ذكرتني موجة الحر الشديدة التي تتعرض لها مصر، ودول المنطقة حاليا، بالحر الذي كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وصحابته، رضي الله عنهم، يعيشون فيه، في مثل هذه الأوقت من كل عام، فكانوا لا يتوقفون لحظة عن العمل، والاجتهاد، والتقرب من الله، بسائر أشكال الطاعات. كانوا يفعلون ذلك انطلاقا من أن حر الدنيا لا يساوي شيئا بجانب حر جهنم. فقد قال العلماء: "ينبغي لمن لا صبر له على حر الشمس في الدنيا؛ أن يجتنب من الأعمال ما يتوجب صاحبه به دخول النار، فإنه لا قوة لأحد عليها، ولا صبر". "الجهاد"، الذي هو "أبو الطاعات"، كما قال "الفقهاء"، لم يكن يتوقف لحظة أيام الصحابة، لتحرير البشر من عبودية البشر، على ما فيه من خروج وتعرض لأشعة الشمس، والشعور بالظمأ، وملاقاة الأعداء، وذلك كما رأينا في سورة التوبة، والموقف من المنافقين المتخلفين في غزوة تبوك، إذ تعللوا بشدة الحر، فقال الله تعالى: "قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون". ومع الجهاد، كان الصيام.. فكان الصحابة يصومون اليوم الحار، ليوم أشد حرا، وذلك من عُلو همتهم، ومبادرتهم أيامهم، كما كانوا يعطشون أنفسهم لله، من أجل أن يرويها الله تعالى يوم القيامة. فكان أبو الدرداء، رضي الله عنه، يقول: "صوموا يوما شديدا حره لحر يوم النشور، وصلوا ركعتين في ظلمة الليل لظلمة القبور". وكان الصحابة "يتفننون" في طاعة ربهم، فابتكروا ما سُمي ب "ظمأ الهواجر"، وهو الإكثار من الصوم في شدته، باعتباره مما يُضاعف ثوابه من الطاعات، لما فيه من الظمأ والعطش في اليوم القائظ، حسبة لله. وهكذا كان معاذ بن جبل، والسلف الصالح، رضي الله عنهم، يتأسفون عند موت أحدهم، على ما فاته من "ظمأ الهاجرة". بل اعتبر عمر، رضي الله عنه، الصوم في شدة الحر، من خصال الإيمان، التي وصى بها ابنه عبد الله عند موته، فقال: "عليك بخصال الإيمان".. وسمى أولها: "الصوم في شدة الحر". وفي الصحيحين عن أبي الدرداء قال: "لقد رأيتنا مع رسول الله في بعض أسفاره في اليوم الحار الشديد الحر، وإن الرجل ليضع يده على رأسه من شدة الحر، وما في القوم أحد صائم إلا رسول الله، وعبد الله بن رواحة". هكذا كان سلوك الرسول، والصحابة، في الحر: جهادا، وصوما، وصلاة، وحركة، ونماء، وقوة، وصبرا وجلدا. وليس مطلوبا منا سوى عدم التوقف عن الاجتهاد، والعمل، والتقرب من الله. نعم يمكن التقاط الأنفاس بإجازة بريئة، لتجديد النفس، وإنعاش الروح، لكن مع مراعاة أن صيف المؤمنين يعني: الإنجاز، واليقين. [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد