إذا أردنا حقا ان نعيد الحركة السياحية الى مصر..فعلينا الابتعاد عن الأفكار والحلول التقليدية التى تم استهلاكها منذ سنوات طويلة ولم تعد تحقق المرجو منها اللهم إلا مزيدا من استنزاف موارد الدولة وإهدار المزيد من الوقت الذى بدأ ينفذ من قطاع السياحة..فمع كل ازمة تعيشها صناعة السياحة يلجأ الوزير المسئول الى طرح حملات لتسويق مصر فى الخارج وعمل حملات إعلانية فى الصحف والمجلات والقنوات التليفزيونية لا طائل منها وتكلف صندوق السياحة ملايين الدولارات..فلماذا لا نلجأ الى افكار من خارج صندوق استهلك بالفعل..؟ فما حدث الأسبوع الماضى بقطاع السياحة يستدعى سرعة التحرك من أجل أن نمتلك مقدراتنا ونتحكم فى الأسواق المصدرة للحركة السياحية لا ان تتحكم فينا شركات السياحة الأوروبية..فبمجرد ان قرر وزير السياحة رفع الدعم الحكومى عن رحلات الطائرات العارض «الشارتر» المتجهة الى مدينتى الغردقةوشرم الشيخ بداية من نوفمبر المقبل.. سارع منظمو الرحلات فى الدول الأوروبية بالتهديد بتجميد جميع خططهم الخاصة بالحركة السياحية الى مصر خلال الموسم الشتوى المقبل.. مما ادى الى زيادة قلق قطاع السياحة من تراجع الحركة وانحسارها. وخلال الأسبوع الماضى تلقيت اتصالا هاتفيا من المانيا من محمد سمير عبد الفتاح أحد المستثمرين فى قطاع السياحة يحذر من اتجاه بعض كبار منظمى الرحلات فى أوروبا لإلغاء بعض الرحلات الموجهة الى مدينة شرم الشيخ مما سيؤثر سلبيا على الموسم الشتوى الذى من المفترض ان تصل الحركة السياحية بمصر خلاله الى ذروتها. وقد جاءت هذه المعلومة على خلفية البيان الذى اصدرته شركة «تيوي» بأن رحلاتها الى شرم الشيخوالغردقة ستتأثر حال قيام وزارة السياحة المصرية بإلغاء دعم الطيران العارض «الشارتر» ويذكر ان قيمة الدعم العام الماضى وصلت الى 16 مليون دولار. وقد تأكدت أيضا من صدق هذه المعلومات عندما تلقيت بيانا الإثنين الماضى من وزارة السياحة يفيد باجتماع وزير السياحة مع ممثلى من شركة «تيوي» فى السوق الانجليزية TUI- UK التى تسهم بما يقرب من ثلث الحركة السياحية الوافدة من هذه السوق المهمة التى تحتل المرتبة الثانية فى الحركة السياحية الوافدة الى مصر. وقد طالب جيرى ويلسن ممثل تيوى بضرورة استمرار دعم الطيران العارض والمتجهة الى مطار شرم الشيخ لضمان استمرار تدفق الحركة السياحية من الدول الأوروبية لمصر . وتجدر الإشارة إلى أن شركة TUI-UK المالكة لشركة طيران Thomsonfly تقوم بتسيير رحلات من مختلف المدن البريطانية الى المقاصد المصرية مثل شرم الشيخوالغردقة ومرسى علم. وهنا لا يستطيع أحد ان يعيب على سياسة هذه الشركات الكبرى لأنها فى النهاية مؤسسات اقتصادية تخضع قراراتها لحسابات المكسب والخسارة ولا يهمها من قريب او بعيد زيادة الحركة السياحية الى مصر او انخفاضها..ولكنها بموقفها الذى ناقشته فى اجتماعها مع وزير السياحة تكون قد ضربت جرس إنذار للحكومة المصرية التى لابد وأن تنتبه الى خطورة تحكم منظمى الرحلات فى صناعة السياحة فى مصر..والذى يؤكده اشتراطها الحصول على الدعم الحكومى قبل ان تتخذ اية قرارات بشأن استمرار الحركة الى مقاصدنا السياحية المختلفة..وهذا معناه ايضا ان خطة وزير السياحة التى قدمها لرئيس الوزراء المهندس ابراهيم محلب للوصول بأعداد السائحين الى 20 مليون سائح فى عام 2020 لا تستند الى آليات تمتلكها مصر وانما هى رهن بمشيئة منظمى الرحلات بالخارج. وفى الحقيقة فإن وزير السياحة السابق هشام زعزوع قد تنبه الى هذه القضية وقاد مفاوضات لم تكتمل كانت تستهدف دخول قطاع السياحة شريكا رئيسيا فى شركة «إيركايرو» المملوكة لشركة مصر للطيران ومجموعة من البنوك المصرية بقيمة 500 مليون جنيه، وهو رقم ضئيل بالمقارنة بما سيعود على صناعة السياحة فى مصر، وبتمويل من صندوق السياحة.. ويعود موقف زعزوع الى قناعته بأن قطاع الطيران يعتبر من أهم الأدوات الحاكمة لزيادة الحركة السياحية وتنوعها والخروج بها من سيطرة اسواق محددة..