الشرعية فيها لجهة الحكومة حجز عنده ثمن الثلاثة دكاكين الواقعة فى نظارته وأرسل لنا مبلغ 302 جنيه ثمن الدكانين الذين فى نظارة ( حوزة ) الشيخ عبد الوهاب الشعراوي فأوردته النظارة بخزينة نظارة المالية بموجب علم خبر فى 14 نوفمبر 1898 وحررت نظارة المالية لوضعه تحت طلب المحافظةً وها هى محاضر تتمين وكشوف مقاس وحدود الدكاكين المذكورة مع إفادة سعادتكم المؤرخة 9 يناير 1899 بأمل استلام مبلغ 302 جنيه من المالية وبعد أخذ موافقة الشيخ عبد الوهاب الشعراوي بالثمن الذى قدره قومسيون التتمين للدكانين وقف الشعراوي اللتين فى نظارته يجرى توقيع صيغة الاستبدال الشرعية فيها وفى الثلاثة دكاكين التى فى نظارة ديوان الأوقاف ويصرف مبلغ 302 جنيه الى الشيخ الشعراوي ويفاد منه « الى هنا وإنتهت الوثيقة التى أراها شديدة الغرابة فما هو الداع لأن يطلب ديوان الأوقاف من وزارة المالية نزعى ملكية دكاكين ومحلات لصيقة بمسجد السلطان برقوق؟ وفى أى شئ سيتم إستخدامها ؟ هذا ما لم تذكره الوثيقة التى تحمل إمضاء وختم حسين فخرى وزير الاشغال وقتها . ومن هذه الوثيقة نتبين أنه كانت هناك متابعة للأوقاف الحكومية والخاصة ، وأن المصلحة العامة كانت تعلو على المصالح الخاصة ، فعندما قررت الحكومة ممثلة فى نظارة الأوقاف إحتياجها لهذه الدكاكين قررت شراءها من أصحابها وشكلت لجنة رسمية بمنتهى الشفافية لتثمين هذه المحلات حتى لا تضيع حقوق أصحابها ، وبالفعل قامت اللجنة بمعاينة الدكاكين وتثمينها وحددت أثمانا أراها انا كبيرة بمقاييس هذا الزمان فمبلغ 187 جنيها فى ذلك الوقت كان ثروة وكذا مبلغ 106 جنيهات ، وقد تبينت اللجنة ان محلين فقط كانا ملكا للشيخ عبد الوهاب الشعراوي فأوصت بشرائهما بعد موافقة الشيخ على الأسعار وتوقيع العقود معه وأرسلت الأموال الخاصة بالدكاكين لسرعة إتمام عملية البيع أما الدكاكين التابعة للأوقاف فأجلت إرسال الأموال ( على أساس أن الحكاية فى بيتها .. من الحكومة والى الحكومة ) ولكن الملاحظ أن هذه الأمور كانت تتم بسلاسة وبدون ضغط أو بلطجة من الحكومة بل بمنتهى الشفافية بحيث يحصل كل مواطن على حقه ، وأعتقد أن الأوقاف كانت تشتري هذه المحلات لتحويلها لكتاتيب أو إدارات ملحقة بالمسجد والمدرسة الملحقة به . بقى أن أقول إن تاريخ إنشاء مسجد ومدرسة السلطان برقوق يرجع إلى عام 1286 ميلادية – 788 هجرية ، وشيده السلطان الظاهر أبو سعيد برقوق أول حكام مصر من المماليك الجراكسة وكان مملوكا للأمير يلبغا الذى أعتقه وصار يتدرج فى مناصب الدولة المختلفة حتى صار مساعد السلطان الصالح أمير حاج إلا أنه استغل وصايته على السطان صغير السن وقام بخلعه وتولى حكم مصر ليصبح أول حكام مصر من المماليك الجراكسة ومؤسس دولة المماليك الجراكسة فى مصر. بنى السلطان الظاهر برقوق المسجد والمدرسة لتدريس المذاهب الأربعة، وألحق بها قبة ضريحية وخانقاه، وذلك سنة 786 788 ه (1384 1386م). وكانت مدرسة برقوق بالنحاسين وملحقاتها أول منشأة معمارية تبنى في دولة المماليك الجراكسة ( البرجية ) ، وكان في موضعها مبني سكن يسمى خان الزكاة وأشرف على البناء الامير جركس الخليلي أمير اخور. تكوين المدرسة وهندستها المعمارية لا يختلف عن مدارس مصر الإسلامية حيث تتكون من صحن مكشوف تحيط به أربعة إيوانات أكبرها إيون القبلة الذى يتميز بزخرفته الذهبية المميزة إضافة إلى غرفة ضريحيه دفن فيها وغرفة اخرى دفن فيها والد السلطان برقوق وثلاث من نساء بيته إضافة إلى مبنى كان كتابا ومدرسة لتعليم علوم القرآن والحديث ملحق بها إيوان صغير كان بمثابة «الفسحة للأطفال» يلعبون فيها أثناء الراحة من الدروس الدينية ، والمدرسة كائنة بشارع المعز لدين الله بالنحاسين . أما حسين فخري باشا جنكات الذي ذيل امضاءه الوثيقة فهو وزير ورئيس وزراء مصري سابق من أصل شركسي (1843 1920) ، تولى رئاسة الوزارة لمدة ثلاثة أيام (من 15 يناير 1893 - إلى 18 يناير 1893). والله على مصر ومساجدها وحكاياتها زمان .