وقد جاء هذا المشروع الملح ليحل محل الدعم الموجه للطيران العارض «الشارتر». كما ينعكس قيام منظمى الرحلات الكبار - والذين يمتلكون فى نفس الوقت اسطول طائرات - بإلغاء رحلاتهم الى مصر.. على شركات السياحة الأوروبية ذات القدرة الاقتصادية الصغيرة والمتوسطة والتى يرتهن عملها وتسويقها لمقاصدنا السياحية بوجود هذه الطائرات..مما قد يؤدى الى خسارة جهد هذه الشركات التى لا تحصل على دعم وتسهم بنسبة كبيرة فى حركة السياحة الوافدة. وقد حصلت ايضا على الدراسة التى تمت فى عهد الوزير السابق هشام زعزوع التى أعدها فريق متخصص فى صناعة الطيران والتى جاءت تحت عنوان «انشاء وتشغيل شركة طيران منخفض التكاليف وعارض (شارتر) تسهم فيها الشركات الاستثمارية والسياحية المصرية ومستثمرو وملاك الفنادق والاتحاد المصرى للغرف السياحية..ومن أهدافها دعم السياحة والتخلص من سطوة شركات الطيران الأجنبية وزيادة الحركة السياحية من مقاصد جديدة لزيادة اجمالى عدد السائحين الوافدين لمصر بالإضافة إلى تحقيق ربح مناسب للمستثمرين. وتؤكد الدراسة أن شركة مصر للطيران تعمل بفكر اقتصادى متطور وتحاول جاهدة دفع شركتها للطيران المنخفض التكاليف الى الأمام فى ظل منافسة شرسة من شركات الطيران العالمية..ولذلك فإنها لا تستطيع تلبية احتياجات الطلب السياحى بالكامل وانها لا تستطيع منافسة شركات الطيران المنخفضة التكاليف فى أسعارها نظرا لتحملها بتكاليف ثابتة منها ارتفاع عدد العاملين بالشركة الذى لا يتناسب بأى حال من الأحوال مع عدد طائراتها. ولهذه الأسباب لا تستطيع الشركة الوطنية للطيران التواجد فى كثير من الأسواق التى يسعى قطاع السياحة لجذب مواطنيها للسفر الى مصر.. فعلى سبيل المثال هناك طلب من دولتى ايرلندا واسكتلندا والوسيلة الوحيدة للسفر من هذه البلاد عن طريق إنجلترا ولا يوجد أى طيران مباشر منها لشرم الشيخ..وهناك طلب ايضا من بولندا الى الغردقة لتلبية حركة الطيران الموجودة حاليا خاصة ان بولندا حققت 303 الاف سائح والرقم المستهدف تحقيقه خلال الفترة المقبلة هو 500 الف سائح..وهناك كذلك طلب من دول وسط اسيا والعديد من الدول الأوروبية الأخرى التى لا تجد وسيلة نقل إلى مقاصدنا السياحية المختلفة. أضف الى ذلك ولعله الأهم أن إنشاء شركة مصرية خالصة للطيران المنخفض التكاليف ستؤدى الى تحررنا من هيمنة منظمى الرحلات على الحركة السياحية الوافدة لمصر عموما مما سيؤدى الى تحسن أسعار البرامج السياحية وبالتالى زيادة نصيب مصر من عوائد القطاع والتواجد فى أسواق جديدة بخلاف الأسواق التقليدية التى سيطرت على جميع مقاصدنا السياحية مثل الإيطالية والألمانية والروسية. وتشير الدراسة ايضا الى الدور القوى الذى ستلعبه هذه الشركة حال اهتمام الحكومة بإنشائها مع القطاع الخاص..فى زيادة تدفق السياحة العربية الى مقاصد مصر السياحية المختلفة. ولضمان تحقيق العائد الاقتصادى المربح وتغطية مصاريف التشغيل ستعتمد سياسة الشركة على تشغيل الطائرات فى الايام غير المطلوبة سياحيا، مع تخصيص مقاعد لمنظمى الرحلات بصفة منتظمة لجذب السياحة الشاطئية والثقافية من مختلف الدول. كما ستعمل على نقل السائحين العرب بسعر منافس اثناء هذه المواسم. وقد اختتمت الدراسة بالإشارة إلى أن القطاع الخاص السياحى فى المقاصد السياحية المختلفة سيقوم بتمويل إنشاء هذه الشركة بالتعاون مع الحكومة المصرية لضمان تشغيلها وفقا للمصلحة العامة ولرؤية مصر المستقبلية حول صناعة السياحة. [email protected]